26 - 08 - 2024

"رايح فين ؟"

سؤال تقليدي ممل كثيراً لما يطرحه عليك رجل الأمن إن مررت بأحد الأكمنة الأمنية أو دلفت لأحد مراكز الشرطة لأداء معاملة ما.. حاولت أن أفهم عبقرية هذا السؤال، وهل هو للمساعدة أم من باب التربص بالمواطن .. ذات مرة، سألني أحدهم فأجبته مستنكراً: وأنت مالك هل من حقك أن تعرف وجهتي؟ فارتبك وأصابه الخجل .. لا أنا ولا غيري يستطيع أن ينكر دور رجال الأمن في حياتنا وكم يبهرك  الشرفاء منهم بتفانيهم في أداء واجبهم ودماثة الخلق في التعامل مع  المواطنين، وللأسف لا تنعم كثيراً بحفاوتك بهؤلاء إلا ويصدمك أحد البلهاء بغطرسته وغبائه، وللعجب حاولت أن أجد مبرراً لماذا يجلس الضباط على قارعة الطريق واضعي ساقاً فوق ساق في وجه كل المارة؟ لا أدري هل هي وصفة طبية لراحة القدمين، أم أنها أصول الأبهة والمنظرة على الشعب، أنا من حقي أن أجلس هكذا في بيتي أو استراحتي، لكن في وقت العمل لا يجوز، فهناك أدبيات تحكم الجميع .. تعالى للأهم وهو ما آلت إليه الحالة الأمنية في الشارع، فذات مرة اثناء مروري بالدقي وجدت مشاجرة بين سائق تاكسي وأخوة يمنيين، فلم تعجبني بلطجة السائق ووضاعته، فأنحزت للأخوة العرب أنا والمارة، وأوقفناه عند حده. تلفت حولي فلم أجد رجل شرطة واحد نستنجد به، اللهم إلا جندي مرور أمام سنترال الدقي، بلعت غضبي وواصلت السير، فمثل سائق التاكسي هذا يسيئ لمصر وصورتها أمام ضيوفها الذين يأتون إليها وكان لابد من معاقبته. 

أذكر في الستينات كيف كان رجل الأمن عطوفاً كريماً، وكان كل منهم يحمل رقماً فوق ياقته وعلى جانب الكتف لتستطيع أن تشكوه لمديرية الأمن إن أخطأ أو تخاذل في شيئ .. وكانت صيحات جندي الدرك تملأ الشوارع والأزقة ليلاً فننام ملئ جفوننا، وكنا نرى ضابط المباحث الذي يتنكر في زي بائع الخبز أو ماسح الأحذية من أجل عمل التحريات بنفسه، أما اليوم فيجمع المعلومات من خلال مصادره (مخبرين ومرشدين)، ونادراً ما تكون صادقة لأنهم أنفسهم مزدوجي الولاء، فبعضهم يوشي بميعاد الضبط والمداهمة (الناضورجية)، في النهاية أنا أطمح في جهاز أمني قوي وعادل، أطمح أن تنسق وزارة الداخلية مركز البحوث الجنائية لتعرف أسباب ارتفاع معدل الجريمة والمخدرات، وهناك أسباب اجتماعية أخرى، فالمشكلة ليست أمنية فقط .. استعينوا بالعلم وأهله ودعوا تلك النظم الأمنية القديمة التي من أهم فلسفتها القمع والتخويف، فلا أمان لمظلوم أو جائع أو خائف.. هناك عوامل أخرى لصناعة منظومة أمنية واعدة ننشدها جميعاً.. تحية لكل رجال الشرطة لكل من هم في لائحة شرف الوطن، أما الذين خارجها فنحن لا نعرفكم ولا نعرف لكم جميلاً.
-----------------------------
بقلم: سعيد صابر



مقالات اخرى للكاتب

كلاب العلمين