27 - 07 - 2024

حرب غزة 2023| لماذا يعجز العالم عن وقف الحرب؟

حرب غزة 2023| لماذا يعجز العالم عن وقف الحرب؟

- مخاوف غربية من ممارسة ضغوط مباشرة خشية أن تؤدي لحدوث انهيار شامل في الموقف الإسرائيلي يلحق أضرارا كبيرة بالاستراتيجية الأمريكية والغربية 
- صراع القطاع المحاصر ممتد بين الحرب المحدودة والحرب المفتوحة
- الحرب لا تدور في السياق الإسرائيلي الفلسطيني فقط ..وإنما هي حرب مرتبطة بالصراع الأوسع على النفوذ في المنطقة 

إذا لم تكن هناك إمكانية لإنهاء الصراع، فإن إدارته قد تكون هي البديل الأفضل، كذلك الحال بالنسبة للحرب، فإذا كان من المتعذر وضع نهاية لها، فمن الأفضل امتلاك الأدوات اللازمة لإدارتها. ينطبق هذا الأمر، بشكل واضح، على الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، بوصفه صراعا اجتماعيا ممتدا ومعقدا، بل إنه صراع شديد التعقيد، نظراً لتعدد مستوياته وأبعاده، وبسبب تدخل الكثير من اللاعبين، سواء من دول الإقليم أو القوى الكبرى، وكذلك لتدخل عدد متزايد من اللاعبين من غير الدول، مثل فصائل المقاومة الفلسطينية أو جماعات أخرى تخوض صراعات متعددة المستويات في لبنان والعراق وسوريا واليمن. ولا تلوح في الأفق أي نهاية قريبة لهذه الجولة من العمليات العسكرية المستمرة في غزة، وعلى الجبهة اللبنانية، والتي تختلف في طبيعتها عن الهجمات المسلحة التي تشنها إسرائيل بشكل متكرر على الجبهتين وكذلك على الجبهة السورية.

هناك صراعات كثيرة في العالم تستعصي على الحل، لكنها لا تشهد مثل هذا النمط من اندلاع المواجهات العسكرية المتكررة، فهناك صراع في شبه الجزيرة الكورية، والصراع حول إقليم كشمير على الحدود المشتركة بين الهند وباكستان والصين، في منطقة الهيمالايا، وآخر بين الصين والهند في منطقة التبت. وهناك الصراع على النفوذ والموارد في بحر الصين الجنوبي وبحر الصين الشرقي. وهناك الصراع على إقليم الصحراء بين المغرب من جهة وجبهة البوليساريو والجزائر من جهة أخرى، وهناك الصراع في منطقة القرن الأفريقي، وكثير من النزاعات الحدودية والنزاعات على استغلال الموارد في المناطق الاقتصادية الخالصة في البحار والصراع على الموارد في أعالي البحار. وهذه الصراعات تستعصي على الحل نظراً لحدة التعارض بين المصالح بين الأطراف المنخرطة، وهي مصدر لاحتمال اندلاع حروب أو نزاعات مسلحة، لكنها تخضع لترتيبات وصيغ لإدارتها على نحو يقلل من اندلاع الحرب. 

ومن بين هذه الصراعات المستعصية، والتي جري تطوير آليات لإدارتها لتقليل احتمالات تدهورها إلى نزاعات مسلحة أو حروب، الصراع العربي-الإسرائيلي الأوسع. وعلى الرغم من أن تأثيرهذا الصراع على كثير من الصراعات الأخرى في منطقة الشرق الأوسط التي تعاني من عدم استقرار مزمن منذ تشكل دوله في مطلع عشرينات القرن الماضي، إلا أن ترتيبات إدارته، على الأقل على مستوى العلاقات بين الدول، أثبتت قدرتها على الصمود في مواجهة الضغوط التي تدفع في اتجاه إشعاله من جديد من خلال القوى الراغبة في توسيع جبهة الحرب الراهنة في غزة، على الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني، وفد برز هذا الأمر بشكل جلي في مشاركة قوى إقليمية في صد الضربة الإيرانية بالصواريخ والمسيرات، مع أطراف دولية، للحيلولة دون اتساع نطاق الحرب.

