30 - 06 - 2024

إبراهيم فرغلي: روايتي "بيت من زخرف" تناهض استبداد النخبة

إبراهيم فرغلي: روايتي

- أعود للتاريخ لتأمل سؤال الهوية الذي يؤرقنا في الوقت الراهن 
- أنا مقتنع بأن كل نص أدبي هو وثيقة في تاريخ السرد بشكل عام
- لو أن الأمر بيدي لتفرغت تماما لكتابة عدد من روايات الفتيان

عبر أكثر من 15 عملاً إبداعيا في الرواية والقصة والكتابة للفتيان، تبلورت رؤى الكاتب إبراهيم فرغلي في الحفر بعمق وروية في مسار يخصه، إلى أن بلغ هدفه خصوصا في روايتيه الأخيرتين "قارئة القطار" و"بيت من زخرف: عشيقة ابن رشد"، حيث اشتبك مع كل ما يفضي إلى جمود العقول. وهنا تنطلق "المشهد" في حوارها مع إبراهيم فرغلي من روايته الأحدث الصادرة عن دار "الشروق"، وما تطرحه رغم اتكائها على أحداث تاريخية لا تخلو من التخييل، إزاء إشكاليات الحرية والمعتقد والتفكير وظلال ونور الفلسفة وأشباح وظلامية التكفير والتهافت والإضمحلال، مما أفرز في زمننا تكفير العالم والمفكر نصر حامد أبو زيد، عبر مؤسستي الجامعة والقضاء. 

* تعد "مانويلا" و"ماريا إيلينا" في رواية "بيت من زخرف"، هما المحركتان الرئيسيتان للسرد، فما هي خلفية ذلك؟ 

- حين أتذكر الكيفية التي بدأت بها استدعاء هاتين الشخصيتين، استدعي حالات عديدة من الرعب الذي كان ينتابني كثيرا كلما بدأت أفكر في الكتابة عن ابن رشد. وهذا الرعب أسفر عن أربع مخطوطات مختلفة تماما من الرواية قبل الوصول لشكل النص الذي نشر، إحداها تارخية تماما، وبينها محاولة لاستدعاء شخصية سيدة أكاديمية من مصر، ثم محاولات هدم ذلك كله وإعادة البناء على الشكل الذي خرجت به الرواية ونشرت به. 

* هل الدافع الأوّلي لكتابة هذه الرواية المثيرة للجدل، كانت وراءه امرأة حسبما قلت في بعض اللقاءات التليفزيونية؟

- نعم، هي امرأة كانت متيَّمة بابن رشد أصلا، وقد جاءتني غالبية المتون ورؤى البنية الفكرية والفنية وحتى الجمالية السردية من حديث مطوَّل مع أكاديمية عربية مهتمة بالفلسفة الإسلامية وخصوصا بابن رشد، وكانت تستخدم لحساب التواصل الاجتماعي أيقونة امرأة أوروبية، وربما كان لها دور في بدء تخليق شخصية "مانويلا"، ثم تلميذتها الروحية. وهي شخصية كانت تناوشني من خلال محاولات كتابة قصة قصيرة، بين محاولات جانبية للكتابة حين أكون متعثرا في كتابة نص رئيسي. 

* سجن "مانويلا"يعكس مكارثية ما تشبه محاكم التفتيش، والبحث في الضمائر... هل تعتبر رواية "بيت من زخرف" محاكمة للظلامية والتكفير، ومن ثم تعبر عن موقفك من الطغيان و الاستبداد؟

- سجن "مانويلا" كان له علاقة بموضوع آخر، وهو تلفيق تهمة سرقة مخطوط، لكن طبعا "بيت من زخرف" تقدم موقفا من الاستبداد تاريخيا وعصريا، أي على مستوى الحقب التاريخية البعيدة وكذلك في الزمن المعاصر. وهي تقدم أيضا دعوة لإعمال العقل لتأمل استبداد المجتمعات نفسها أي الاستبداد الشعبوي، واستبداد النخب، واستخدام الآليات والمحميات الدينية في مهاجمة حرية الفكر والتنوير، وكذلك صدى وحراك القوى التي تصف نفسها بالليبرالية، تلك التي تنتقد الاستبداد بحماس، بينما هي تمارسه على المحيطين بها، ونقد مواقف المثقفين البالية في مواجهة الرقابة واستبداد الإسلام السياسي، ومواقفهم في التماهي مع التراث الذهني الذكوري التقليدي. 

