07 - 10 - 2024

د. أحمد فؤاد أنور عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية: "إسرائيل" قابلة للانجراف مثل رصيف أمريكا البحري على شواطئ غزة (حوار - 1من 2)

د. أحمد فؤاد أنور عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية:

- السابع من أكتوبر ليست نهاية المطاف .. سيأتي 8 أكتوبر
- طوفان الأقصى أسقط أساطير إسرائيل عن نفسها وقبله كانت القضية الفلسطينية تتجه إلى مصير الهنود الحمر
- يكفي المقاومة في المفاوضات السياسية الجارية أنها تتعامل بندية ولم ترفع الراية البيضاء
- 7 أكتوبر فتح النقاشات حول إمكانية استمرارية الكيان الصهيوني من الأساس ومن يحكمونه الآن مجموعة خارجين على القانون 
- بعد غلاف غزة سيأتي الدور على غلاف طولكرم وغلاف شبعا، وهذا ليس كلاما خياليا 
- المصالح ستدفع أمريكا للتخلي عن الكيان الصهيوني ولن تستمر في دعمه إلى مالا نهاية وحركات الضغط الصهيونية تعمل وفق مخطط الدولة العميقة في أمريكا 
- حان الوقت لدخول المقاومة اللبنانية للمعركة بكل ثقلها لتحسين شروط التفاوض لها ولحماس

أكثر من تسعة أشهر مرت منذ انطلاق عملية طوفان الأقصى التي حطمت كبرياء جيش دولة الفصل العنصري، على يد المقاومة الفلسطينية المحاصرة في القطاع منذ أكثر من 17 عامًا، إلا أنها استطاعت تمزيق الأساطير والأوهام التي رسمها الكيان الصهيوني حول نفسه، وأظهرته للعالم بأسره على صورته الحقيقية الهمجية البربرية، وفي هذا الصدد كان لجريدة المشهد هذا الحوار مع الأستاذ الدكتور أحمد فؤاد أنور، أستاذ اللغة العبرية بجامعة الإسكندرية وعضو المجلس المصري للشؤون الخارجية. والباحث البارز المتخصص في الشؤون الإسرائيلية والفكر الصهيوني ليحدثنا عن تأثيرات طوفان الأقصى على الداخل الصهيوني وما حققه الطوفان من إنجازات، وإلى متى ستدعم أمريكا هذا الكيان، وحقيقة قوة منظمات الضغط الصهيوني على الإدارة الأمريكية وغيرها من الموضوعات، وإليكم نص الحوار.

* بداية أي مسمى ترى أنه الأدق لتوصيف الكيان الإسرائيلي؟

- أحب توصيف الكيان بأنه الدولة الصهيونية؛ لأنها مدموغة بصفة العنصرية من الأمم المتحدة بقرار سنة 1974م، أما وصفه بالدولة اليهودية فهذا ربط فيه تعسف مع الديانة اليهودية واستغلالها بشكل أيديولوجي، وليس كل اليهود يؤيدون قيام دولة لهم في فلسطين المحتلة. وكذلك أنا ضد مسمى الدول العبرية لأنه يعيدنا إلى سيدنا إبراهيم عليه السلام بينما الكيان حديث النشأة ليس له صلة بهذا التاريخ القديم.

* ماذا تغير بعد أكثر من تسعة أشهر من طوفان الأقصى حتى الآن؟

- النقيض، قبل 7 أكتوبر كان الحديث عن التطبيع مع الدول العربية، ونشاط اقتصادي مشترك، وكانت القضية الفلسطينية تتجه إلى مصير الهنود الحمر، وكانت إسرائيل تقدم صورة عن نفسها أن لديها قدرة على الردع، وتمتلك قوة استخباراتية عالية، وأن لها أذرع طويلة تستطيع أن تطال بها من تشاء، وأن تنقل الحرب خارج أرضها، وتنهي المعارك خلال أيام ...إلخ كل هذه الأساطير سقطت وأصبحت محل مراجعة داخل الكيان.

ثانيًا: أعاد طوفان الأقصى القضية الفلسطينية على الأجندة الدولية مرة أخرى وأصبحت هناك محاولات ترضية للفلسطينيين من الولايات المتحدة الأمريكية ومن الغرب ومن دول كثيرة ترى أنه وقع ظلم بَيِّن عليهم وحان الوقت لتقديم بعض الحقوق للفلسطينيين. 

