21 - 10 - 2024

وكالة الجداوي بإسنا أثر فريد على درب الأربعين

وكالة الجداوي بإسنا أثر فريد على درب الأربعين

حين وصل ابن بطوطة الملقب بأمير الرحالة إلى مدينة إسنا جنوب الأقصر اختار أن يضع رحاله في وكالة الجداوي أهم مركز للتبادل التجاري في جنوب مصر وقتها، التي يطلق عليها أيضا الوكالة الإسلامية فهي محطة للقوافل التجارية السودانية، والتبادل التجاري بين مصر والسودان، وذلك لاتصالها بدرب الأربعين الذي يمتد من دارفور إلى أسيوط.

الموقع

لم تلقَ الوكالة_ التي تقع  وسط مدينة إسنا بالناحية الشمالية بجوار معبد خنوم "البربة"  وعلى بعد 100متر من نهر النيل وبمساحة نحو2321 متر_ انتباه ابن بطوطة فقط كي يتغنى بها في رحلته وإنما لاقت اهتمامًا كبيرًا من علماء الحملة الفرنسية فأسهبوا في وصف الوكالة في كتاب "وصف مصر" جاعلين لها فصلًا كاملًا. ومما جاء في حديثهم عنها أنها تتكون من فناء كبير يحيط به رواق يوصل إلى جميع المحال التجارية بالطابق الأرضي، يعلوه رواق آخر مشابهة يؤدى إلى مساكن التجار والمسافرين من القوافل التجارية التي كانت تصل إسنا بأفريقيا 

العتبة

وذكر الكتاب أن الوكالة واجهتها تطل على معبد إسنا بارتفاع 8 أمتار، حيث تعلو واجهة باب الوكالة عتبة من الخشب منقوش عليها النص التأسيسي لها بالحفر الغائر، كتب على جانبها الأيمن "نصر من الله وفتح قريب، وبشر المؤمنين يا محمد، قل هو الله أحد الله الصمد، لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، هو الأول والآخر سبحانه وتعالى أحد صمد يا سيد سعد السعود يلوح في أركانها دار مبارك .

أما الجانب الأيسر " دار السعود بدار الخير والنعم العظم السعد ربها والبشر لازمها طوبى لساكنها ناجي من الغم الله يحرسها من كيد حاسدها بجاه طه التهامي معدن الكرم عليه أذكى صلاة خالقنا مع السلامة من جاء بالحكم. ربي يسر ولا تعسر ربي تمم بالخير تحريرًا في 12 شهر ربيع ثاني 1207 هـ  

الوصف المعماري 

وأشار الكتاب أنه يوجد بداخل الوكالة طابقان يحتوي كل طابق على مخازن وغرف للعمال والمغتربين ومحلات تجارية، يفتح كل منها على ممر عبارة عن رواق مسقوف بـ"البراطيم" وجذوع النخيل، كما يوجد بها بهو مسقوف على شكل "صحن" مغطى على شكل مخروطى، وتتكون الوكالة من فناء كبير تحيط به المحلات التجارية، يعلو مدخلها "مكسلتان" من الأجر والطوب اللبن الطوب اللبن ترتفع حوالي 80سم، وتحتوي الوكالة علي أربعين حجرة وملحقات أخري تلتف في طابقين.

وبعد الترميم الذي جرى للوكالة عام 1990 تم استبدال جذوع النخل التي سقفت بها الوكالة بأنواع أخرى من الخشب، كما أنه لم يعد موجودا الآن أي أثر للشكل المخروطي الذي كان يغطي صحن الوكالة كما جاء في كتاب وصف مصر. وأعيد ترميم الوكالة مرة أخرى عام 2021م

النشاط التجاري 

عرفت إسنا منذ المصريين القدماء بوصفها " أرض العبور" وتعني مكان عبور القوافل التجاريةلموقعها الاستراتيجي على طريق الأربعين، ومن أشهر القوافل التي كانت تمر بإسنا فترة وجود الوكالة قافلة سنار التي كانت تحمل كل سلع خاصة الصمغ العربي وريش النعام وسن الفيل، والكنوز والجواهر الإفريقية ومن أشهر البضائع التي كانت تباع بالوكالة السلال، والمصنوعات الخفيفة المصنوعة من سعف النخيل المصبوغ بألوان متعددة، الأقمشة القطنية الخام الناعمة والشيلان المعروفة باسم الحلاية الذي كان يعد أكثر الملابس ضرورة عند سكان مصر في ذلك الوقت خاصة لمن يقومون بالسفر، فكان بالنسبة لهم الفراش والجبة والخيمة، وكانوا يطوقون به رقابهم وهو أعظم مكافأة يمكن أن يقدمها السيد لخادمه تعبيرًا عن رضائه عنه. كما كانت تباع فيها الأواني الفخارية.

ويقول الأستاذ محمد محيي الدين سلام مفتش الآثار القبطية والإسلامية بالأقصر أن التجار منذ 313 سنوات كانوا يأتون بالمنتجات التي يريدون بيعها ويعطونها لوكيل يبيعها أو يستبدلها بسلعة أخرى وذلك بالغرف الأرضية للوكالة بينما  يقيم صاحب التجارة بالغرف الموجودة بالدور الثاني بالوكالة لحين انتهاء وكيله من بيع بضاعته.

الجداوي 

في عام 1207 هجرية و1712 ميلادية أنشأ حسن بك الجداوي وهو أحد أفراد حاشية محمد بك أبو الذهب، حيث تولى إمارة إسنا بالاشتراك مع مراد بك، في عهد الحملة الفرنسية، وأطلق عليه لقب جداوي لأنه كان يتولى إدارة جدة وتوفي عام1215 هجرية 1800م . ويفرد الجبرتي في كتابه عجائب الأثار في التراجم والأخبار فصلًا طويلًا يترجم فيه للجداوي قائلًا عنه "كان من الشجعان الموصوفين والأبطال المعروفين ولما انفرد علي بك بمملكة مصر ولاه إمارة جدة فلذلك لقب بالجداوي وذلك سنة أربع وثمانين ومائة وألف وابتلي فيها بأمور ظهرت بها شجاعته وعرفت فروسيته ولذلك خير يطول شرحه"

منحة

أوضح محمد صابر مفتش الآثار بالأقصر الوكالة مسجلة في تعداد الآثار الإسلامية القبطية بقرار رقم 10357 لسنة 1953 ونشر بجريدة الوقائع المصرية، وأنه تم تجديها عام 1990 وجرى تجديها مرة أخرى في الآونة الأخيرة بمنحة أجنبية تقدر بـ28 مليون جنيه مما أعاد إليها رونقها القديم وحافظ عليها من الاندثار.