بين إدارة الصراع وإدارة الحرب

السؤال الجدير بالبحث، هو: لماذا لا تخضع الحرب في غزة وكذلك المواجهات العسكرية، المحسوبة بدقة، على الحدود اللبنانية، للنمط العام الذي يحكم الصراع الأوسع بين إسرائيل وبين الدول العربية وقوى إقليمية أخرى مثل إيران وتركيا؟ ولماذا تعجز القوى الإقليمية والدولية عن وضع نهاية للحرب في غزة المستمرة في غزة منذ تسعة أشهر؟ ولماذا تفشل جهود الوساطة التي تبذلها تلك القوى من أجل إقناع الجانبين على وقف القتال والبحث عن وسائل أخرى لمواصلة الصراع؟ 

يظهر من تحليل تصريحات كبار المسؤولين في الحكومة الإسرائيلية، بما في ذلك رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو نفسه، وكذلك تصريحات كبار المسؤولين في حركة حماس التي تتولى الإدارة في قطاع غزة وتتولى قيادة المقاومة المسلحة في القطاع، السعي وراء أهداف ليست فقط مرتفعة التكلفة، وإنما أيضا تبدو مستحيلة من الناحية العملية. فالهدف المعلن إسرائيلياً هو مواصلة الحرب حتى تحرير المختطفين والقضاء على حماس وفصائل المقاومة الأخرى بحيث لا تصبح غزة مصدرا لتهديد أمن إسرائيل مرة أخرى، في حين يصر قادة الفصائل المسلحة في حماس على قدرتهم على مواجهة إسرائيل عسكرياً واستنزاف قدراتها على نحو يضعفها، علاوة على إصرارهم على عدم تبديد الانتصار الرمزي الذي حققوه في هجوم السابع من أكتوبر، والذي ألحق ضرراً بالغاُ بصورة إسرائيل ومكانتها، بتقديم تنازلات في مسألة الرهائن والمحتجزين الإسرائيليين لديها دون الحصول على مزيد من المكاسب، لاسيما في إطلاق سراح أكبر عدد ممكن من الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية.

كذلك، من غير الوارد تحقيق أي تقدم في تصورات الطرفين لترتيبات الوضع في غزة في اليوم التالي لانتهاء الحرب، ذلك لإصرار إسرائيل على عدم تكرار ما أسفرت عنه اتفاقيات الهدنة السابقة في غزة، في حين تبدي حركة حماس تردداً في موقفها من ترتيبات إدارة قطاع غزة بعد الحرب، على خلفية انقسامات داخل الحركة على ما يبدو، لكن ثمة توافقاً عاماً بين حماس ومؤيديها على أن أي صيغة تستبعد أي دور للحركة في ترتيبات ما بعد الحرب، ستعد تنازلاً وإقرارا بهزيمتها وإهدارا لما تكبده المدنيون في غزة من تضحيات جسيمة على مستوى الخسائر وتدمير البنى التحتية من مستشفيات ومدارس وطرق ومرافق. ويبدو أن المنخرطين في جهود الوساطة المصرية القطرية الأمريكية، باتوا مقتنعين بصعوبة إحراز أي تقدم بخصوص ترتيبات الوضع في اليوم التالي للحرب، ويركزون جهودهم عبر الجولات المكوكية والماراثونية لإبرام صفقة بين إسرائيل وحركة حماس تمهد لهدنة مؤقتة تتحول إلى هدنة دائمة في غزة، غير أن سلوك الأطراف المنخرطة في المواجهات العسكرية يظهر امتلاكها قدرة كبيرة على المناورة ومقاومة الضغوط من أجل انتزاع تنازلات تمهد لهدنة طويلة الأمد. 

كذلك، فإن تحليل نمط المواجهات الإسرائيلية - الفلسطينية في غزة منذ عام 2007، وإلى حد ما في الضفة الغربية يشير إلى أن مثل هذه الهدنة طويلة الأمد مستبعدة بسبب جمود العملية السياسية لتسوية الصراع، وضعف قدرة الأطراف المعنية على إدارته، نظراً لطبيعته المعقدة، وينطبق هذا الأمر إلى حد ما على الجبهة اللبنانية، رغم اختلاف الوضع اللبناني عن الوضع الفلسطيني، الأمر الذي يؤثر على القدرة على التنبؤ بمسارات هذا الصراع، خصوصاً مع عدم امتلاك أي من أطرافه الرئيسية أو المؤثرة القدرة على حسمه لصالح هذا الطرف أو ذاك. حتى لو تم التوصل إلى هدنة لا تبدو في الأفق أي فرصة لإحراز تقدم في تسوية للصراع يؤسس لوضع جديد في العلاقة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، سواء على أساس حل الدولتين أو على أساس حل الدولة الواحدة التي تمنح مواطنيها فرصا متساوية وتنتهي فيها أشكال التمييز والفصل العنصري. 