* هل تتفق مع الرأي القائل بأن البناء المشهدي لوجود المرأة في هذه الرواية، كان أقرب لعوالم المونتاج وآليات التصوير البصري وايقاعه السينمائي أكثر من السرد الروائي؟

- للمرأة دور جوهري في بطولة أغلب أعمالي. وأعتقد أن دور المرأة في أي مجتمع هو ما يحدد الوضع العام للمجتمع. كلما كانت أوضاع المرأة جيدة، كلما كان المجتمع أكثر صحة. أما التقنيات فتفرضها طبيعة السرد والبناء بشكل عام. أنا أكتب رواية ما بعد حداثية تعتمد على التشظي والتنقل بين الأزمنة المختلفة والأمكنة، وأحاول إيجاد تقنيات تناسب ذلك.

* حدثنا إذن عن علاقتك بالمرأة في الواقع؟ 

- مع القراءة والوعي، انتبهت للأفكار النسوية وحاولت أن أتسق تماما مع أفكاري حول المرأة، خصوصا في علاقاتي العاطفية. وبعد زواجي وإنجابي ابنتين أيضا، أحاول تربيتهما على الحرية والعقلانية، وكلما زاد الوعي كلما أعدت تأمل الكيفية التي أعامل بها المرأة منذ صغري، وأقوم بنوع من التقييم. وحين تمارس هذا النقد الذاتي المبكر بالطبع، تتأمل وضع المرأة في المجتمع بمزيد من الاهتمام. وأكرر: أعتقد أن نهضة أي مجتمع ترتبط بأوضاع المرأة فيه، فإذا انصلحت انصلح حال المجتمع؛ لأن الأمهات وفقا لمدى وعيهن يتولين تربية الأجيال الجديدة بهذا الوعي والعكس صحيح. 

* الحديث عن معاني الوجود يحظى بسطوة في ايقاعاتك السردية ولغة البناء الروائي والبنية ايضاً، والمشهدية بل والأهم اللغة البصرية في طرحك الكلي او المفلتر لثنائيات الليل والنهار، في رواياتك "أبناء الجبلاوي" و"قارئة القطار" و"بيت من زخرف"، هل تعتبر هذه الثلاثية محاكمة أو تنويرا لوجود مظلم بالفعل أم هي رمزية للتكنيك الروائي؟

- الأعمال الثلاثة بالفعل تقريبا لها مضمون يلح على فكرة الحرية وحرية التعبير، ويمكنني أن أضم  لها أيضا رواية "معبد أنامل الحرير"، وهي أعمال كانت تناقش أيضا مركزية المعرفة كوسيلة وحيدة لنهضة المجتمعات، وكذلك ضرورة العودة للتاريخ لتأمل سؤال الهوية الذي كثيرا ما يرتبط بموضوع المعرفة في المجتمع. لكن طبعا كل نص منها كان له موضوعات وفكرة مختلفة، وبعضها استخدم الفانتازيا والكتابة داخل الكتابة، مثل "أبناء الجبلاوي" و"معبد أنامل الحرير" و"قارئة القطار"، بينما قلَّ الاعتماد على الفانتازيا في "بيت من زخرف"، بسبب طبيعة الرواية التي تميل للتاريخية كثيراً وبحذاقة مقصودة. 

* بعد أكثر من سبعة عشر عملا روائيا وقصصيا، بدأت بمحطات تشبه أو تحاكم الحنين/ النوستالجيا، ويتوسطها الخيال والتخييل، حدثنا عن تلك المحطات والتي دائما ما تكون لها الأولوية والسطوة في كل عمل روائي لك؟

- غالبا ما أبدأ التفكير في عمل ما،  بناء على فكرة معيَّنة تتبنى مضمونا محددا، ولكن بعد بدء الكتابة أبدأ في البحث عن الشكل والتقنيات السردية التي تلائم المضمون وتتلاءم مع تصوراتي عن الكتابة وتطورها وما يمكن إضافته للسرد، وهذا باعتبار أن كل نص أدبي هو وثيقة أدبية في تاريخ السرد بشكل عام. 

