29 - 06 - 2024

من وراء شُهداء منى؟

من وراء شُهداء منى؟

نشرتُ بالأهرام منذ قرابة عشر سنوات مقالا يُناقش أسباب كثرة وفيات مني في موسم الحج آنذاك، وها هو التاريخ يُعيد نفسه في موسم حج هذا العام، إذ فقدنا كثيرا من الضحايا في مني وفي غير مني، فرأيت لزاما أن أذكر القارئ بما كتبتُ، عسي أن يكون من ورائه فائدة؛ لأرد علي قائل : لقد أسمعتَ لو ناديت حيا .. ولكن لا حياة لمن تُنادي، إلا من رحم ربي .

بدأت المقال بحديث النبي صلي الله عليه وسلم : (من حجَ فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه)، وهو حديث صحيح رواه البخاري وغيره، أرشد فيه المصطفي أمته إلي سُبل الخلاص من الذنوب والمعاصي في موسم الحج الفضيل، وتتمثل تلك السبل في تجنب الرفث والفسوق، وهما الضمانة الوحيدة لخروج العبد نقيا من ذنوبه كما يخرج الوليد من بطن أمه.

ورغم أن من مقتضيات الإيمان تصديق النبي فيما أخبر، واتباع أوامره واجتناب نواهيه، إلا أن حادث تدافع الحجيج في يوم منى الدامي، يُؤكد خللا في مُعتقد كثيرٍ من المسلمين، وأن تصديقهم للنبي لم يتخط الجانب النظري، حيث دار في رحاه دون أن يرتقى للجانب التطبيقي، وكان من نتيجة ذلك ما شاهدناه من هَرْجٍ وتدافع، راح ضحيته مئات القتلى ومثلهم من الجرحى !

ورغم أن البعض حمّل أشقاءنا السعوديين مسؤولية ما حدث، إلا أن ذلك صورة من صور تعليق الأخطاء على "شماعة الآخرين"، وهو افتراء يُكذبه ما تبذُله المملكة من جهود مضنية لخدمة الحج والحجيج، تتمثل في توسعات الحرمين المكي والمدني لاستيعاب الحجاج الوافدين، فضلا عن الاهتمام بالمشاعر المقدسة، وتطوير الطرق السريعة بين المدن، خاصة مكة والمدينة، وتوفير مساكن الإيواء، وإنشاء قطار المشاعر لتسهيل حركة الحجيج، كل هذا إلى جانب الرعاية الصحية، التي من مظاهرها تضاعفُ وحدات الرعاية الطبية بدءا من المنافذ البرية والجوية والبحرية، وصولا إلى المشاعر المقدسة، بالإضافة إلى خدمات النظافة والرعاية البيئية خاصة في المشاعر المقدسة .

وإذا كنا نُؤمن بأنَّ حادث التدافع الذي راح ضحيته العديدُ من القتلى والجرحى هو قضاء وقدر، إلا أن السبب الحقيقي وراء ما حدث، إضافة إلى ما سيسفرُ عنه البحث والتقصي، يتمثل في عدم اتباع الحجاج تعليمات المنظمين للحج، وعدم احترام جداول مواعيد الزيارات والمناسك؛ مما يُحدث زحاما وتدافعا غالبا ما تكون عواقبه غيرُ حميدة .

إن الحج هو دعوةٌ للنظام لأنه قصدٌ لبيت الله الحرام لأداء عبادة مخصوصة ذات أفعال مخصوصة في أوقات مخصوصة، ومتى فقد الحجُ النظامَ، فقد شرط قبوله .

والغريب أن من لا يحترمُ آداب الحج يتجشم مشقة السفر والإنفاق، ويُعانى نارَ الغربة والفراق، ولا يرجع إلا بخفي حنين، وهو حالُ كثيرٍ من حجاج اليوم، وربما أمس !
--------------------------------
بقلم: صبري الموجي *
* مدير تحرير الأهرام
[email protected]

مقالات اخرى للكاتب

إبراهيم عطا الله .. الحكمةُ ضالة المؤمن !





اعلان