04 - 09 - 2024

ماذا يريد الشعب؟ (١٨)

ماذا يريد الشعب؟ (١٨)

يمثل النظام الاقتصادى وتمثل المشكلة الاقتصادية حجر الزاوية فى كل المشاكل المتراكمة والمتعددة التى تحيط بالوطن وعلى كل المستويات .

فالجمهورية الاولى التى بدأت مع ثورة يوليو كانت قد تبنت نظاما اشتراكيا يعتمد على ملكية الشعب لوسائل الإنتاج والتوزيع العادل للدخل القومى عن طريق تقديم الخدمات التعليمية والصحية والاقتصادية والثقافية (...الخ) إلى المواطن مما أزال الفوارق بين الطبقات حيت تكونت الطبقة المتوسطة. التى هى رمانة الميزان للاستقرار الوطنى . 

ثم جاء السادات (بجمهوريته التى لاعلاقة لها بالجمهورية الأولى) حيث استبدل النظام الاقتصادى والسياسى بنظام آخر لاعلاقة له لا باشتراكية ولا عدالة اجتماعية تحت مسمى الانفتاح السداح مداح . الشيء الذى كرس وأعاد وصاعد الفوارق بين الطبقات مما أوجد تزاوجا بين السلطة والثروة (فمن يملك يحكم). وهنا لا نريد أن نعقد مقارنة بين نظامين. فكل نظام له ظروفه ومعطياته، فالناصرية وعبد الناصر إذا كان نظاما سياسيا فقد انتهى منذ أكثر من نصف قرن، ولكن تتبقى الرؤية والمنهج الذى يمكن ويجب أن يطوع مع الظروف والمتغيرات المحلية والعالمية مع الاحتفاظ بجوهر المنهج والرؤية التى لايجب أن تغيب عن أى نظام سياسى وهو العدالة الاجتماعية والعدالة فى التوزيع. تلك العدالة التى تعنى توزيع المكاسب والأعباء أيضا. حيث أن الفوارق الضخمة بين الطبقات خاصة التى تكونت عن غير طريق العمل والعرق، ولكن عن طريق الرشوة والسمسرة والفساد والأعمال غير المشروعة، هذه الفوارق هى السوس الذى ينخر فى عظام الوطن ويهدد سلامته. 

كان من النتائج السلبية التى بدأت مع السادات هى زيادة الديون الداخلية والخارجية، وزيادة عجز الموازنة نتيجة للاعتماد على استيراد كل المطلوب وغير المطلوب (مثل طعام الكلاب) على حساب الإنتاج والتصدير، فكان الحل الألمعى هو التخلص من القطاع العام وبيع أصول الدولة التى هى ملك الشعب بأرخص الأثمان فى مناخ سيطر عليه الرشوة والفساد وتضارب المصالح. وظلت هذه السياسة بصورة أو أخرى فى عهد مبارك (استمرارا لجمهورية السادات). 

جاءت يناير بعد اختطافها من جماعة الإخوان فكانت تلك الفجوة الاقتصادية المدمرة، حتى جاءت يونيو في ظل ظروف اقتصادية حاكمة لكثير من المجالات وأهمها التسليم بمعالجة الاقتصاد والعجز والقروض بقروض حتى أصبحت أقساط وفوائد القروض تاكل مجمل الدخل القومي، حسب الارقام المعلنة وتصريحات وزراء المالية. 

كات النتائج سلبية تماما حتى أوائل عام ٢٠٢٤، وتمثل ذلك في انفلات سعر صرف الدولار والاحتياج الشديد للعملة الصعبة، فكانت تصبيرة رأس الحكمة والتى للأسف صورها الإعلام غير المسؤول بأنها صفقة الحل الناجز . ولكن لا أحد ينكر الضغوط الاقتصادية على الموازنة العامة، ومع اعترافنا بتلك الضغوط فهذا شيء والاعتماد على روشتة صندوق النقد الدولى شيء آخر. فهذا الصندوق بروشتته ووصفته لايعنيه غير خضوع الأنظمة السياسية لنظام راسمالى تسيطر عليه القوى الاستعمارية منذ الحرب الباردة مع السوفييت. كما أن الوصفة تتمثل فى إلغاء الدعم بكل أشكاله وأصنافه ومسمياته كطريق لحل مشكلة العجز فى الموازنة، نعم من الزاوية الاقتصادية المحضة يمكن أن يكون هناك مبرر، ولكن الأهم ياسادة هو النظرة والواقع السياسى فى المقام الأول. فلا بد أن يكون الاقتصاد قاطرة السياسة للاحتياجات الجماهيرية وحل مشاكل الجماهير وليس العكس. 

فالحل الناجز هو زيادة الإنتاج والتصدير وتقليل الاستيراد والبحث عن إيرادات حقيقية (استغلال ثروات الوطن) وتقليل المصروفات التى لاتعنى التشديد على معيشة البشر. فهل نعلم أن عتاة الأنظمة الرأسمالية تعالج هذا الأمر بالضرائب التى يدفعها كبار الرأسماليين والقادرين؟ ولحساب غير القادرين. 

تتحدثون عن أسعار الطاقة والكهرباء وأن الدولة تتحمل الكثير، نعم، ولماذا يستفيد أصحاب  المليارات وليس الملايين من هذا الدعم؟ فلماذا لا يبقى الدعم للطبقات الفقيرة والمعدمة؟ الطاقة زادت ١٥ فى المائة والكهرباء قيل ستزيد عشرين فى المائة. فهل تستطيع أغلب الدخول مواجهة هذا؟ وهل هذا سيكون فى صالح الاستقرار الاجتماعى والوطنى؟ وهل هذا لا نراه يستغل الآن أسوأ استغلال ممن لا يريدون الخير الوطن؟ مع العلم أن دور الإعلام المبالغ فيه للترويج لأسعار شقق الساحل (الشقة ٣ ملايين يورو) ودخول حفلات العلمين الغنائية عشرين ألف جنيه للفرد! وهذا يروج له فى ظل الإعلان عن إلغاء الدعم عن احتياجات المواطن الغلبان. 

الوطن فى تحديات غير مسبوقة داخليا وخارجيا وعلى كل المستويات، مما يتطلب التوحد الوطنى والتوافق على رؤية سياسية وطنية تحمى الوطن من كل الأخطار وحتى لانعطى الفرصة للمتربصين أن يتربصوا. 

حمى الله مصر وشعبها العظيم من كل شر وخطر وتحدٍّ. فسنظل مصريين قبل الأديان ومصريين بعد الأديان ونحب مصر إلى آخر الزمان.
-------------------------
بقلم: جمال أسعد

مقالات اخرى للكاتب

العبودية الفكرية