26 - 06 - 2024

في مناسبة عيد الإعلاميين ( 4 ) : قضية المتقاعدين في ماسبيرو أمنية وليست فنية !

في مناسبة عيد الإعلاميين ( 4 ) : قضية المتقاعدين في ماسبيرو أمنية وليست فنية !

- الحل الفني موجود والاعتبارات الأمنية تفرض تطبيقه 

حديثا تقدم علوم الإدارة معايير منضبطة وموثوقة لتقييم شاغلي المناصب القيادية في كل المؤسسات العامة ؛ بصرف النظر عن تطبيقها من عدمه ما بين دولة و أخرى . وفي مؤسسات بعينها لا تكفي هذه المعايير - مهما بلغ مستوى جودتها - لإجراء تلك التقييمات التي تترتب عليها قرارات القيادة العليا الخاصة باستمرار هذا القائد الإداري أو ذاك في منصبه ، أو ترقيته ، أو غير ذلك. والحادث أن الحالات التي تكون فيها اعتبارات السياسة والأمن معيارا أوليّا وحاكما وجوهريا لاتخاذ مثل هذه القرارات ؛ توجد غالبا ودائما في المؤسسات والأجهزة التي يتعلق عملها مباشرة بالأمن القومي ، وهو مفهوم يرتبط في كثير من الدول باستقرار نظام الحكم ؛ عندما تتداخل مفاهيم الدولة والسلطة والنظام بطريقة مربكة . مع ذلك ؛ فإن مسألة الارتباط بين الأمن القومي واستقرار نظام الحكم ، ومسألة التداخل بين المفاهيم المذكورة ؛ قد لا يكون لهما أدنى حضور من الناحية العملية في ميدان الإعلام المسيطر عليه والمراقب والمدار بمعرفة أجهزة الدولة الأكثر صلة أو المعنية مباشرة بالأمن القومي . ففي مثل هذه الحالات ؛ لا يلعب الإعلام - أيّا كانت هويته و تبعيته - أدوارا اختيارية أو مؤثرة في أي اتجاه مخالف لتوجهات نظام الحكم ، و من ثم - و على غير الشائع و المتداول - فإن المعيار الأمني لا يستخدم منفردا أو كمعيار حاكم في ما يتعلق بالمناصب القيادية في ميدان الإعلام في غالبية الدول . وينطبق التحليل السابق على الكثير من الدول التي تعمل فيها نظم للحكم توصف بأنها ديمقراطية ، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية ؛ حيث تمارس عمليات المراقبة والتحكم و السيطرة على الإعلام باستخدام عشرات الأدوات و الآليات المحكمة. 

وتأسيسا على ذلك ؛ فإن تقاعس أو فشل مؤسسة إعلامية ما في أية دولة في حل مشكلة ما داخل المؤسسة ذاتها لا يمكن إحالته إلى اعتبارات أمنية ؛ يشعر معها المسؤولون بالحماية والعاملون بالرهبة ؛ فهذه ستكون إحالة هزلية ! وفي الوقت نفسه هي غير منطقية ؛ لأن عمل الأجهزة الأمنية لا يتعلق أبدا بتخويف المواطنين وإهدار حقوقهم و إسكاتهم ، بل ينصب في حماية الأمن القومي للدولة. و هذه هي الحال في مختلف المؤسسات الإعلامية في مصر ، و على رأسها الهيئة الوطنية للإعلام التي لا يُطلب من القيادين فيها لعب أدوار أمنية في أثناء تعاطيهم مع الملفات التي توكل إليهم ، ويكون مطلوبا منهم فحسب معالجة هذه الملفات بطريقة فنيّة صرف. 

وطبقا لما يتردد من معلومات تتعلق بالملف الخاص بمستحقات المتقاعدين في ماسبيرو ؛ لا يبدو أن هناك أية علاقة ذات تأثير بين تعامل مسئولي الهيئة مع هذا الملف واعتبارات السياسة العليا للدولة أو أمنها القومي . وينسحب هذا الاستنتاج على مختلف أشكال التعبير التي يقوم بها المضارون من تعثر معالجة هذا الملف لعدة سنوات . ولهذا لا يمكن النظر إلى مجمل المتغيرات المرتبطة بهذا الملف " في داخل المؤسسة المعنية " من أي منظور أمني . 

و يعني هذا بالضرورة أن المناشدات التي يطلقها البعض لرئيس الدولة هي مناشدات لا منطق لها ولا طائل منها ، إنما يستخدمها مطلقوها إما من منطلق خطأ التقدير وإما للمتاجرة بمعاناة أصحاب المشكلة ، و يعني أيضا أن رئيس الهيئة ليس موكولا بإدارة عملية أمنية - هي موجودة فحسب في مخيلة البعض - للسيطرة على المتقاعدين في ماسبيرو ؛ مع تعطيل حصولهم على مستحقاتهم ، و يعني ثالثا أن حصول تجاوزات من جانب المتقاعدين خلال سعيهم للمطالبة بحل المشكلة يظل أمرا يقع في اختصاص أجهزة الأمن التي أثبتت عشرات الوقائع أنها تتفهم مشكلة المتقاعدين في ماسبيرو وتتعامل مع التجاوزات إذا ما حدثت بوعي كامل وموضوعية ، ولا تتدخل بأساليب خشنة إلا في الحالات التي ترى أن فيها تهديدا للاستقرار الأمني . 

