01 - 10 - 2024

المؤسسة العسكرية قلب دولة الاحتلال الإسرائيلي .. والسياسة تابعة

المؤسسة العسكرية قلب دولة الاحتلال الإسرائيلي .. والسياسة تابعة

بينما تستمر الحرب الوحشية على قطاع غزة وفي ظل احتمالية توسعها، تتواصل الخلافات بين الجانبين السياسي والعسكري والأمني في إسرائيل وسط تبادل علني حاد للاتهامات بين قياداتها الكبرى؛ السياسية ممثلة في رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو وحكومته ومجلس حربه المصغر والعسكرية والأمنية ممثلة في قيادات الجيش والشاباك والموساد سواء كانوا في الخدمة أو خارجها، وهو الأمر الذي يشكل سابقة لم تعهدها إسرائيل من قبل.. 

وهذا الكتاب "المؤسسة العسكرية في النظام السياسي الإسرائيلي" للباحثين محمد حسين المومني وسعد شاكر شبلي. يلقي الضوء على دور المؤسسة العسكرية في النظام السياسي الإسرائيلي لسبر غور هذه المؤسسة العتيدة التي تلعب الدور الأساسي في السياسة العليا في إسرائيل ولا تترك حيزا ملموسا للحلبة السياسية، إلا بما لا يشذ عن الجوهر الأساسي للموقف الإسرائيلي.

هدف الكتاب إلى بيان البنية التنظيمية والفكرية للنظام السياسي والتعرف على دور المؤسسة العسكرية في بناء الكيان الإسرائيلي، مع إبراز موقع هذه المؤسسة في النظام السياسي، كما هدف إلى الوقوف على دورها بالحياة السياسية باعتبارها من مكونات النظام السياسي وتوضيح الدور الذي تلعبه المؤسسة العسكرية في المشاركة بعملية صنع القرارات الداخلية والخارجية الصادرة من قبل النظام السياسي وتنفيذها.

تمكنت تحليلات الباحثين من الوصول إلى وجود دور فاعل ورئيس للمؤسسة العسكرية في بناء النظام السياسي الإسرائيلي الذي يتكون من مؤسسات رسمية تشمل السلطات الثلاث "التشريعية والقضائية والتنفيذية" ومؤسسات غير رسمية كالأحزاب السياسية، حيث ظهر أن للمؤسسة العسكرية دورا مهما في عملية رسم السياسة العامة وتنفيذ أهداف النظام السياسي على صعيد السياسة الخارجية، أما على الصعيد الداخلي فقد تبين أن لها دورا هاما آخر في المشاركة في الحياة السياسية من خلال تأثيرها على الأحزاب السياسية الفاعلة في داخل المجتمع الإسرائيلي، حيث يلتقي الطرفان في نهاية المطاف على تحقيق الاستراتيجية التي بدأت بإنشاء الكيان الإسرائيلي، مع الأخذ في الاعتبار وجود نقاط تباين واختلاف بين المؤسسة والأحزاب السياسية.

لفت الباحثان إلى أن القرار السياسي الإسرائيلي فإن الأهداف السياسية التي يسعى صانع القرار لتحقيقها والمتعلقة بالمستويات القريبة المدى والمتوسطة والبعيدة، فإنها تنبع من أهداف الحركة الصهيونية التي تشكل الإطار النظري والتاريخي لعموم الحركة الإسرائيلية، هذه الحركة كانت تتسم دائما بالنفس الطويل لمجمل الأهداف النهائية الساعية لانجازها، كما أن أهدافها تكون الإطار الذي تنبع منه كافة أنماط الحركة للهياكل المساهمة في صنع القرار الاسرائيلي، لذا فإن عملية صنع القرار تتأثر  سلبا وإيجابا بالمتغيرات الداخلية والخارجية حيث تمثل المتغيرات الداخلية ما يتعلق بواقع القدرات الاسرائيلية. 

