23 - 07 - 2024

مَنْ يُحاكِم الشر (1)؟

مَنْ يُحاكِم الشر (1)؟

بعد واقعة الهولوكوست، وقتل الآلاف، ظنوا أن المخرج الوحيد لضمان تكرار ذلك، هو القانون الدولي الجنائي، لا الحرب، وظهر العالم، ساعتها، على أنه يكافح لإيجاد حل، جاءت محاكمات نورمبيرغ بألمانيا- تلك السلسلة من المحاكم العسكرية التي عقدتها قوى الحلفاء بعد الحرب العالمية الثانية وفقًا للقانون الدولي وقوانين الحرب، وحققت شهرتها الواسعة نظرًا لمحاكمة مسؤولين كبار في القيادات السياسية، والعسكرية، والقضائية، والاقتصادية في ألمانيا هتلر، والذين كانوا ضالعين في التخطيط، أو التنفيذ، أو المشاركة بوجه من الوجوه في المحرقة، وغيرها من جرائم الحرب، ومثّلت أحكامها نقطة تحول في سير القانون الدولي، وأضحت محاكمة كبار مجرمي الحرب أمام المحكمة العسكرية الدولية أولى المحاكمات وأكثرها شهرة، ووصفها السير نورمان بيركيت، أحد القضاة البريطانيين الحاضرين طوال المحاكمة (بين 20 نوفمبر 1945 وأول أكتوبر 1946) بأنها أكبر محاكمة لجريمة قتل في التاريخ.. وأُوكِل إليها مهمة محاكمة 24 من أهم القادة السياسيين والعسكريين للرايخ الثالث..

في ما يؤكد الوضع الراهن أنه لا حلَّ تم، ولا مؤشرَ على أنه سيتم، في وقت تُنفق فيه أموالٌ أكثرُ في سباق التسلّح، ومَن يصنع أسلحة تفتك بالبشر أكثر.. بدليل "الإنفو" الذي تناقلته مؤخرًا وسائل إعلام مختلفة عن منظمة الحماية الدولية للقضاء على الأسلحة النووية..

حوالي 91 مليار دولار حجم الإنفاق العالمي على السلاح النووي خلال 2023، وفق تقرير المنظمة الدولية، الذي أظهر أن نصيب الولايات المتحدة وحدها تخطى 51 مليارًا، وهو ما يزيد كثيرًا على ما أنفقته دول العالم مجتمعة والبالغ نحو 40 مليار دولار، في ما جاءت الصين في المرتبة الثانية بإنفاق حوالي 12 مليارًا، ثم روسيا بواقع 8.3 مليار ولحقها كل من بريطانيا وفرنسا والهند وإسرائيل وباكستان وكوريا الشمالية على التوالي..

وبينما نُقل عن أرسطو قوله إن «الإنسان في أفضل حالاته أرقى من الحيوانات كلها.. وحين يبتعد عن القانون والعدالة، يُمسي أسوأ المخلوقات».. نجد أن استشهاد نحو 38 ألف إنسان خلال 9 أشهر مذ بَدأَ العدوان الإسرائيلي الغاشم على قطاع غزة، وإصابة قرابة الـ90 ألفًا، بحسب أحدث إحصائية لوزارة الصحة الفلسطينية التي أكدت أن 72% من الضحايا نساء وأطفال، في ظل استمرار عدوان همجي، أوقف معظم المستشفيات والمراكز الصحية عن العمل، ودمر البنى الطبية والمعيشية لدرجة كادت تقضي على مقومات الحياة.. كل ذلك ليؤكد أن ثمة بشرًا لا يرقون إلى صفة حيوان..

ويظهر ذلك جليًا من خلال أساليب القتل والوحش والتطرف والعنصرية المستخدمة في ارتكاب جرائم إبادات جماعية والمطالبة جهارا بإعدام الأسرى برصاصات في الرأس والدفع إلى تهجير قسري لكل من هو غير صهيوني، والتعدي على الأرض وهتك العرض، في عملية غير خفية لاستئصال العرق العربي الفلسطيني..

وعود إلى بدء في ما ظنوا قبل سبعة عقود ونيف، أن المخرج الوحيد لضمان تجنب تكرار الحروب، هو القانون، لا الحرب، تغيب كل مصطلحات حقوق الإنسان لدى قوى حليفة- أو إن شئت مستفيدة من استمرار الحروب ودوران ترسانة تصنيع الأسلحة- من قواميس قوانين أو قرارات المحكمة الدولية أو الأممية إذا ما أدانت شيطان الشر الذي لم يجد من يحاكمه بعد.. يُتبع!
-----------------------------
بقلم: عزت سلامة العاصي

مقالات اخرى للكاتب

مَنْ يُحاكِم الشر (2)؟