و المفهوم مما تقدم أن رئيس الهيئة الوطنية للإعلام ليس مطلوبا منه لإثبات أهليته للمنصب أو للاستمرار فيه أو للارتقاء إلى منصب أعلى أو أهم ؛ أن يقدم للقيادة السياسية التي نصبته في هذا الموقع بطاقة صلاحية أو كفاية أمنية من خلال ملف المتقاعدين أو غيره من ملفات . و الحقيقة المؤكدة أنه غير مطالب بهذا على الإطلاق ، و هو لا يفعل و لم يفعل في الماضي ما يفيد بذلك . لكن ما سبق ربما يمثل تبسيطا مخلا للمسألة . فالملف الذي نتحدث عنه ملف في منتهى الأهمية للمتقاعدين و للعاملين في الهيئة الذين ينضمون بالعشرات شهريا إلى كتلة المتقاعدين ؛ لتزداد حدة هذه المشكلة التي لها أبعاد اقتصادية و اجتماعية و نفسية جسيمة ، و من الممكن أن تتوسع مخاطرها الأمنية تبعا لذلك ؛ مع الأخذ في الاعتبار متغيرات الواقع السياسي الداخلي على وجه الخصوص . 

هل توجد ملفات أكثر أهمية من هذا الملف ينشغل رئيس الهيئة الوطنية للإعلام و مساعدوه بها ؟ بالتأكيد نعم ؛ توجد ملفات لها أولوية مطلقة على غيرها من الملفات ؛ لكن الإدارة الحديثة توصي المدراء الراغبين في النجاح بإعادة النظر دوريا في ترتيب الملفات و الأولويات . و لهذا ؛ يتوجب على رئيس الهيئة أن ينقل ملف المتقاعدين بكل تعثراته إلى حافظة أوراقه التي يحملها في يده بصفة دائمة ؛ بتقدير أن يبذل من الفور جهدا لمعالجته بطريقة حاسمة ؛ عبر خطة زمنية متكاملة قد تكون متنوعة الوسائل تضع حلا جذريا نهائيا شاملا سريعا للمشكلة ؛ يعلن عنها رسميا . و تقديري أنه قد فعل ذلك بالفعل منذ عدة أسابيع !  

فكل ما هو مطلوب من رئيس الهيئة أن يتبنى و يطبق حلا فنيا للمشكلة هو موجود بالفعل في حوزته ؛ حيث سبق أن قدمه إليه المتقاعدون مدعوما بالقوانين و الأحكام و الفتاوى التي تؤيده . و من المؤكد أن  أجهزة وطنية تدرك مدى خطورة القضية ستساعده على تنفيذ هذا الحل الذي سيؤكد - ضمن مجمل أعماله - جدارته و استحقاقه للمنصب الذي يشغله ؛ و إن كانت المشكلة موروثة عن سابقيه ؛ فهذا دوره الذي يجري تقييمه على أساسه . و يعزز فرص هذا التحرك المطلوب ؛ أن الهيئة قد انتهت مؤخرا من إنجاز ملفات استثنائية كانت تحظى بالأولوية كلفتها بها القيادة السياسية ، و أننا نستهل في الوقت الحاضر موازنة مالية جديدة قد تتضمن دعما إضافيا للهيئة ، و كوننا في خضم تفاعلات سياسية تحتمل حلحلة الملف بطريقة فارقة و تقطع الطريق على المحرضين .  

من المؤكد أن رئيس الهيئة الوطنية للإعلام ليس مبتهجا أو مرتاحا للانتقادات اليومية التي توجه إليه بسبب هذه المشكلة ، و للصراخ اليومي الذي لا ينقطع من العاملين السابقين و الحاليين بالهيئة من تبعاتها . و من المؤكد أيضا أنه يعرف أن المقياس المطلق لنجاحه في أداء مهام منصبه هو عدد الملفات الأكثر تعقيدا التي يتصدى لها عن طريق خطط واقعية و معلنة . لقد أدى الرئيس الدور المطلوب منه بخصوص القضية العامة للمتقاعدين ، و على المسئولين الذين وثق بهم في مستويات الإدارة الأدنى أن يقوموا بالأدوار المكملة في القضايا الفرعية ذات الصلة ؛ و منها قضية مستحقات المتقاعدين في ماسبيرو .  

نريد التزاما مماثلا للالتزام الذي بلوره تحرك الرئيس في قضية التأمينات و المعاشات ، و نريد حسما مماثلا لحسم الرئيس عندما قرر أن يسد الفجوة المالية من ميزانية الدولة ، و أن يمنع تكرار قضية عدم قدرة الدولة على سداد مستحقات المتقاعدين . 

هل يمكن أن يسبب حضور بضع عشرات أو مئات أو حتى ألف من المتقاعدين إلى مبنى ماسبيرو لمطالبة رئيس الهيئة بسرعة تنفيذ الحل الذي نال تقديره و موافقته إزعاجا للأجهزة الأمنية ؟ المؤكد لا ؛ بل هي ستعمل على تنظيم و تأمين هذا الحضور ! 

وهل يرفع رئيس الهيئة في وجه هؤلاء عصا أمنية هو لا يملكها من الأساس ؟ بالطبع لا ؛ و قد اعتاد استقبالهم دائما في السابق بكل مودة و ترحاب . لكن ما هي الضرورة التي تملي ذلك ؟ و ما هي الحاجة التي تستدعيه ؟! أيها المعنيون بالقضية الأفاضل نريد حلا عاجلا للمشكلة إذا تكرمتم !   
-----------------------------------
بقلم: عبد المجيد إبراهيم  
[email protected]  

 

مقالات اخرى للكاتب

في مناسبة عيد الإعلاميين ( 5 ) :





اعلان