29 - 06 - 2024

حجُ البيت .. ويُسرُ الإسلام (٢)

حجُ البيت .. ويُسرُ الإسلام (٢)

في مقال سابق سُقتُ بعضَ صور يسر الإسلام في الحج، ووعدتُ بأن أُكملَ تلك الصور في مقال لاحق أو أكثر؛ خوفا علي القارئ من الإطالة المملة، وها أنا أفي بوعدي، وأؤكد أن يسرَ الإسلام في هذه الشعيرة يتمثل، بجانب ما سبق، في أنه لم يفرضها علي المسلمين كلَّ عام، بل اكتفي بأن يحج المرء مرة واحدة إن كان مستطيعا، وإن انتفت عنه الاستطاعة فلا تثريب عليه، ويسقطُ عنه الركن، وينال أجره بنيته، أو بأفعال يعدل إتيانها أجر حج وعمرة كما أخبر النبي في غير موضع من سنته الشريفة .

وفرضَ الشرع علي الحجيج زيا لا كلفة فيه، يقدرُ علي شرائه الفقير قبل الغني؛ ليتحقق معني المساواة، وتلبس المرأة ما تشاء من ثياب دون أن يصف لباسها أو يشف، فالعبرةُ في الستر والحشمة .

وحدّد الشرع للإحرام مواقيت مكانية، يُحرم عندها الحاج، فيلبس إزاره ورداءه بعد الاغتسال والتطيب، بعدها يتجنب محظورات الإحرام من أخذٍ من الشعر أو الأظافر، أو التطيب، ويتجنبُ تغطية الرأس بملاصق، وقتلَ الصيد، ولبسَ المخيط، والجماع وعقد النكاح، ثم يؤازر انعقادَ القلب ( محل النية ) النطقُ باللسان، فيقول لبيك اللهم حجا ، أو لبيك اللهم عمرة متمتعا بها إلي الحج، ويقرن بين الحج والعمرة إن ساق معه الهدي (الذبيحة) من خارج مكة، كما فعل النبي، فإن لم يسق الهدي، وهذا حال السواد الأعظم من قاصدي بيت الله الحرام، كان التمتعُ في حقه أولي، فيتحلل من إحرامه بعد أداء العمرة، حتي يأتي يوم التروية، فيحرم من مكة، ويشرع في أداء مناسك الحج .

ورغم أن هناك محظورات للإحرام، إلا أنّ العبد لو وقع في أحدها ناسيا، فلا شيء عليه تصديقا لقول نبينا : (رُفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه)، كذلك لو وقع في أحد تلك المحظورات عمدا لضرورة فلا شيء عليه أيضا كمن يقص ظفرا كسر، ويؤلمه، أو ينزع شعرة من رمشه تؤذي عينه، فهذه أمور لا تُوجب الدم؛ رأفة بالعباد، وترسيخا لمفهوم اليسر .

أما بالنسبة للجماع فإن إتيانه يُفسد الحج، مع إلزام المرء بإتمامه رغم فساده، وقضائه لاحقا، حتي وإن كان حج تطوع، ويطالب بذبح بدنة وتوزيعها علي فقراء مكة .

وعلة ذلك أنّ الجماع لا عذر لصاحبه، الذي لم يملك إرب نفسه، وانساق وراء رغباته، ولم يكبح جماح غرائزه، فوجب تعزيره واستتابته .

ومن صور السماحة روعة الشرع في استلام الحجر، فرغم أنه ياقوتة من يواقيت الجنة، قبّله النبي، ومن بعده عمرُ، وأثر عنه قوله : ( إني لأعلم أنك حجرٌ لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله يقبلك ما قبلتك)، وهو قول يدشن مفهوم الاتباع أحد شروط قبول العمل الستة، كما قال شيخ الإسلام ابن القيم رحمه الله، وهذه الشروط هي الإخلاص، والاتباع، والنصح ، والإحسان، والإقرار بمنة الله علي العبد بفعل الطاعة، وأخيرا اعترافُ العبد بتقصيره مهما بلغ عمله من كمال .

فاستلامُ الحجر يكون بتقبيله مباشرة دون مدافعة أو زحام؛ احتراما لقول الحق سبحانه : ( الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج ) .. أما ما نراه من معارك حربية أثناء الطواف، وعند الحجر الأسود، فالدين منه براء، فإن تعذر علي المرء تقبيلُ الحجر، يستلمه بيده ويقبلها، فإن عجز عن ذلك، أشار إليه بعدما يستقبله بكليته، فإن عجز، أشار إليه أثناء الطواف دون مزاحمة أو مدافعة، أو لغط تتمعر له الوجوه خجلا .. وللحديث بقية
-------------------------
بقلم: صبري الموجي *
*مدير تحرير الأهرام

مقالات اخرى للكاتب

إبراهيم عطا الله .. الحكمةُ ضالة المؤمن !





اعلان