04 - 08 - 2024

مطلوب لأسرة مصرية!

مطلوب لأسرة مصرية!

«أسرة مصرية، العقد بتاعهم هينتهي أول الشهر الجاي، وعايزين حاجة في حدود 3000- 3500 جنيه، تكون 3 غرف حتي لو في عمارة بس متكونش أدوار عليا».. هذا المنشور أو الإعلان، إن شئت تسميته إعلانًا، كتبه سمسار أو مسوِّق أو أرزقي "فري لانس" يعني، على إحدى صفحات مواقع التواصل، الخاصة ببيع وشراء وتأجير العقارات في منطقة ما (حي شعبي).. الغرض منه كما هو موضح، توفير شقة سكنية بقيمة إيجارية لإحدى الأسر بالمبلغ المذكور، (نصف الحد الأدنى للأجور، واخدلي بالك).. وهذا أمر قد يكون عاديًا، ولا أي "اندهاشة"، لكن ما يلفت النظر في هذا "البوست"، موضع التعليق، أنه ليس في دولة خليجية عربية، أو عربية عربية، أو حتى أجنبية غير عربية، حتى تلحق لفظة "مصرية" بكلمة "لأسرة" هنا في مصر، ويكأن المؤلف أو الناشر أراد التأكيد على أن الوحدة السكنية المطلوبة أو المبحوث عنها، ستكون لأسرة من أبناء هذا البلد الوطن الأم، لا لأخرى من الجنسيات الشقيقة الموجودة على أرض، وفي ضيافة- وإن تملَّكَ كثيرون منهم- دولتنا الكريمة، ما يوحي بأن سماسرة العقارات أدركوا أن الطلب على الشقق قد أضحى مقتصرًا، لا سيما في الآونة الأخيرة، على ذوي الجنسيات غير المصرية، ما جعلهم يؤكدون على مصرية الأسرة صاحبة الطلب، في هاتك المرة.

بعد هذه المقدمة الطويلة التي تفسر للبعض حقيقة ما آلت إليه أحوال العديد من المصريين، وقد يرى آخرون أن الغرض منها ما زال في بطن الشاعر، هناك مجموعة من الأمور ينبغي الوقوف عليها والتذكير بها..  

أولها: الحد الأدنى للأجور الذي تفضلت الحكومة برفعه مرات عدة إلى أن  بلغ 6 آلاف جنيه- لم يُطبَّق في كثير من القطاعات الخاصة- لكنه مع كل "رفع" في معدل الأجور يقابله تحريك في أسعار الخدمات والسلع الأساسية، يجعل الزيادة كأن لم تكن أو في مهب الريح، الأمر الذي يستلزم سرعة إصدار حزمة حماية مجتمعية (محترمة) تضمن حياة شبه كريمة لمحدودي الدخل، وفي القلب منهم الذين يتقاضون معاشات لا تكفي إيجار شقة سكنية لأسرة مصرية، خاصة مع وجود ضيوفنا على أرض الكنانة..

وبالاستعانة بصديق شخصي، أثق في قواه العقلية وقدراته الذهنية، لكوني "على قدي" في الرياضيات، أولًا، و"ماشيين" بالبركة كما معظم المصريين ثانيًا، طلبت منه كتابة متوسط حساب ما تحتاج إليه شهريًا، أسرة مكونة من أربعة أفراد- أب وأم وطفلان- (تنظيم أسرة أهو) ليعيش حياة مستورة، مع التشديد على اقتصار تناول البروتين يومين فقط أسبوعيًا، فرد صاحبنا مسرعًا، قائلًا: "بحسبة بسيطة، الفطار 70 جنيها والعشاء 70 جنيها، والغداء 70 جنيها- لو فيه بروتين هيبقى 250 جنيها، يعني اليوم العادي بـ210 جنيهات واليوم اللي فيه بروتين 390، نحسب الشهر 30 يومًا، 20 يوم عادي 20*210= 4200 + 10 أيام بروتين 10*390= 3900 يعني الإجمالي 8100 جنيه شهريًا.. "يُنصح بمراجعة هذه الأرقام، لأنه عندما طلبتُ تفنيطة واقعية لها استطرد: "(علبة فول 15 جنيها- 15 جنيها طعمية- 15 جنيها عيشا- 15 جنيها جبنة- 10 جنيهات خيارا وطماطم (خضرة).. نصف بانيه بـ100 جنيه، وخضار بـ50 ورز 30 وسلطة 20، ولو حبّ يوم يجيب لحمة هيبقى قصاده يوم بروتين بيض- يوم يشيل يوم، يوم اللحمة هيكون 300 جنيه لحمة وخضار بـ50 ورز 30 وسلطة  20---- الإجمالي ٤٠٠ جنيه، يوم البيض هيكون ٦ بيضات بـ٣٥ جنيهًا- وكشري ٦٥ جنيها (رز ومكرونة)"- كمبيوتر ما شاء الله عليه، نمسك الخشب- حتى لو هناك فروق طفيفة في التكاليف قد يعوضها  كيس سكر أو باكو شاي أو ثمن بن.