ثالثاً: بعد 7 أكتوبر أصبح هناك حديث حول إمكانية استمرارية الكيان الصهيوني من الأساس، فهناك بعض اليهود الذين هاجروا إلى الكيان لأسباب اقتصادية بحتة عندما يشاهدون الموت ويرون الفشل الأمني وحكومة غير قادرة على حمايتهم وغير قادرة على توقع هجوم قادم من مساحة محدودة محاصرة منذ سنوات على مساحة 365 كيلو مترا مربعا، مسافة يستطيع الرجل المسن يدور حول غزة كلها في ساعتين ونصف فهي بالطول 40 كيلو مترا وبالعرض في أعمق جزء 12 كيلو وأصغرها 6 كيلو مترات بالدراجة والركض تغطي هذه المساحة بخط مستقيم في دقائق.

* هذه مساحة ضيقة جدًا! فكيف يدعي الكيان دائمًا أنه توغل في عمقها؟ 

- هذه ملاحظة مهمة أشكرك عليها، حقيقة تضحكني الأخبار القادمة من قبل جيش الكيان حين يقولون إنهم توغلوا في عمق غزة، فأي توغل في عمق 6 كيلو وفي محور صلاح الدين فيلادلفيا 12 كيلو مترا ، فالتغول يعني الاجتياح فنحن في الشهر التاسع بالتوقيت العبري ومازال الكيان في ولادة متعثرة للأوهام الإسرائيلية في السيطرة على هذه الرقعة الضيقة المحاصرة.

* وماذا عن انتصاراتهم المزعومة داخل القطاع؟

- كما قلت انتصارات مزعومة، فإسرائيل واصلت أكاذيبها حول النصر منذ بداية المعركة، حين أعلنت أن نهاية المعركة ستكون في مستشفى الشفاء، أوهموا الناس أنهم سيخرجون منها جميع الأسرى ويحيى السنوار مقيد في الأصفاد وأن الحرب ستنتهي بدخول المستشفى، فخرج المتحدث الرسمي لجيش الاحتلال من المشفى بفيديوهات أقل ما توصف بأنها كوميدية وهو يعلن العثور على جدول المناوبات وأنه مكتوب بالعربية!. وتكرر الأمر ذاته في خان يونس بأن دخولها هو ما سيجلب النصر المزعوم للكيان، وأنها مسقط رأس السنوار وأنه يسمع صوت جنازير الدبابات التي اقتربت منه، ودخلوا ولم يفعلوا شيئًا سوى العثور على حذائه!

وقالوا الكلام ذاته عن رفح ومحور صلاح الدين ففعلوا ما فعلوا ولم يقدموا جديدًا، ولم يحرزوا النصر الذي زعموه.

* وماذا عن إعادة بعض الأسرى؟

- إسرائيل لها تاريخ سيء في إعادة أسراها على مر التاريخ فهي تملك سجلًا حافلًا بالإخفاقات في هذا المجال، دخلت كي تحرر جلعاد شاليط من غزة فخرجت بفضيحة دون أن تحرره، وكذلك ناحشون فاكسون جندي جرى اختطافه في الضفة وسُرِب فيديو له من غزة، فاعتقد جيش الاحتلال أنه في غزة، إلى أن عرفوا مكانه في الضفة فدخلت قوة لتحريره فخرجت بخسائر ومات المحتجز، وكذلك في جنوب لبنان، فخسائرهم فادحة في هذا المجال.

* لماذا لا يتورع قادة الكيان من التفاخر بجرائمهم التي ترتكب في حق العزل في غزة؟

- من يحكمون إسرائيل الآن هم مجموعة من الخارجين على القانون وذلك وفق القانون الإسرائيلي نفسه فهم أتباع حركة كاخ وأنصارها تلاميذ مائير كاهانا وهي من الحركات المحظورة. إلا أنه أصبح منها الآن وزراء خارجون على القانون، والمفترض أن الشاباك يلاحقهم لكن أصبحوا في هذه الحكومة هم المسؤولون عن توفير الأمن.