وبعيداُ عن تعقيدات إدارة الصراع، والتي تعد سبباً رئيسياً لميل هذا الصراع للانفجار بشكل متكرر في صورة مواجهات مسلحة وما يترتب عليها من مآسي إنسانية، فإن الحرب الأخيرة في غزة تكشف أيضا عن تعقيدات متزايدة في إدارة الحرب مقارنة بالجولات المسلحة السابقة، وهي تعقيدات مرتبطة إلى حد كبير بنمط هذه الحرب التي تندرج في فئة الحروب غير المتكافئة، ومرتبطة كذلك بالمواقف الأيديولوجية للأطراف الرئيسية المنخرطة في الصراع، والتي تستبعد أي إمكانية للتوصل إلى حلول وسط، تؤدي إلى هدنة، وتقليل للخسائر المترتبة على المواجهات المسلحة، وبالتأكيد فإن تصوير الصراع على أنه "صراع وجود" ينفي أي إمكانية لحل يقوم على مبدأ التعايش بين الخصمين، وتتحول إلى الهدنة، سواء كانت قصيرة الأمد أم طويلة الأمد إلى فرصة لالتقاط الأنفاس وإعادة ترتيب الأوراق لاستئناف القتال من جديد. 

حرب غير متكافئة

تندرج الحرب الدائرة الآن في غزة وما سبقها من جولات ضمن نمط الحرب غير المتكافئة، الذي يشير إلى حربٍ بين خصمين متحاربين، لا يمتلكان قدرات وموارد متكافئة، الأمر الذي يؤثر على الخطط الاستراتيجية والتكتيكية للطرفين، وهما عادة جيش نظامي وفصائل وميليشيات غير نظامية، ينظر إليها غالباً على أنها قوات مقاتلة غير قانونية. وهي بهذا تصف نزاعاً عسكرياً لا تكون فيه موارد المتحاربين متكافئة، وعليه، فإن كلّ طرف في هذا الصراع يعمل على استغلال نقاط ضعف الطرف الآخر، من خلال الاعتماد على استراتيجياتِ وتكتيكات غير تقليدية للحرب، وغالبا ما يرتبط هذا النمط من الصراعات المسلحة بما يعرف بالنزاعات منخفضة الحدة. وعلى الرغم من اعتماد الجيش النظامي المنخرط في هذه الحرب على منظومات قتال رئيسية، إلا أنه يلجأ في مواجهة الخصم الذي يعتمد بالأساس على منظومات قتال فردية وعلى المقاتل الفرد، إلى أساليب قتالية مختلفة جرى تطويرها من خلال استراتيجيات لمواجهة التمرد، إذ غالباً ما ينظر إلى هذه الفصائل والميليشيات على أنها حركات عصيان متمردة، حتى لو كانت حركات تحرر وطني، وهي بهذا المعنى شكل من أشكال الحرب غير النظامية. وتعد القوى غير النظامية في مثل هذا النوع من الصراعات العنيفة، خصماً قوياً، رغم أنها أقل عدداً وتسليحاً ودعماً، من القوى النظامية التي تواجهها، لأنها تمتلك دافعاً للاستمرار في الحرب. 

في البداية، واجهت الجيوش النظامية والدول الكبرى مشكلات عملياتية في مثل هذه الحروب، إذ تمكنت هذه الجماعات الصغيرة الأكثر خفة والأقل تسليحا من استغلال نقاط الضعف في التشكيلات العسكرية الكبيرة وتمكنت من توجيه ضربات موجعة كبدتها خسائر لا تتناسب مع محدودية القدرات التي تمتلكها هذه الجماعات، وكان السؤال الرئيسي الذي شغل الأكاديميات العسكرية في الدول الكبرى، لماذا تخسر القوى الكبرى ما اصطلح على تسميته الحروب الصغيرة. وسعت هذه الأكاديميات والجيوش إلى تطوير استراتيجيات لمواجهة مثل هذا النوع من الجماعات المسلحة، وعلى الرغم من ذلك، يظل في مقدور الجماعات غير النظامية تحقيق النصر على القوى الكبرى، ولعل تجربة الحرب الأفغانية وحرب العراق، تأكيد لهذه الحقيقة، وبالرغم من اختلاف السياق، إلا أن التدخل الأمريكي في الحالتين لم يحقق سوى مكاسب جزئية ومحدودة تلاشت مع الانسحاب. 