وقالا إنه من جراء اعتبار إسرائيل الأداء العسكرية كأحد المحاور الرئيسة لتنفيذ سياستها الخارجية كونها تضمن الحفاظ على مصالح الدولة الاقتصادية والسياسية، وقد شددت الأحزاب السياسية العاملة في إسرائيل على أهمية الجيش وحصوله على الأسلحة الحديثة باعتبارها صمام الأمان للدولة، كما اعتبرت هذه الأحزاب أن قوة الجيش تكمن في نفوس جنوده وقادته، الأمر الذي يتطلب حشد القدرات العلمية التكنولوجية وتخصيص الموارد المادية الممكنة للانتاج الصناعي والعمل على انتاج كم الأسلحة اللازمة لحماية الدولة وردع الأعداء، ثم جاء تبني القادة العسكريين والسياسيين لفكرة بناء جيش قوي يكون قادرا على أداء وجباته في الدفاع والهجوم، وتهدف إسرائيل من وراء تفوقها العسكري إلى تحقيق أهداف عديدة، فهي تحاول الوصول إلى توازن القوى وتحقيق التفوق النوعي من جهة ثانية بحجة أنها بلد صغير الحجم يعيش في محيط مع بلدان معادية له وهذا التوازن الذي تنشده إسرائيل يزيد من قدرتها العسكرية في الدفاع عن نفسها لأنه عدم تحقيق هذا التوازن ستكون نتائجه مأساوية على إسرائيل وتصبح هدفا سهلا لأعمال المقاومة الفلسطينية. لذا كان التركيز على بناء القوة العسكرية الإسرائيلية باعتبارها القوة الداعمة للمسيرة السلمية، كما كان التفكير الإسرائيلي منصبا نحو امتلاك القدرة النووية القادرة على إجبار العرب على إقامة علاقات سياسية واقتصادية مع إسرائيل بعد أن يستنتجوا أنه لا مجال للانتصار على إسرائيل.

تأثير سياسي

أكد الباحثان أن دور المؤسسة العسكرية في التأثير على صنع قرارات النظام السياسي، جاء عبر عملية صنع القرارات واتخاذها في النظام السياسي الإسرائيلي وهي على درجة من التعقيد والتداخل والتشعب، حيث تؤثر عليها العوامل الشخصية والنفسية والثقافية للمشاركين فيها، بالإضافة لتأثير البيئة الاجتماعية التي جاء منها المشاركون في صنع القرار، لذا باتت تفاعلات جماعات الضغط والمصالح التي هي من القوى المساندة للمجتمع والدولة ومدى توفيرها للمعلومات الصحيحة والسريعة عن الأعداء، المبنية على تحليل واقعي من أجل وضعها أمام القادة لاتخاذ القرار بشأنها، فكانت المؤسسة العسكرية هي المسؤول عن تلك المعلومات وتقديمها واقتراح القرارات اللازمة بشأنها فأصبح دورها كبيرا في عملية صنع القرارات بعد أن ظهرت سيطرة هذه المؤسسة على أوجه النشاطات المختلفة في المجتمع  سواء ما يتعلق منها بالجوانب السياسية أو غيرها.

وأضافا إن اعتماد إسرائيل على نظرية الأمن القومي التي تقوم على اعتبارات جغرافية وسياسية كانت وليدة الظروف المرافقة لإنشاء الدولة، الأمر الذي دفع بالقيادة الإسرائيلية إلى تعديل هذه النظرية وتحويلها إلى مفهوم الردع من أجل المحافظة على الأمن في ظل صغر حجم الدولة ومحدودية عدد سكانها مما جعلها عرضة للخسائر البشرية، الأمر الذي دفع بالقادة والمسؤولين عن المؤسسة العسكرية لتوجيه قرارات النظام السياسي المتعلقة بالتهديدات الداخلية تتجه نحو مواجهة التحديات القائمة القائمة والتي تتعلق بوجود مقاومة فلسطينية مسلحة شرسة تجعلها معرضة للخطر الدائم جراء الدور القوي للجماعات الفلسطينية المسلحة، فجرى توجه النظام للعمل نحو تحجيم دور هذه الجماعت عن طريق الاغتيالات واتباع أساليب قسرية في مواجهة أبناء الشعب الفلسطيني سواء من خلال بناء الجدار العازل أو تجريف أراضيهم أو مصادرتها أو الضغط النفسي عليهم لحملهم على الهجرة مع تنامي الخطر الديمواغرافي الناتج عن ازدياد أعداد الفلسطينيين داخل الأراضي المحتلة نتيجة التكاثر الطبيعي الذي تفوق نسبته التكاثر اليهودي جراء تحديد الولادات الإسرائيلية أو الهجرة المعاكسة نتيجة العلميات الفدائية أو جراء القصف بصواريخ القسام وغيرها.