* هل هذا العدوان يحقق الأهداف التي يدعيها قادة الكيان؟

- يزعم الجانب الإسرائيلي أنه يهدف إلى عدم تكرار ما حدث في السابع من أكتوبر؛ لكن أرى أن السياسات الحالية تؤدي إلى 7 أكتوبر جديد مستقبلًا، فبسبب الغطرسة الصهيونية وتجاهل الأيادي الممدودة بالسلام، وإضعاف السلطة في الضفة بقيادة محمود عباس وإهانته وتجاهلهم من 2002م للمبادرة العربية للسلام، وتجاهلهم المبادرة المصرية في 2016م التي قدمها الرئيس عبدالفتاح السيسي في محطة أسيوط ومن منصة الأمم المتحدة. لذا أرى أن الثامن من أكتوبر قادم كما جاء السادس من أكتوبر والسابع من أكتوبر، فنفس المعطيات تخرج نفس المخرجات، فبعد غلاف غزة سيأتي الدور على غلاف طولكرم وغلاف شبعا، وهذا ليس كلاما خياليا، لأن هؤلاء في بطن إسرائيل ويعرفونها عن قرب فتكراره قادم وقابل للتكرار في أي لحظة، فهناك قوات عرين الأسود ونور شمس في مخيم بلاطة والجهاد قوي في هذه المناطق، توجد حركة فتح وعناصر محدودة لحماس وكلها قادرة على تكرار ما حدث في السابع من أكتوبر.

* هذه تغيرات مهمة.

- نعم هناك تغيرات تحدث على أرض الواقع، لكن إسرائيل ما زالت تتشبث بالوهم فكان المفترض أن يعيد الكيان حساباته سريعًا بعد اللطمة القوية التي تعرض لها من حماس لأول مرة عام 1948م ويناقش ما جرى ويفكر كيف يعيد قوة الردع التي انهارت، لكنهم يعملون على فكرة "المخوفاتي الطيب" أو المحتل الضحية والاثنان لا يجتمعان فإما هذا أو ذاك فهناك خلل كبير داخل الكيان.

* هل تعاني إسرائيل بالفعل من حرب وجودية؟

- واضح أن الكيان يعاني من حرب وجودية بلا شك، بدليل أن هناك عدوان ثلاثي على غزة إسرائيلي إنجليزي أمريكي مباشر وتدعمهم دول أخرى، فأمريكا أعلنت أنها أتت بحاملة طائرات من أجل حماية الكيان والجانب البريطاني الذي أعلن عن قيامه بطلعات جوية، وهناك الرصيف البحري الأمريكي الذي أخذ وقتاً كبيرًا في تجهيزه وفشل فشلاً ذريعًا في وقت قياسي، فإسرائيل يمكن أن تكون مثل الرصيف البحري الأمريكي على شواطئ غزة يمكن أن ينجرف في أي لحظة، فكما انسحبت من أفغانستان دون تمهيد وكانت تقول أنها ستبقى للأبد كذلك إسرائيل ستذهب رغم أنها تقول أنها باقية للأبد.

* هل إسرائيل بهذه الهشاشة التي تجعل من جماعة محاصرة برًا وبحرًا وجوًا لسنوات قادرة على أن تزيلها من الوجود وهي من هي بما تمتلكه من دعم غربي غير محدود؟

- نعم. لأن المشهد غير مسبوق فلم يكن يدور في ذهنهم أن أحدًا لديه القدرة على الاقتراب من الجدار، لكن المقاومة فعلت، انتصرت بحلول بدائية مبتكرة على التكنولوجيا الإسرائيلية الفائقة التي كانت تفاخر بها، فدخلت قوات القسام الغلاف بالسيارات نصف نقل والدراجات النارية وأصبحوا في قلب المعسكرات الصهيونية، وسقط غلاف غزة بالكامل في يد المقاومة. هذه الصدمة لا يمكن أن يتجاوزها الكيان، جعلتهم يقصفون لمدة عشرة أيام من 7: 17 أكتوبر غلاف غزة بالطائرات والدبابات؛ لأنه يريد أن يتخلص من موضوع الأسرى ويدخل على غزة ولم يكن مهمًا بالنسبة له أرواح مواطني الكيان وذلك يدل على تخبط إسرائيل وحالة الهلع التي كانت فيها وجرى الاستنجاد بأمريكا وإنجلترا وفرنسا التي هرعت دون تأخر لنجدة الكيان من ورطته.