* هل للهجوم على أفكار ابن رشد، من المعسكرين الإسلامي والمسيحي، علاقة براهن ما تعانيه الفنون والآداب في زمننا من الرقابة الرسمية والمجتمعية، سياسيا ودينيا، على مستوى العالم العربي؟ 

- العالم العربي، وفي قلبه مصر، يشهد تغيرات فكرية واجتماعية متباينة منذ سنوات عدة. في مصر بشكل خاص شهدنا تلك التغيرات التي أثرت حتى في شكل المجتمع وطبيعته. وهي تغيرات بدأت مع ما يعرف بفترة الصحوة التي واكبت خروج قيادات جماعة "الإخوان المسلمين" من السجون وإعطاء السادات الضوء الأخضر للجماعات الخارجة من عباءتها، للعمل من الجامعات والمساجد. انتشرت وسائل عديدة مثل الخطب المنبرية والدعوة والدروس الدينية وكافة الوسائل التي قام بها أعضاء الجماعات الدينية للاستحواذ على عقول الشباب وزرع أفكار كلها لا تؤدي إلا إلى نوع من الدروشة ولا علاقة لها بصحيح الدين. واليوم نرى أجيالا لا علاقة لها بالدين سوى بالقشور لكنها تضع كل كلمة ينطق بها أي معمَّم موضع القداسة، دون أي محاولة لفحصها عقليا. ولهذا رأينا كيف أدى ذلك إلى انتصار التيارات المتشددة في كافة اختبارات "حرية التعبير"، التي أسفرت عن مقتل بعض الكتاب والمفكرين أو محاولة قتلهم أو قتلهم معنويا كما حدث مع نصر حامد أبو زيد. 

*كيف يأتي تخطيطك للعلاقة بدور النشر التي ستتولى نشر أعمالك؟

- أنا من المؤمنين بأن نجاح نجيب محفوظ يعود لناشر اسمه سعيد جودة السحار. كان يوفر كافة كتبه في كل مكتبة وبقعة بيع كتب في أرجاء مصر وخارجها. ومن الصعب أن ينفد كتاب من كتبه ولا يعاد نشره فورا. أنا قرأت محفوظ في عمر 13 عاما لأول مرة، وقرأتها كلها، قبل حصوله على نوبل. وأظن أنه لولا "مكتبة مصر" وسعيد جودة السحار، ما كان ذلك ليتحقق. كان هذا هو النموذج الذي أبحث عنه ككاتب مع أي ناشر تعاملت معه.

* حدثنا عن علاقتك بالمشهد النقدي الأدبي؟ 

- أظن أنني محظوظ بالكتابة عن أعمالي، بقدر معقول. ويسعدني أن يجد النقاد في أعمالي تيمات أدبية ودلالات يسعون لتقديم قراءات لها. تتعدد في الغالب كتابات النقاد عن أعمالي وخصوصا في الفترة الأخيرة. لكن كما هو معروف المشهد النقدي الراهن ليس في أفضل حالاته لأسباب عديدة. لكني أتمنى أن تزداد قوة المشهد النقدي لأنه أمر مهم جدا لفرز الأعمال الأدبية وتقديم المشهد الأدبي بشكل نزيه ودقيق. 

* ماذا تمثل لك الكتابة للفتيان؟ 

لو أن لديَّ المزيد من الوقت لتفرغت لكتابة عدد من روايات الفتيان؛ لأنها تجربة ممتعة جدا، وهي أيضا ضرورية لإنعاش الكتابة لهذا العمر الذي لا يزال يعاني من فقر فادح. ولكن مع الأسف طبعا لا يوجد مناخ نقدي موازي للكتابة عن الفتيان وأيضا دور النشر المحترفة للنشر لهذه الفئة لا تزال قليلة جدا، وأتمنى زيادتها لتشجيع مزيد من الكتاب على خوض هذا المجال من الكتابة الأدبية.
--------------------------------
حوار: حسين عبد الرحيم






اعلان