21 - 07 - 2024

عبدالعزيز بركة ساكن .. كاتب سوداني طارده الرقيب فاحتضنه العالم

عبدالعزيز بركة ساكن  .. كاتب سوداني طارده الرقيب فاحتضنه العالم

- حكاء يحكي تحت سماء غريبة أسرار الأجساد الفارعة والبشرة السماء وأساطير السودان الغامضة

الكاتب السوداني عبد العزيز بركة ساكن في مصر الآن التي عرفها طالبا في كلية التجارة جامعة أسيوط، يعود إليها ليقدم عدة لقاءات مع جمهوره في هيئات ثقافية متعددة لمناقشة أعماله الأدبية وأرائه الفكرية وسيرة حياته، في وقت تعاني فيه السودان من حرب طاحنة لم تشهد مثلها من قبل.  

هو واحد من ألمع الأصوات الأدبية في السودان الآن وهو كاتب غزير الإنتاج حاصل على جائزة الطيب صالح عن روايته «الجنقو مسامير الأرض» وجائزة «بي بي سي» للقصة القصيرة عام ١٩٩٣م عن قصته: «امرأة من كمبو كديس»، وجائزة «قصص على الهواء» التي تنظمها «بي بي سي» بالتعاون مع مجلة العربي عن قصتيه: «موسيقى العظام» و«فيزياء اللون»، وغيرها من الجوائز، ترجمت بعض أعماله إلى عدة لغات. 

وتتميز روايته وقصصه القصيرة بالاهتمام بالمهمشين والانحياز للناس البسطاء والاقتراب من تفاصيل حياتهم البسيطة وهو ما يضفي حميمية في قراءة أعماله ويعطيه شعبية واسعة بين الناس ليس في العالم العربي وحده، ولكن في لغات أخرى. أبطال أعماله يدفعون الرقيب لعدم السماح بنشرها، فالمرضى والعمال الموسميين الجنقو والمنسيين في الزمان والمكان كما يصفهم بركة ساكن والمرضي والشحاذون وصانعات الخمور البلدية الداعرات، المجانين، العسكر المساقون إلى مذابح المعارك للدفاع عن سلطة لا يعرفون عنها خيرا، المتشردون، أولاد وبنات الحرام، ، الكتاب الفقراء، الطلبة المشاكسون، الأنبياء الكذبة، صوتهم لا يعجب الرقيب، ولهذا بعد حصوله على جائزة الطيب صالح صودرت الرواية كما  صودرت مجموعته القصصية إمراة من كمبو كديس قبلها بسنوات، ثم قامت السلطات بمنع عرض كتبه بمعرض الخرطوم الدولي للكتاب، ومنعت كل أعماله من النشر في السودان.

 لكن هل منعت هذه المصادرة وصول أعماله وانتشارها بين القراء في السودان ربما يكون العكس هو ما حدث، وتمت قراءة انتاجه في معظم البلاد العربية وتخطتها إلى قراء لغات أخرى. لم يكف الكاتب عن الكتابة أو النضال من أجل نشر أفكاره ورغم أنه عمل مدرسا للغة الإنجليزية في السودان في بداية حياته ثم شغل عدة مناصب، منها: مستشار حقوق الأطفال لدى اليونيسيف في دارفور من ٢٠٠٧م إلى ٢٠٠٨م، ومدير مشروعات التنمية في صندوق تنمية المجتمع التابع للبنك الدولي بالنيل الأزرق، فقد قرر وسط هذا الهجوم عليه أن يتفرَّغ للكتابة.

واتضحت لديه ملامح مشروع ضخم عكف عليه لكي يقدم الآداب الإفريقية المكتوبة باللغات قليلة الانتشار،  فهو إفريقي يعلم أن مئات اللغات قابلة للاندثار بسبب عدم تداولها على نطاق واسع وقرر أن يجمع آدابها في كتب تتم ترجمتها إلى لغات أخرى وانشغل بهذه القضية.

