03 - 07 - 2024

التَّفاوتُ بينَ جَودَةِ المُسَلْسَلِ وعَبقريَّةِ المُوسيقَى التصويرية في "الضوء الشارد"

التَّفاوتُ بينَ جَودَةِ المُسَلْسَلِ وعَبقريَّةِ المُوسيقَى التصويرية في

وجهة نظَرٍ فيما بين صِناعةِ الدِّراما والمُوسيقَى التَّصويرِيَّةِ

لَعَلَّ مُسلسلَ الضَّوء الشَّارِدِ 1998م من أَهمِّ المسَلْسلَاتِ التي أَنتَجَها صَوتُ القاهرَةِ للصَّوتيَّاتِ والمرئيَّاتِ، وأكثرِها شَعبيَّةً وانتشارًا، وقد حُكِيَ عنِ انتشارهِ أنَّ النَّاعيَ كان يلفتُ الأَسماعَ إلى وَقتِ الدَّفْنِ وتشييعِ الجِنازةِ بعدَ انتهاءِ عرضِ الحلَقَةِ اليَوميَّةِ.

وقدْ تَوافرَ للمُسْلْسلِ عَناصِرُ نَجَاحٍ كثيرةٍ؛ فالكاتِبُ محمد صفاء عامر من أفْضلِ كتَّاب الدِّراما الصَّعيديَّةِ، خاصَّةً، في الدّراما المِصْريَّة، وكذا المُخرِجُ المُميَّزُ مجدي أبو عميرة، وحُشدَ للْمُسَلْسلِ نُخْبةٌ مُتميِّزَةٌ من كِبارِ مُمثّلِي الدِّرَاما، الذين لهم أدوارٌ بارزةٌ في السّينما؛ كيوسف شعبان، وممدوح عبدالعليم، ورانيا فريد شوقي، وسلوى خَطَّاب، وسيِّدةِ المَسْرَحِ العربيّ سميحة أيُّوب، ونَجمِ الدّراما التّلفزيونيَّةِ، وَقتئذٍ، محمد رياض، فَضْلًا عن مَجمُوعةٍ منَ المُمثّلين المُخضْرمينَ؛ كسيِّد عبدالكريم، وعُثمان محمد عليّ، وهادِي الجيَّار، وجمال إسماعيل، ورشوان توفيق، وأحمد سلامة، وحنان سليمان، وسامي مغاوري، ومجموعة من أنبغ المواهب الشَّابَّة وقتَئذٍ؛ كمنى زكي، وسميَّة خشَّاب، وإيهاب فهمي، لتزدَادَ التَّكلفةُالإنتاجيَّةُ.

ومعَ كلِّ ذلكَ؛ فالرِّوايةُ بها ثغراتٌ كثيرةٌ، تقتربُ بها من أن يحكمَ عليهَا بأنَّها ضَعيفةٌ مُتهافِتةٌ وملفَّقَةٌ؛ فقد حاولَ صفاء عامر، مستسهِلًا، أنْ يَضَعَ فيها كُلَّ التَّوابلِ المبتذلةِ الرَّخيصَةِ التي يجري إلصَاقُها بالصَّعِيدِ، عادة،ً على طَريقةِ القصِّ واللَّصْقِ، دونَ تروٍّ أو إبداعٍ أو مَنطقٍ عقلِيّ أو دِراميّ، لمجرّدِ التّسويقِ الإعلاميِّ فَحَسبُ؛ كالمُخدِّراتِ والإرهابِ وتهريبِ الآثارِ، وبطُرقٍ أقربَ للسَّذاجةِ على الطَّريقة التي جمعَ بها وهبي السَّوالميّ ثروَتَهُ لينافسَ رفيع بك، ويثأرَ لأبيهِ الكلَّافِ الذي جلدهُ سُلطان بك والد رفيع؛ ليتولَّد الصِّراعُ الدّراميُّ بين العائلتينِ، في مغازلةٍ لكلِّ مشاعرِ البسطاءِ من المشاهِدينَ على طريقة الضّوء الشَّارد في التَّأليف الدّرامِيّ بين أهل السُّلطَةِ والمالِ بالوراثةِ مُمَثَّلينِ في أسرةِ العزايزَةِ في مقابل أهل الطّموحِ والثَّأرِ مُمَثَّلينِ في المزارعين الفقراء منَ السَّوالمَةِ، وهكَذَا يظلُّ الضَّوءُ شاردًا منَ المُؤلّفِ؛ لِيترُكَ للمخرجِ المِساحَةَ الأَوسَعَ لِجذْبِ المُشَاهِدِ تارةً لهَؤلاءِ، وتارةً لأُولئكَ؛ بحَسَبِ مَوقِعِ المُشَاهِدِ نفسِهِ مِنَ الطُّمُوحِ والرَّغْبَةِ في حَرْقِ المَرَاحِلِ، والقَفزِ فوقَ الواقعِ لتحقيقِ الطُّمُوحِ والانتقامِ من ذَوي الحسَبِ والنَّسَبِ والمالِ، أو المُحَافظةِ على الأَصْلِ العريقِ، والثَّراءِ الفاحِشِ المَورُوثينِ...!