وربما تعزز هذه النتائج إيمان حركات المقاومة بقدرتها على تحقيق الانتصار، في نهاية المطاف، مما يزيد من رغبتها في الاستمرار في القتال، وهي حقيقة يؤكدها موقف حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية في غزة، وإلى حد ما في الضفة الغربية وجنوب لبنان، وكذلك الحوثيون في اليمن والفصائل الشيعية التي ترعاها إيران في إطار ما يعرف بمحور المقاومة. وربما كانت نقطة القوة التي تتمتع بها هذه الجماعات تتمثل فيما لاحظه طالب ماجستير في مجال العلاقات الدولية، طبق نظرية المباريات على الحروب الصغيرة - غير المتكافئة - وقارن بينها وبين مباريات كرة القدم، وخلص إلى أن الجماعات الصغيرة تكسب الحرب غالباً من خلال قدرتها على تغيير قواعد الحرب وفرض قواعد جديدة على الخصم الذي ينخرط في القتال بالقواعد المألوفة للحرب. 

وفي هذا السياق، يمكن فهم تصريح القائد العسكري لحماس يحيى السنوار تعليقاً على المفاوضات الخاصة بانسحاب القوات الإسرائيلية من ممر على الحدود بين قطاع غزة ومصر، حين أشار إلى أن القوات الإسرائيلية متواجدة تماماً حيث تريدها المقاومة الفلسطينية. ويشير اعتراف الجيش الإسرائيلي مؤخراً بحجم الخسائر التي تكبدها في الآليات والمركبات إلى صعوبة المعركة التي يواجهها، كذلك فإن دفع حركة حماس والفصائل الفلسطينية بأسلحة جديدة في المواجهة، مثل مضادات الطائرات المحمولة كتفاَ والتي تمكنت من إسقاط طائرة هليكوبتر إسرائيلية يعطي رسالة تشير إلى عدم قدرة الجيش الإسرائيلي على تحقيق الهدف من الانتشار على الحدود المصرية مع قطاع غزة وهو وقف ما تزعم أنه تهريب للأسلحة إلى المقاومة الفلسطينية من خلال الأنفاق عبر الحدود، وهي مزاعم لا يقوم عليها أي دليل. الأمر الذي دفع إسرائيل إلى البحث عن بدائل من خلال عرض الانسحاب من منطقة الحدود وطلب مساعدة مصر في مراقبة الحدود، مما يشير إلى اعترافها بالفشل في تحقيق الهدف من توسيع الحرب لتشمل مدينة رفح ومنطقة الحدود وما سببه ذلك من توتر في العلاقات مع مصر، هدد اتفاقية السلام الموقعة عام 1979. 

حرب في سياق أوسع

يزيد من تعقيد إدارة الحرب في غزة، أنها حرب لا تدور في السياق الإسرائيلي الفلسطيني وحسب، وإنما هي حرب مرتبطة بالصراع الأوسع على النفوذ في منطقة الشرق الأوسط.، وتحديدا المواجهة بين إيران الولايات المتحدة. وهو ما يرصده كتاب باللغة الإنجليزية صدر مؤخراً بعنوان "حروب الطموحات: صراع الولايات المتحدة وإيران على الشرق الأوسط"، وهو من تأليف أفشون أوستوفار، وهو أستاذ مشارك في شؤون الأمن القومي في كلية الدراسات العليا البحرية، بولاية كاليفورنيا، وهو باحث متمرس ويتمتع بخبرة واسعة في شؤون الأمن القومي والشرق الأوسط من خلال عمله في وزارة الدفاع الأمريكية وفي مركز الدراسات الإستراتيجية واشنطن وعمله كباحث في مركز مكافحة الإرهاب في وست بوينت بكاليفورنيا، ومن خلال أبحاثه التي تركز على قضايا الصراع والأمن في الشرق الأوسط، وتخصصه في إيران ومنطقة الخليج. 