ما قامت به المقاومة كان عملية متكاملة وغير متوقعة واختراق الجدار الذي تبين أنه وهمي،  والأخطر من كل ذلك أن هذه كانت جبهة واحدة، ويتوقع أن القدس والضفة الغربية ولبنان وسوريا اليمن العراق كلها ستنتفض، بالإضافة إلى مخاوفه من مصر، فزوال الكيان في السابع من أكتوبر لم يكن هاجسًا بل تجسد لهم كحقيقة.

* هل ستستمر أمريكا في دعمها اللامحدود للكيان رغم حرب الإبادة التي يرتكبها في حق شعب أعزل ومحاصر؟

- أمريكا لديها مصالح، وعلاقتها بالدول نفعية، ولا يمكن أن تستمر في دعمها للكيان إلى الأبد، فعند حد معين ستفكر في الفاتورة الأخلاقية والفاتورة القانونية والفاتورة الأمنية الباهظة، فهي تمتلك علاقات جيدة بمصر ودول الخليج وتركيا وفي المقابل الدور الوظيفي لإسرائيل يتقلص، خاصة وأن أمريكا لديها معركة مع الصين وروسيا، وتخشى أن يستغلا هذا الحشد ضدها ويتحالفون مع دول مثل كوريا الشمالية وإيران زائد عناصر من دول عربية، ساعتها ستجد الإدارة الأمريكية المعادلة تختل.

يضاف إلى ذلك أن أمريكا كانت توظف محكمة العدل الدولية بطريقة معينة ضد خصوم الغرب، وحاليًا يتوجب عليها أن تتنازل عن شيء من الاثنين إما عن محكمة العدل الدولية وتشويهها وفي ذلك تشويه للسياسة الأمريكية نفسها على مدار عقود أو تتنازل عن إسرائيل. لكليهما دور وظيفي بالنسبة لأمريكا ولا يستقيم الجمع بينهما، فإما أن تتخلص ممن وصفتهم المحكمة بأنهم مجرمي حرب - أي قادة دولة الكيان - بوصفهم كروتا محروقة أو تتخلص من المحكمة نفسها مما يعني اعتراف أمريكا بأن ما قامت به في السابق بناء على قرارات المحكمة غير صحيح فالقذافي وصدام حسين وبوتين...إلخ كانوا على صواب.

* يهدد الكيان الصهيوني بأنه سيعيد بيروت إلى العصر الحجري فهل هو قادر على اجتياح لبنان وأن يفعل ما فعله في غزة؟

- من حيث القدرة نعم؛ لكن التكلفة ستكون باهظة على الكيان، فحزب الله أقوى بمراحل من حماس يمتلك مواني بحرية ومطارات وله متنفس مع العالم وهذا ما تحلم به المقاومة في غزة. فدخول إسرائيل إلى لبنان هو دخول إلى مستنقع، وحل سبق أن جربته وفشل ولم تستطع القضاء على المقاومة. 

حركات المقاومة في الاجتياح البري لا تتصدى للدبابات لحظة دخولها؛ لكنها تتنظر أن تتمركز في أماكن معينة وتستقر أمورها ويصبح للقوات روتين يومي وبعدها تخرج من تحت الأرض وتقوم بقصف القوات المعتدية واصطيادها.

* حتى الآن لم يدخل حزب الله المعركة بكل قوته ما سبب ذلك في رأيك؟

- المقاومة في جنوب لبنان لها حساباتها السياسية المعقدة، ولديها المعلومات الكافية عن المناطق الحساسة في الكيان، فحتى عندما ترتدي عناصر الجيش الإسرائيلي الزي المدني ويجلسون في مصانع أو بيوت تعرفهم المقاومة وتستهدفهم بدقة شديدة. كما أنها تسرق من الكيان أسلحة مثل الصواريخ وأجهزة التوجيه، وعندما يكتشف الجيش الصهيوني عدم وجودها يفشل في العثور على من فعل ذلك. والمقاومة في جنوب لبنان مخترقة الجيش الصهيوني سواء عبر وسطاء أو تجنيد عناصر من داخل الجيش الصهيوني لحسابهم مقابل الأموال.

