26 - 06 - 2024

البيومي ونقد عبد الفتاح أبو مدين

البيومي ونقد عبد الفتاح أبو مدين

رغم ما كان يواجهه محمد رجب البيومي من لوم ونقد بسبب احتفائه بالصالحين وتعلقه العميق بهم، لم يتوانَ يوماً عن السير على درب قناعاته الراسخة. 

كانت الانتقادات التي توجه له غالباً ما تصدر من أولئك الذين لا يدركون عمق حبه وتعلقه بالصالحين. ولكنه كان يقابلها بثبات وقوة، مؤمناً أن الطريق الذي اختاره هو الطريق الصحيح. ولم يكن احتفاء البيومي بالصالحين إعجاباً سطحياً، بل نابعاً من قناعة راسخة بأن هذه الشخصيات تمثل نماذج عليا للأخلاق والقيم التي يجب أن يحتذي بها الجميع، فكان يرى فيهم تجسيداً لالتزامه العميق بتلك المبادئ التي اعتبرها نبراساً يضيء له الطريق في زمن يعج بالتحديات والأزمات الأخلاقية. 

ورغم كل العقبات لم ينحنِ البيومي أمام العواصف التي حاولت أن تثنيه عن مساره. بل كان يزيده النقد إصراراً على التمسك بمبادئه والذود عنها، واضعاً نصب عينيه أن التاريخ لم يخلُ أبداً من العظماء الذين تعرضوا للنقد واللوم لأنهم كانوا يسيرون عكس التيار، متمسكين بما يؤمنون به، غير عابئين برأي العامة. 

يتذكر أستاذنا بمشاعر مختلطة من الألم والاعتزاز موقفاً معيناً حين علق الكاتب السعودي المعروف الأستاذ عبد الفتاح أبو مدين على مقاله عن سيدي ابن عطاء الله السكندري، منتقداً ما اعتبره منحى دينياً مفرطاً في الاحتفال بأضرحة العلماء. 

لم يتأثر البيومي بالنقد اللاذع، إذ كان يؤمن بأن تباين الأنظار واختلاف الآراء أمر لا مفرّ منه في ميدان الفكر. 

تعود تفاصيل تلك القصة إلى يوم دعاه فيه شيخ الأزهر الدكتور عبد الحليم محمود البيومي بسرعة إلى مكتبه. كانت الدعوة تحمل طابع الاستعجال والأهمية، حيث طلب منه شيخ الأزهر كتابة مقال لمجلة الأزهر عن شخصية ابن عطاء الله السكندري.كان المطلوب أن يسرد فيه تاريخ نشأة هذا العالم الجليل، ويبرز مجده العلمي وأثره الأدبي والروحي. لم يكن المقال مجرد سرد لحقائق تاريخية، بل كان أيضاً بمثابة دعوة مفتوحة لأهل الخير والقادرين للتبرع من أجل بناء مسجد يليق بمقام هذا الإمام. 

تحمس البيومي لهذه المهمة، إذ رأى فيها فرصة ذهبية لنقل صورة ناصعة عن ابن عطاء الله السكندري عالم التصوف الكبير إلى جمهور القراء. جلس في مكتبه، يخط بأنامله الرشيقة كلمات تفيض بالإخلاص والتقدير.  لم يكن يكتب عن ابن عطاء الله كعالم تاريخي فقط، بل كان ينقل إلى الورق صورة حية لشخصية نورانية، أثرت في الفكر والروح، وتركت بصمات خالدة في مسيرة التصوف الإسلامي. 

وعبر سطور مقاله استعرض حياة ابن عطاء الله السكندري منذ نشأته، مروراً برحلته العلمية والأدبية، وصولاً إلى أثره الروحي الذي ما زال يلامس القلوب والعقول. لم يكن الهدف مجرد بناء مسجد، بل كان إعادة إحياء تراث رجل صنع الفارق في حياة كثيرين، وعاش زاهداً عالماً، يبث النور في دروب السالكين. 

واجه البيومي انتقادات عديدة، لكنه ظل صامداً، مؤمناً بأن دوره ككاتب ومفكر وعالم شريعة يتجاوز الحدود الضيقة للنقد والاختلاف. كان يرى في الاحتفاء بالصالحين تعبيراً عن الحب العميق والتقدير الخالص لمن أفنوا حياتهم في سبيل العلم والإصلاح. لم يكن الاحتفال بالأولياء عنده مجرد طقوس بل هو تعبير عن تواصل روحي مع أناس أضاءوا لنا طريق الهداية. 

لم يكن نقد الأستاذ عبد الفتاح أبو مدين سوى محطة من محطات التحدي التي واجهها البيومي بروح ثابتة وقلب مطمئن. كان يعرف جيداً أن لكل إنسان وجهة نظره، وأن الأهم هو الثبات على المبادئ والإيمان بما يقدمه من فكر وعلم.  

وفي ختام مقاله دعا البيومي أهل الخير للبذل والعطاء، ليستمر نور العلم والتصوف مضيئاً، وليكون المسجد المرتقب تجديده رمزاً حياً لمقام ابن عطاء الله السكندري، ولتراثه الذي لا ينطفئ. عبر هذا المقال الذي خطه البيومي لم يكن يسرد تاريخاً فحسب، بل كان يعيد رسم صورة حب وتقدير؛ موشومة بحب العلم وأهل العلم، لتبقى ذكراهم خالدة في القلوب والعقول.
----------------------------
بقلم: د. علي زين العابدين الحسيني 

مقالات اخرى للكاتب

البيومي ونقد عبد الفتاح أبو مدين





اعلان