ويرصد الكاتب كيف أن الغزو الأمريكي للعراق في عام 2003، كان نقطة تحول في استراتيجية إيران الإقليمية وفي المواجهة الإيرانية الأمريكية، ويشير إلى قدرة إيران على الاستفادة من التحولات السياسية والجيوسياسية في المنطقة في أعقاب الانتفاضات الشعبية في العالم العربي في عام 2011 لتعزيز تواجدها في العراق وفي سوريا ولبنان واليمن، وفي تعظيم أوراقها في مواجهة السياسة الأمريكية والإسرائيلية، ويشير إلى التداعيات الأوسع لهجوم طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر وكيف أنه شكل نقطة تحول، من المحتمل أن تستمر أصداؤه وتداعياته لعقود، إذ أنه ينبئ عن تشكل نظام جديد في المنطقة سيؤثر على المصالح الأمريكية والإيرانية. ويرى أنه لا توجد دولة في المنطقة تمكنت من تعزيز أهدافها الاستراتيجية مثل إيران، لا سيما أن وكلاءها أثبتوا قدراتهم في الحرب، التي أثبتت عدم قدرة إسرائيل على تدمير القدرات العسكرية للحركات التي تدعمها إيران والمتمثلة في ترسانة الصواريخ والطائرات المسيرة، الأسلحة الرئيسية المستخدمة في توجيه ضربات مؤثرة تكشف مكامن الضعف في الاستراتيجية الإسرائيلية، ولدى الخصوم الآخرين المحتملين.

ونجحت إيران في تطوير استراتيجية لردع الولايات المتحدة وإسرائيل من خلال توظيف الحرب غير المتكافئة عبر الجماعات المرتبطة بها في المنطقة، ومن خلال توجيه ضربات محسوبة بحيث لا تستفز الطرفين لشن هجوم أوسع يستهدف قواتها النظامية وأيضا من خلال تعزيز علاقاتها مع روسيا والصين وتطوير التعاون العسكري والاستراتيجي مع القوتين المناوئتين لواشنطن، لكن على صعيد المواجهة العسكرية بات واضحا للولايات المتحدة وإسرائيل أنه ليس بالإمكان الدخول في مواجهة عسكرية مباشرة مع إيران بدون تدمير القدرات العسكرية للجماعات المرتبطة بها أولاً.

وعلى الرغم من حرص الولايات المتحدة على الدخول في مواجهة عسكرية مباشرة على إيران أو أن تسمح بتدهور في الوضع العسكري وتصعيد للحرب في غزة وعلى الجبهة اللبنانية قد تؤدي إلى تورطها في مثل هذه المواجهة وتركيزها بدلا من ذلك على تصعيد الضغوط من أجل إحداث تغيير للنظام في إيران على نحو يأتي بنظام يتبع نهجا مغايراً، إلا أن التحليل التاريخي لسياسة إيران الخارجية في منطقة الخليج وفي منطقة الشرق الأوسط الأوسع محكوم باعتبارات جيو- استراتيجية وجيوسياسية، ولا علاقة له بموقف النظام أو توجهاته الخارجية، وعليه فإن إيران ستظل لاعبا رئيسيا في شؤون المنطقة على نحو يخدم طموحاتها ومصالحها الإقليمية والتي ستضعها دائما في تناقض مع الخطط والطموحات الأمريكية والإسرائيلية، وسيكون من الصعب على أي نظام إيراني التضحية بالمكاسب التي تحققت له، ولا مجال لتغيير هذا الموقف إلا إحداث تغيير جذري في نمط العلاقة بين إسرائيل وجيرانها، وهو أمر مستبعد في ظل السياسات الإسرائيلية الحالية ومع استمرار الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني. 

وتفسر هذه التشابكات والصراع على النفوذ في المنطقة عدم قدرة الولايات المتحدة ولا أوروبا على إنهاء الحرب الدائرة في غزة من خلال ممارسة ضغوط مباشرة على إسرائيل خشية أن تؤدي تلك الضغوط إلى حدوث انهيار شامل في الموقف الإسرائيلي يأتي بنتائج غير مرغوبة وتلحق أضرارا كبيرة بالاستراتيجية الأمريكية والغربية في منطقة الشرق الأوسط الأوسع والتي تعد إسرائيل جزءاً أساسياً منها. إن الخروج من المأزق الراهن ومن استمرار الحرب على غزة إلى أجل غير مسمى يحتاج إلى إعادة صياغة جذرية لمشروع التحرر الوطني الفلسطينية وبنمط التحالفات الإقليمية والدولية التي يمكن بناؤها في سياق هذا المشروع.
----------------------------
بقلم: أشرف راضي
من المشهد الأسبوعية

مقال أشرف راضي

مقالات اخرى للكاتب

حرب غزة 2023| لماذا يعجز العالم عن وقف الحرب؟