 والأَغربُ أنْ يترُكَ المُخرجُ، أيضًا، الحبلَ شاردًا لقُدرةِ الممثّلينَ على جَذبِ هؤلاءِ وأولئكَ في مَعرَكَةٍ بين طرفي الصِّراعِ المشوّهينِ الميكفافيلتينِ اللذينِ حقَّقا موازين القوى بالشَّرّ المحضِ بامتيازٍ ينبذانِ بهِ، وينبزانِ عَلَيهِ؛ لذا يأتِي أداءُ الممثِّلينَ الكِبارِ مُبالغًا فيهِ، متكلّفًا، غيرَ مُقنِعٍ  في النُّموِّ والتَّنوُّعِ والتّحوّلاتِ الدّراميَّةِ؛ لدَرجَةِ أنَّ يوسُف شعبان كانَ أكثرَهم تكلُّفًا في محاولتِهِ بخبراتهِ سَدَّ الثَّغرَاتِ الأدائِيَّةِ بالصُّوتِ الصَّعيديّ العالي المتكلَّفِ الذي لا يُشبهُ إلَّا صوَتَ مُحسِن ممتاز في أَحسَنِ أَدْوارهِ....!

وتَزْدادُ هذهِ الثَّغراتُ في القصَّةِ شُرودًا وتَفكُّكًا بدُخُولِ شَخصيَّةِ منى زكي وأبيها وطِفْلها من فارس بك أخي رفيع بك المتوفَّى في حادثٍ؛ ليبدأَ الصِّراعُ بين الحبِّ والواجبِ، والأصْلِ والمالِ، ولكنْ بطَرائقَ مُلفَّقةٍ، لا يمكنُ أن تَستَقيمَ قِيميًّا ولا فنّيًّا إلَّا بالاستجابةِ التي يُخاتلُنا بها ياسر عبدالرّحمن من خلالِ ثيمات موسيقيَّةٍ عَبقرِيَّةٍ مُتقابلَةٍ، أحدثَ بينها نوعًا منَ الانسجامِ، وحاولَ توزيعَ الجملةِ الموسيقيَّةِ الواحِدةِ لتبدُوَ قادِرةً على توجيهِ انفِعالِ المُتلقِّي طوالَ المسَلْسَلِ، وكَسْبِ تَعاطُفِهِ لأحَدِ الأطرَافِ، حَسبَ توزِيعِ مشاعِرِ التَّعاطُفِ غَير المبرَّرِ دِراميًّا من المؤلّف والمخرجِ؛ كما أوضَحتُها سالفًا؛ لذا ظَلَّ هذا اللَّحنُ مُحتفِظًا بهيبتِهِ، بَعِيدًا عنِ المُسلسلِ فرَحًا وحُزنًا، لِقدرتِهِ الفَذَّةِ على بثِّ مشاعِرِ الحُزنِ والشَّجنِ والنَّدَمِ في أدَقِّ حالاتِهَا حين ينفذُ إلى مشاعِرِ رفيع بك المُتناقِضَةِ المُتلاطِمةِ، وحين يَبتهِجُ وُيبهِجُ في عُيونِ منى زكي التي نجحَتْ نجاحًا استثنائيًّا في مُواجَهَةِ عَينَي ممدُوح عبدالعليم المميِّزتَينِ في أدائهِما في أَحْسَنِ أدوارِهِ.

في النِّهاية؛ لم يكنْ مسلسلُ الضَّوءِ الشَّاردِ على درجَةٍ عاليةٍ منَ الجودةِ في المُعالجَةِ الدّراميَّةِ، والإخرَاجِ، والتَّمثيلِ. ولكِنْ، تَرجِعُ أكثرُ أَسبابِ نجاحهِ، من وجهةِ نظري، إلى تلكَ الموسيقى التَّصويريَّةِ العبقريَّةِ التي تمثّلُ عَلَامةً مائزةً من علاماتِ المُوسيقى التّصويريَّةِ في الدّراما المِصريَّةِ، مِن أوَّلِ توزيعِها المُتوافقِ معَ إعدادِ تِتْرَي: البداية والنِّهايَةِ للمُتميِّزِ دائمًا إيهاب إسماعيل، إلى أكثرِ مشاهدِ المُسلْسلِ تعقيدًا وشُرودًا.

تحيَّةٌ مستحقَّةٌ للعبقريّ ياسر عبدالرّحمن الذي يمثِّلُ لحنهُ توابل مشتهاةً دائمًا، حتَّى في حالات الوجبات التِّجاريَّةِ السَّريعةِ...!
---------------------
بقلم: د. محمد سيد علي عبدالعال (محمد عمر)
* وكيل كلية الآداب للدّراسات العليا بآداب العريش
.

مقالات اخرى للكاتب

التَّفاوتُ بينَ جَودَةِ المُسَلْسَلِ وعَبقريَّةِ المُوسيقَى التصويرية في





اعلان