27 - 07 - 2024

وجهة نظري | التصفيق للساسة والموت للشعوب

وجهة نظري | التصفيق للساسة والموت للشعوب

دوت قاعة الكونجرس الأمريكي بالتصفيق لمجرم الحرب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو منذ دخوله لإلقاء خطابه يوم الأربعاء الماضى .. ترحاب يكشف عن مدى التواطؤ في جريمة الإبادة التي يرتكبها النتن ياهو ضد الشعب الفلسطيني .. يداه الملطختان بالدماء التي ارتفعت بالتحية قابلتها أيادى أخرى مخضبة هي الأخرى بدماء الأبرياء وشت بها حرارة الإستقبال وحفاوة الترحيب وصخب التصفيق الذى استمر لأكثر من ثلاثة دقائق بدأ بدخوله للقاعة حتى وصوله للمنصة الرئيسية .. وإستمر خلال كلمته ليقطعها بين الحين والآخر تصفيق أشد حماسا لأكثر من ثمانين مرة خلال الكلمة التي استغرقت 52 دقيقة أي بمعدل مرة كل 40 ثانية !!

مذا قال نتنياهو ليستحق كل هذا الضجيج !! ما الجديد الذى حمله لينال كل هذا الترحاب وحفاوة الإستقبال!! لماذا دوت القاعة بالتصفيق الحار واستقبل محرم الحرب استقبال الفاتحين!!

لم يحمل نتياهو جديدا وجاء خطابه تكرارا لسياسته الإجرامية .. كرر أكاذيبه عما حدث في السابع من أكتوبر وكأنها منقطعة عما قبلها ومبررا لكل ما ارتكبه من جرائم وحشية وحرب تجويع وإبادة ضد الفلسطينيين.

لم يفته أن يكيل الإتهامات لإيران ووصفها بقيادة محور الإرهاب داعيا لمواجهتها من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل والأصدقاء العرب !! واصفا الصراع بأنه صراع همجية وحضارة!! وكأن مايفعله هو الرقى بعينه والتحضر بذاته لا مكان فيه للإجرام والوحشية وحرب الإبادة !!

فى الوقت نفسه لم يحمل أي بارقة أمل لإنهاء تلك الوحشية التي إستمرت لمايقرب من عشرة شهور. بل أكد على استمرار الحرب وعلى ضرورة سيطرة إسرائيل على قطاع غزة .. وأهمية أن يبقى القطاع منزوع السلاح تحت إدارة فلسطينية لم يحددها بالطبع ليقينه باستحالة تحقيق ذلك وفق شروطه !!..

وكان طبيعيا أن يخلو خطابه الممجوج من أية إشارة لصفقة الإفراج عن الرهائن، مما يكشف بوضوح عن نيته الصريحة في عدم إتمام تلك الصفقة والمماطلة فيها والاستمرار في حرب الإبادة لحصد مزيد من أرواح الأبرياء لترسيخ أسطورتهم الكاذبة عن أرض بلا شعب.

بدأ نتنياهو مثل شيطان ماكر، يعرف كيف يدير رؤوس مستمعيه يعرف مدى حاجتهم لصوته الماكر ومدى تاثيره في لعبتهم الانتخابية الزائفة .. يدرك خطورة الدور فيتقن أداءه ويلعب على كل الأوتار لانتزاع أكبر المكاسب لصالحه!!

يدعو لرفع تجميد فرضته أمريكا على حزمة مساعدات عسكرية لإسرائيل .. بحجة أن الإسراع في تقديم تلك المساعدات يسرع بشكل كبير في إنهاء الحرب، وكأن العالم كله لايدرك كذبه، ويوقن أن نتنياهو لاهدف له سوى استمرار حرب يدرك أن حياته السياسية مرهونة باستمرارها وأن انتهاءها يعني انتهاء مصيره بالسجن.

لكنه يؤثر اللعب على كل أوتار الخداع حتى النفس الأخير، يجيد اللعب بكل الأوراق مستغلا كل الظروف.. يدغدغ أسماع أعضاء الكونجرس بما يودون سماعه .. يحدثهم عن العدو المشترك والمعركة المشتركة وأن ما تقوم به إسرائيل لا تحمى به نفسها فقط، بل حماية للولايات المتحدة "فأعداؤنا أعداؤكم" "وانتصارنا انتصاركم" ، لذلك يجب أن نبقى متحدين لتحقيق هذا النصر !!

أداء مجرم الحرب التمثيلى المفتعل قوبل برد فعل لايقل افتعالا وفجاجة وإنحطاطا لأيادى تشاركه الجريمة والدماء .. وإن ظلت أيادى أخرى تتنصل من تلك الجريمة امتنع أصحابها من أعضاء الكونجرس عن حضور تلك الجلسة تعبيرا عن إستيائهم من مقتل عشرات الآلاف من المدنيين الفلسطينيين ورفضا لتقديم دعم سياسى لمجرم الحرب  وعدم رغبة بالمشاركة في مشهد الخداع السياسى الفج.

المؤسف أن المشهد الفج ليس بطله نتنياهو وحده،  وأن التصفيق المخزي لا يقتصر على أعماله الإجرامية وحده .. بل يتكرر المشهد بصور مختلفة في كثير من بلداننا العربية التي تعانى شعوبها من ساسات حكامها فقرا وتهميشا وقهرا وظلما ، ومع ذلك ترتفع أيادى بالتصفيق لهم داعمة كل خطواتهم ، غاضة الطرف عن محاسبتهم وردعهم ، معطية الضوء الأخضر لاستمرار سياستهم ، مبررة كل خطاياهم ، مروجة لكل أكاذيبهم ، متناسية دورها كصوت للشعب وبوقه الذى يحمل همومه ويتبنى قضاياه ومشاكله ويسعى بكل ما أوتى من قوة لحلها ومحاسبة المسؤولين عنها !!

في لعبة السياسة القذرة لاصوت يعلو فوق صوت المصلحة، ولا غلبة إلا لأصحاب العقول المتآمرة ، ولامكان فيها لذوى الضمائر اليقظة .. تلك قواعد صارمة لا تسلم منها أية لعبة دولية كانت أو إقليمية أو محلية، ولا عزاء فيها أبدا للشعوب المقهورة ولا مكان فيها لأصحاب النفوس النقية والنوايا الحسنة.
------------------------------
بقلم: هالة فؤاد

مقالات اخرى للكاتب

وجهة نظري | التصفيق للساسة والموت للشعوب