18 - 06 - 2024

الفلاسفة المهمشون

الفلاسفة المهمشون

في إحدى أمسيات ليالى القاهرة التي جمعتنا في بيت الصديق ضياء عبد الهادى الأديب والفنان التشكيلى رحمه الله، امتدت الأمسية حتى الساعات الأولى من الصباح، كنا مجموعة من الشعراء والكتاب انطلقنا إلى حي مصر القديمة حيث صديقنا بائع الكتب (عبدالمنعم) حيث كان يعيش في أحد المشاتل المهجورة على ضفاف النيل مباشرة، أيقظناه وتوجهنا به إلى إحدى عربات الفول المنتشرة هناك، تناولنا فطورنا جميعا ثم عرجنا إلى أحد المقاهى الشعبية لتكتمل الإصطباحة كما يقول أولاد البلد. 

هو بالنسبة لنا عبدالمنعم فقط لا أحد منا يعرف إسمه كاملا ولا من أي أرض يكون، حدثنا عن انزعاجانه من أولئك المتسكعين الذين يحاولون سرقته رغم رقة حاله حتى أنه كتب يافطة كبيرة بخط واضح وعلقها على السور الذى يجلس بجواره ليبيع الكتب للمارة، العبارة تقول "النمل الشجاع يبحث عن الطعام تحت الأقدام بينما اللصوص يسرقون عبدالمنعم" .. يا إلهى ما كل هذا العمق وهذه الفلسفة، المهم قضينا معه بعض الوقت وودعناه منصرفين وفى المساء كنا في الباخرة السرايا في ندوة المفكر العربى وكان معى صديقى الكاتب المسرحى رفاعى سعد الله ولفيف من المثقفين والوزراء العرب والمصريين وعلى رأسهم الدكتور مصطفى الفقى والوزير احمد جويلى ولفيف من رجال الفن والإعلام، تحدث الجميع ولكننى كنت مع عبدالمنعم وعبارتة الصباحية. كثيرا ما كان يعطى أحدنا كتابا ولا ينسى أن ينبهه أنه خصه وحده دون سائر المجموعة بهذا الكتاب النادر، ومن الظريف أنه كان يفعلها معنا جميعا، المهم اخذتنى الدنيا ومشاغلها وأسفارى الدائمة وأصبحت لا أعرف شيئا عن عبدالمنعم، وفى أحد الأيام ذهبت إلى مصر القديمة للسؤال عليه جاءتنى الإجابة كالصاعقة أنه مات منذ سنتين على أحد الأرصفة بجوار كتبه القديمة، إسمه عبدالمنعم فقط لا أعرف .. أين قبره لا أعرف ؟! أطرقت برأسى ومضيت شاردا أردد "النمل الشجاع يبحث عن الطعام تحت الأقدام بينما اللصوص يسرقووووووون الوطن".
---------------------------------
بقلم: سعيد صابر 

مقالات اخرى للكاتب

المؤامرة وكوبري غمرة





اعلان