أخبرته في اللقاء الذي حضرته بدعوة من اتحاد كتاب إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية أن سر إعجابي به لا يتوقف عند ما يكتبه من أدب رفيع المستوى، صادق وحقيقي إلى هذا التجرد من الذات الذي يدفعه ليعطي وقته وهو أثمن ما يمتلك كاتب إلى غيره من الكتاب في مشروعه الكبير للحفاظ على اللغات الإفريقية، وأن هذا العمل عمل مؤسسي شاق جدا على جهد شخص واحد. فلم أجد إلا ابتسامة كإجابة صادقة وارتياح وإقبال على دور يعرف قيمته جيدًا.

يعيش بركة ساكن الآن في باريس بعد تنقل طويل بين البلاد الأوروبية، ولهُ العديد من المؤلفات منها: ثلاثية البلاد الكبيرة وعلى هامش الأرصفة، مسيح دارفور، مخلية الخندريس، العاشق البدوي، موسيقى العظم، الرجل الخراب وغيرها من الأعمال. 

ويقول أنه يكتب عن طبقته: أحلامها آلامها طموحاتها المذبوحة وسكينتها أيضا التي تذبح هي بها الآخر، وقيسي على ذلك الخيرين والخيرات من أبناء وطني، إذا أنا كاتب حسن النية وأخلاقي بل داعية للسلم والحرية، ولكن الرقيب لا يقرأني إلا بعكس ذلك. 

واقتطع لكم من أعماله بعض السطور الكاشفة وأدعوكم لقراءة أعمال كاتب سوداني كبير:

«السلم هو جثة الحرب»؛ هكذا يفتتح الكاتب هذا الجزء من «ثلاثية البلاد الكبيرة والعاشق البدوي».

 نتساءل: كيف الفرار إن سُلِّمت آلة الحرب الطاحنة إلى غاضب أعمى؟ يغدو الهدم حينها أقلَّ الكوارث وطأة، فالقتل المجاني يطلُّ بشبحه على الجميع. «الحرب الأهلية» مصطلحٌ يمرُّ كمعلومة عابرة وسط الحكي، دون أن يعي قائله مدى بشاعة التقاتل بين أبناء أرض واحدة، كان لهم ذات يومٍ حلم مشترك وأمل واحد في الحياة في محيطٍ آمنٍ لا أكثر. 

ومن كتابه سماهاني: 

أنا السلطان..

أنا المالك الأوحد لهذه الجزيرة..

وأنا سلطان على كل شيء..

الأرض والنباتات والحيوانات والبحار وما عليها..

السفن والمراكب والصيد والصيادون لي..

والأنهار والذباب والبعوض وحتى النمل..

والصخور والشواطئ والصحراء والغابات لي..

العصافير لي..

بركة ساكن مشغول بالكتاب السودانيين في المنافي خاصة في مصر، ويدعو كل منظمات الكتاب أن تضمهم لتضمن قدرا من المساعدة حتى تستقر البلاد، وقد قرر الكاتب الكبير أحمد المسلماني الأمين العام لاتحاد كتاب إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية بعد إهداء بركة ساكن درع الاتحاد أن ينشئ لجنة للكتاب السودانيين للانضمام إلى الاتحاد وقرر الفرع المصري لنادي القلم أن يضم إلى عضويته الكتاب السودانيون أيضا بالشروط التي يسمح بها القانون للعضوية وأن يساعد كتاب السودان على تكوين فرع خاص بهم وهناك طلبات ستقدم إلى د. علاء عبد الهادي رئيس النقابة العامة لاتحاد كتاب مصر للوصول إلى صيغة للمشاركة والتعاون في الاتحاد.

تحية لكل كتاب السودان وللسودان الشقيق الذي يعاني هذه الأيام من حرب أهلية طاحنة غطت عليها المجازر الإسرائيلية في فلسطين.
-----------------------------------
بقلم: هالة البدري