* ما رأيك في عدم تصعيد حزب الله لحربه حتى هذه اللحظة؟

- موقف حزب الله عليه علامات استفهام.. واضح أن هناك ضغط على إيران ليضغط على حزب الله حتى لا يصعد، مع أن السيناريو المتوقع أن الدور قادم على حزب الله، فور إبرام الاتفاق مع غزة، إسرائيل تفضل  أن تقاتل على جبهة واحدة بدلًا من جبهتين.

* هل ترى أن الوقت قد حان ليدخل بثقله في المعركة الآن؟

- حزب الله سيكون مخطئًا إن لم يدخل بثقله في الحرب في هذه اللحظة، لأنه بعد وقف إطلاق النار في غزة سينفرد به الكيان، والمفترض في هذا الوقت المنشغل فيه الكيان بحرب غزة أن يضغط ضغطًا كاملًا حتى يحسن شروط التفاوض له في المقاوم الأول ثم لحماس.  إن لم يستخدم حزب الله ترسانته العسكرية الآن فمتى سيفعل؟! وإن لم يفعلوا عليهم أن يرسلوا رسائل تصعيدية لقادة الكيان إن لم تفعلوا كذا سنضرب تل أبيب أو القدس أو حيفا، ...إلخ، والفيديو الذي أفرج عنه حزب الله لطائرة التجسس "الهدهد" يأتي في السياق الذي قلته لك ويعتبر بداية جيدة لضغط على الكيان ويدخل ضمن الحرب النفسية التي تربك حسابات نتنياهو.

* استخدمت حماس الأنفاق بشكل عبقري لمواجهة الجيش الصهيوني فهل يعتمد حزب الله على الأنفاق مثلهم؟

- طبعًا المقاومة تبتدع طرقا غير موجودة في الكتب، في فيتنام استخدمت الأنفاق بشكل جيد لكن يبدو أن الفلسطينيين لديهم خبرة غير عادية في مسألة الأنفاق، حزب الله منفتح على حركات المقاومة استفاد من الفلسطينيين وهم استفادوا منه، وربما لديهم قدرات أكثر من الأنفاق يعتمدون عليها. رأينا في السابع من أكتوبر الطيران الشراعي والأنفاق وغيرها من الأدوات المبتكرة التي تفوقت على التكنولوجيا الحديثة. وما يساعد حزب الله الآن أكثر أن الجيش الإسرائيلي أصبحت قدراته مكشوفة وأقصى ما يمكن أن يبذله ولم يعد لديه ما في جعبته ما يخفيه من قدرات.

* ما الذي سيجنيه الجيش الإسرائيلي من حربه على لبنان؟

- يتخيل الجيش الإسرائيلي إذا ضرب لبنان سيحسن من شروط تفاوضه مع حزب الله ويقلص من قدرات الحزب، والضغط على المفاوض اللبناني عبر قصفه لبنوك أهداف رخوة مثل المستشفيات والمدارس...إلخ

* ما تفسيرك لسهولة اغتيال إسرائيل لقادة المقاومة خارج فلسطين؟

- من الممكن أن يعود سبب ذلك إلى الثقة الزائدة لدى قادة المقاومة بأنهم يذهبون إلى مكاتبهم في وقت الحرب، في مقر علني، وفي ظنهم أن إسرائيل لن تستهدف القيادة السياسية في هذا الوقت لكنها فعلت. 

وحين تتحدث عن إيران ولبنان فهما دولتان تعانيان من الطائفية، وهناك طوائف فيها متصالحة مع إسرائيل منذ عقود وتتعاون معها تحت شعارات مثل الشعوب المحبة للسلام ومثل هذه الشعارات أو مقابل مصالح مباشرة مادية يحصلون عليها مقابل المعلومات التي يمدون بها الكيان.

* كيف تقيم المستوى السياسي الدبلوماسي للمقاومة الفلسطينية؟

- أعتقد أنها تدير معركتها الدبلوماسية بحنكة وبعد نظر ورؤية شاملة، وتقدير كبير لحجم مصر، وذلك حتى من قبل عملية طوفان الأقصى، فقد عملت المقاومة على عدم الدخول في معركة جانبية وكلها أمور تبين أن يحيى السنوار شخصية محنكة سياسيًّا.

