27 - 07 - 2024

د. أحمد طاهر: دول أمريكا اللاتينية تتحرك لتغيير سياسات القوى العالمية المهيمنة

د. أحمد طاهر: دول أمريكا اللاتينية تتحرك لتغيير سياسات القوى العالمية المهيمنة

لم تعد دول الهامش العالمي كما كانت تطلق عليها القوى المهيمنة بالسلاح والنفوذ خانعة مستسلمة كما تظن تلك القوى، وفي ظل متغيرات سياسية واقتصادية عالمية، تعمل كثير من دول العالم على تكتل قوى مغاير للمهيمن الحالي، ويظهر ذلك بوضوح في الجزء الجنوبي من العالم، خاصة في دول أمريكا اللاتينية، وحول هذه المتغيرات أقيم عدد من المؤتمرات والمناقشات حول الآلية التي ستتبعها هذه الشعوب. 

ويوضح الدكتور أحمد طاهر مدير مركز الحوار للدراسات السياسية والإعلامية بالقاهرة هذا المشهد بأنه في أقل من ثلاثة شهور ينظم معهد سيمون بوليفار للسلام بالتعاون مع اتحاد شعوب أمريكا اللاتينية المعروف اختصارا "ألبا"، النسخة الثانية من المؤتمر الدولي المعنون بـ" عالم اجتماعي بديل" حيث يستهدف المؤتمر النظر في الأزمات والمشكلات التي يواجهها عالم اليوم بسبب الممارسات التي تنتهجها القوى الغربية وعلى الأخص الولايات المتحدة الأمريكية تجاه الدول والشعوب الأكثر فقرا واحتياجا، بما جعل البحث عن بدائل لتلك السياسات الشغل الشاغل لعديد مراكز الفكر والدراسات في الدول التي اتخذت من موقعها الجغرافي وصفا لوضعها حيث اطلق عليه الجنوب العالمي في إشارة إلى تلك الدول التي تسعى إلى وقف هيمنة وسيطرة دول الشمال المتقدم. والحقيقة أن هذا الوصف يكاد يكون أفضل حالا من المسميات التي تم اطلاقها على هذه الدول بدءا من العالم الثالث وصولا إلى الدول النامية، فكان تعبير دول الجنوب أكثر اتساقا مع واقع هذه الدول التي تقع في جنوب الكرة الأرضية. 

ويقول: بعيدًا عن هذه المسميات وتلك الصفات لتمييز هذه الدول وأوضاعها، أضحى من الأهمية بمكان البحث عن حلول بديلة لأزمات هذه الدول ومشكلاتها التي مثلت عائقا أمام النهوض بأوضاعها وتحسين حيوات مواطنيها، فكانت المبادرة التي أقدم عليها مراكز الفكر في فنزويلا حلقة في سلسلة عديد المبادرات التي طرحتها مراكز فكرية في دول أخرى بل طرحتها بعض حكومات هذه الدول. 

وغنى عن القول إن مؤتمر "عالم اجتماعي بديل" الذي نظمته فنزويلا على مرحلتين، الأولى كانت في ابريل عام 2024 ثم جاءت النسخة الثانية منه في يوليو 2024 متزامنة مع اهم حدث سياسي تشهده فنزويلا شأنها في ذلك شأن عديد الدول وهو اجراء الاستحقاق الرئاسي في أواخر الشهر الجاري، الامر الذى اعطى دفعة قوية لهذا المؤتمر الدولي حيث شارك فيه مفكرون وباحثون وخبراء متخصصون في مختلف المجالات وينتمون إلى مختلف دول العالم شرقا وغربا وجنوبا وشمالا. 

وإذا كان المؤتمر في نسخته الأولى ناقش عديد القضايا والملفات الدولية وتوصل إلى اجندة عالمية بديلة هدفها تقديم رؤي ومقاربات قادرة على معالجة الكثير من هذه الازمات والتعامل بحرفية مع العديد من الملفات الأكثر تأثير في حياة المواطنين، فإن المؤتمر في نسخته الثانية التي عقدها على مدى يومين ناقش بشكل دقيق ومحدد عدة موضوعات اكثر تخصصا وارتباطا بقضايا معينة، فعلى سبيل المثال خصص المؤتمر احدى جلساته لمناقشة قضية تقرير المصير وحق الشعوب في تقرير مصيرها وقد اكتسبت هذه الجلسة أهمية في ضوء ما يشهده العالم اليوم من صراعات وحروب وما تعانى منه المنطقة العربية من أزمة تعد الاقدم من نوعها وهى الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، وارتباطا بهذا خصص المؤتمر أيضا جلسة بعنوان حقوق الشعوب وحمايتها والتعويضات الواجب دفعها من جانب من ينتهكها، فضلًا عن تخصيص جلسات أخرى لمناقشة دور الإعلام في الأوضاع الجيوسياسية الراهنة وأثره في توجيها وكيفية التعامل معها. هذا إلى جانب البحث في قضايا السلام الثابت والدائم، وكذلك قضايا العدالة الاقتصادية والعدالة السياسية ليس فقط داخل الدول والمجتمعات وإنما أيضا على المستويين الإقليمي والدولي، مختتما فعالياته بجلسة نقاشية حول مستقبل النظام الدولي في ظل حالة الاستقطاب الحادة التي يعيشها النظام الحالي والتأكيد على أنه لن تستطع الولايات المتحدة أن تقود نظامًا دوليًا جديدًا لا يأخذ في اعتباره صعود قوى دولية أخرى وتحديدًا روسيا والصين إلى جانب دول إقليمية فاعلة في أقاليمها الجغرافية المختلفة مثل مصر في المنطقة العربية والشرق الأوسط وفنزويلا في دول القارة اللاتينية. 

نهاية القول، خلص المؤتمر إلى التأكيد على أن النظام الدولي الراهن بأزماته ومشكلاته وقضاياه يشهد تراجعًا في مواجهة بوادر بروز نظام دولي جديد قائم على التعددية القطبية، وهو ما يستوجب التعاون والتعاضد بصورة اكبر بين دول الجنوب في اطار سعيها لتصحيح مسار التاريخ الذى جعل الآخر المتقدم يقرر مصائر الشعوب ومستقبلها بعيدا عن مصالحها وبما يصب في مصالحه ويخدم طموحاته ويحقق أهدافه على حساب حياة هذه الشعوب ومستقبل ابناءها، وهذا هو دور مثل هذه المؤتمرات الدولية التي تجمع بين أصحاب الرؤى النظرية والأكاديمية وأصحاب الخبرات العملية والمهنية، بما يجعل مخرجاته تجمع بين القائم وكيفية تطويره، والمأمول وكيفية تحقيقه.