وأوضحا أن المؤسسة العسكرية استطاعت من فرض وجودها في العديد من القرارات المتعلقة بالشأن الخارجي والتي صدرت عن النظام السياسي إلا أن المسحة العسكرية كانت بارزة فيها ولعل أبرز تلك القرارات: 

- أولا: قرارات المساهمة في شن الحروب على الدول العربية من أجل التوسع واحتلال الأراضي لتحقيق أهداف إسرائيل في بناء الدولة والمحافظة على أمنها وخاصة خلال حروب 1967، 1948، والتصدي للقوات المصرية والسورية في حرب 1973 وتغير معطيات تلك الحرب التي كانت تعد حربا خاسرة لإسرائيل وتحويل مجرياتها إلى نصر عسكري.

- ثانيا: الضغط على منظمة التحرير الفلسطينية عبر العمل على إخراجها من بيروت في الحرب التي شنتها عام 1982 واحتلال أجزاء من الأراضي اللبنانية من ضمنها العاصمة بيروت ومن ثم ملاحقة قادة المنظمة والعمل على تصفيتهم في كل بيروت وتونس وبعض الدول الأوروبية .

- ثالثا: العمل على ضبط القدرات العربية التي تشكل تهديدا لأمن إسرائيل وذلك من خلال تدمير المفاعل النووي العراقي سنة 1981.

- رابعا: التهيؤ والتخطيط والاستعداد لمواجهة مسعي إيران بالحصول على القدرات النووية عبر برنامج اعتبرته إسرائيل تهديدا حقيقيا لأمنها وذلك بالتنسق والتعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية، والضغط على بعض الأطراف الأوروبية من أجل موقف موحد مضاد للمساعي الإيرانية للدخول إلى النادي النووي.

- خامسا: المساهمة في رسم عمليات السلام التي تنشد إسرائيل من ورائها خلق حالة الأمر الواقع لاحتلال الأراضي العربية في فلسطين والجولان السورية عبر توقيع عدد من معاهدات السلام مع بعض دول المواجهة ومنها مصر والأردن، ومد خطوط للاتصال والتشاور والتباحث مع الجانب السوري عبر الوسيط التركي وبمباركة الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الأطراف الدولية الأخرى.

- سادسا: التصدي لبعض القوى الوطنية الفاعلة في الشرق الأوسط كحزب الله اللبناني، وحركة حماس الفلسطينية، حيث نفذت العسكرية الإسرائيلية هجومها الواسع في صيف عام 2006 على جنوب لبنان مستهدفة تدمير مواقع حزب الله العسكرية، وشن هجمات جوية مدمرة على معاقل الحزب في الضاحية الجنوبية من بيروت، الأمر الذي عده كثير من المراقبين بأنه لم يحقق أهدافه المرجوة وذلك بالاستناد إلى ما جاء في تقرير فينوغراد الذي اتهم رئيس الوزراء والمؤسسة العسكرية بالفشل في تحقيق أهدافها المرسومة، إلا أن تلك الهجمات قد ألحقت خسائر جسيمة في البنية التحتية والمدنية اللبنانية لكنها لم ترق إلى مستوى الانجازات العسكرية الكبيرة.