 جلست في الأهرام مع قادة المقاومة في أوج الجفاء الذي حدث بين مصر والقطاع وطالبوا بفتح صفحة جديدة، وكانوا يقولون نحن نريد ونريد ونريد مصر لكنهم تفهموا الموقف المصري في حربه ضد الإرهاب وجرت في النهر مياه كثيرة.

* وماذا عن مفاوضات وقف إطلاق النار؟

- يكفي المفاوضات السياسية الجارية الآن الندية التي تتعامل بها المقاومة وأنها لم ترفع الراية البيضاء، والمطالبة بتحسين الشروط، واستفادوا في ذلك من الخبرات المصرية في التفاوض، وعادة ما تستخدم في المفاوضات بعض الحروب النفسية مثل الشرائط المفرج عنها للأسرى وغيرها من الأمور في ظل المتاح تستحق المقاومة تعظيم سلام.

* هل تتأثر المقاومة إذا نجحت إسرائيل في اغتيال قادة المقاومة مثل السنوار ومحمد الضيف؟ 

- التاريخ يجيب على ذلك، اغتالت إسرائيل كثيرا من قادة المقاومة، لكنها كما ترى ما زالت مستمرة، ودعني أخبرك أن يحيى السنوار يستفيد من سابقيه وهو يُعرف هناك باسم الأول من بين أقرانه لأنه يضع خطة يكتب فيها أنه بعد موته يتولى فلان مكاني، وكيف يجري الانتقام من إسرائيل وماذا يطلبون، فالعادي هو أن يُسْتَشهد، ومحمد الضيف ينطبق عليه الكلام ذاته الأول بين أقرانه فهناك من بعده من يحمل الراية.

* كيف أثرت هذه الحرب على صورة الجيش داخل المجتمع الإسرائيلي؟

- يعاني الجيش الإسرائيلي من حالة إرهاق؛ لأنهم لم يتوقعوا حدوث ما جرى، أولياء الأمور يصرخون بسبب طول الحرب، ويضغطون لأن أولادهم يمكثون في غزة لأشهر، والمفارقة أن الضغط  ليس من أجل عودة الأسرى ولكن لعودة أبنائهم من الحرب، الجيش كان بالنسبة لهم البقرة المقدسة، لكن أصبحت تهان قيادته من قبل القيادة السياسية، هناك انتقاد واسع لما يجري في الحرب، وهناك تجاوز للرقابة العسكرية عبر قنوات التيلجرام، فأصبح الأهالي يعرفون أبناءهم القتلى عبر آليات مختلفة من الجيش وحين يأتي إليهم اتصال لزيارتهم يخبرونه أنهم عرفوا سبب القدوم، صورة الجيش اهتزت بشكل كبير.

* الدولة التي أفرجت عن مئات الأسرى الفلسطينيين في صفقة مقابل جلعاد شاليط لم تعد تأبه لأسراها وجنودها الآن ما سبب ذلك التغيير؟

- ضحت إسرائيل بعقيدة أساسية كانت قائمة عليها كدولة، وهو التعهد بحماية الفرد، فلم يعد لديها مشكلة أن يموت جنرال أو مجند أو مدني أو مسن، كانت تفخر بهذه الميزة على الدول المحيطة بها؛ لكن لا بد تلاحظ هنا أن هذا الفرد الذي كانت تهتم به إسرائيل هو الذي ينتمي إلى القبيلة الكبيرة الفرد الأبيض من الأشكناز، أما يهود الفلاشا وإسرائيليي 48 لم يتمتعوا بالأهمية ذاتها. وبعد السابع من أكتوبر حتى اليهودي الصهيوني الأشكنازي لم يعد مهمًا، فإسرائيل روجت لأكاذيب وعند الاختبار سقطت أمام الجميع.

* سقطت صورة إسرائيل أمام شعوب العالم أجمع وظهرت على صورتها الحقيقية بعد طوفان الأقصى فهل حدث ذلك من قبل؟ 

- في ظني لأول مرة تسقط السردية الإسرائيلية في العالم حتى في حرب 1973م لم تحدث هذه الصدمة العالمية وحالة المراجعات بشكل مزعزع لهذه الصورة، فالتصدع كبير للغاية وغير مسبوق حتى داخل الولايات المتحدة.

* وماذا عن اليهود الأمريكان؟.

 - هناك ترويج أن يهود أمريكا كلهم كتلة واحدة وهذا غير صحيح تمامًا، فجزء كبير منهم يرى ما تفعله إسرائيل حرب إبادة، وذلك حتى بعيدا عن حركة ناطوري كارتا الموجودة في نيويورك، وهؤلاء لا يعترفون بإسرائيل من الأساس وتعتبرهم كُفارا خارجين عن الملة يعترضون على مشيئة السماء، لكن أنا هنا أتحدث عن اليهود العاديين يرون أن الكيان قد بالغ في رد فعله وأن الدولة الصهيونية ورطت نفسها، وحكومة نتنياهو مخطئة. 

وهناك فئة من هؤلاء اليهود غير مبالية أصلًا بما يجري في العالم والشرق الأوسط وينظر إلى نفسه على أنه أمريكي تمامًا.

* لكن حركات الضغط الصهيونية قوية جدًا هناك؟

- هناك إعادة نظر تجاه اللوبي الصهيوني في أمريكا، فيما بات يعرف بنظرية الذَنَب والكلب، وباتت تطرح تساؤلات في الأوساط الأمريكية المختلفة كيف لهذه المجموعة الصغيرة أن تحرك الولايات المتحدة للتصرف بهذه الطريقة، وفي رأيي حركات الضغط تلك تعمل تحت الإرادة الأمريكية وتروج عن قصد أن منظمات الضغط مثل إيباك هي التي تضغط على الحكومة الأمريكية للسير في اتجاه معين، فأمريكا تستخدمهم كمبرر لسياستها هي، فهم ليسوا مؤثرين بدليل أن بايدن نجح بدون أصواتهم.

إيباك وغيرها أداة في يد الدولة العميقة في أمريكا، فهناك دراسة في جامعة هارفارد بهذا المعنى تتساءل حول قوة اللوبيات الصهيونية والجدوى من وجودها، وفي المقابل هناك جماعات ليكودية داخل أمريكا ذات طابع مسيحاني يريد عودة المسيح مرة أخرى.

* ماذا تعني بالدولة العميقة في أمريكا؟

- هناك دولة عميقة تحكم أمريكا تضع سيناريو السيء والأسوأ فماذا تختار؟ فهناك سيدة على سبيل المثال تسببت في كوارث في ليبيا والسفير فلان توفي بسببها. وهناك شخص متهرب من الضرائب فأيهما تختار؟.هناك شخص مسن وفاقد للتركيز؟ وفي المقابل هناك شخص ثبت أنه ارتكب أكثر من ثلاثين جريمة فأيهما تختار لرئاسة أمريكا.

 دولة عميقة تعطي خيارات محدودة تحددها وفقًا لما تريد وتظهرها كأن الشعب هو الذي يختار. يصل من يصل إلى البيت الأبيض أو الكونجرس فهو لن يفعل أكثر مما تسمح به هذه الدولة وليس الأمر متعلقًا بإيباك أو غيره الذين هم مجرد أدوات في يديها.

* مع ذلك تتمتع إسرائيل داخل أمريكا بحصانة كبيرة ولا يجوز انتقادها؟

- في أمريكا يمكن انتقاد الرئيس ولكن لا تستطيع انتقاد إسرائيل بسبب خلط الأوراق بين 

الاحتلال ومعادة السامية، الكلام ذاته ضد اليهود وإسرائيل لماذا تكره اليهود وهذا غير صحيح فقد عاش اليهود لعقود طويلة في البلدان العربية دون أن يتعرضوا لأي أذى

وهناك تقصير من الجماعات الداعمة لفلسطين في توعية المجتمع الأمريكي بالقضية لكن الآن الأولاد على منصات مثل تيك توك وفي الجامعات بدأوا يقومون بهذا الدور ويرفضون السردية الإسرائيلية ويشككون فيها.
------------------------
حوار أجراه: د. عبدالكريم الحجراوي
من المشهد الأسبوعية 
الحلقة الثانية غدا