لنا أن نتخيل أن أسرةً مكونةً من أربعة أفراد تحتاج إلى أكثر من 8000 جنيه شهريًا،  هذا من دون مواصلات أو ملابس أو علاج أو الذهاب لطبيب، أو فواتير مياه وكهرباء وغاز وتليفون أو أي صيانة في المنزل، أو إيجار إن وُجد والذي يساوي (نصف الحد الأدنى للأجور الحالي على أقل تقدير).

ثانيًا، إذا كانت الحكومة، بجلالة قدرها، تتكلف 10 مليارات دولار سنويًا تُضاف إلى عبء الموازنة العامة، لقاء استضافة مصر ما يزيد على 9 ملايين شخص ما بين لاجئ ومقيم، بسبب ظروف عدم الاستقرار في بلادهم، وذلك بحسب تقديرات رئيس الوزراء،  الدكتور مصطفى مدبولي، فلماذا لا تبحث عن حلول جوهرية، تخفف عن كاهلها وكاهل المواطن المصري بعضًا من هذه الأعباء، سواء عبر تنظيم عمليات دخول وخروج هؤلاء الضيوف بقبول عدد محدد، وعدم ترك الحبل على الغارب، قد يكون هذا الأمر أصبح أكثر تنظيمًا خلال الأيام الأخيرة، أو ضرورة مطالبة دول النفط العربية باستضافة بعض الأشقاء وإطلاعهم على ما يتحمله المصريون، علاوة على أهمية الدفع لإجبار المتناحرين على السلطة في دول الجوار لوأد الفتنة والتصارع فيما بينهم من أجل استيعاب مواطنيهم..

يأتي ذلك إضافة إلى أهمية مخاطبة البلدان الأجنبية لا سيما المتحكمين في  المؤسسات النقدية المقرضة، التي تشرط وتشترط وتتشرط وتضع شروطًا مجحفة لا ينجم عنها إلا زيادة الأعباء على المواطن البسيط الذي بات يرزح جراء ثقل ما يحمله وأضحى يعمل من أجل سداد الفواتير الثابتة من كهرباء ومياه وغاز وغيرها من الخدمات التي لا غِنى عنها، رغم رد استرداد هذه المؤسسات ما يقرضونه في صورة فوائد ديون، وربما أكثر، الأمر الذي يتطلب إجراء مفاوضات على إسقاط جزء كبير من هذه الديون لقاء ما تتحمله مصر والمصريون نيابة عن الكثير من بلدان أخرى، إقليمية كانت أو دولية..

ثالثًا، المصريون سمحوا، وبنفس راضية وعن طيب خاطر، إي والله،  للضيوف بمشاركتهم لقمة العيش والمواصلات العامة وغيرها من الخدمات الوطنية، من باب شيم الإخوة والكرم والتماس العذرو الله يكون في عونهم وربنا معهم وغيرها وغيرها، حتى إنك لم تستقل وسيلة مواصلات إلا وقد تجد أن ضيوفًا يرافقونك طيلة الطريق بل منهم من يقود هذه الوسيلة (ميكروباص)، أو لم تمر بشارع في حي شعبي إلا وتجد من أنشأ أو افتتح مشروعًا له، يخبزون ويشترون ويبيعون، ويحلقون، أي نعم يحلقون، من دون أن يتعرضوا لأي ضيق أو مضايقات أو تنمر وغيرها من الصفات غير الموجودة في المصريين..

ولكن..

-أن تجد طالبًا أو طالبةً لم تجد لها محل سكن لإتمام الدراسة، ومن يشكك في ذلك من المسؤولين، عليه أن يكلف نفسه النزول إلى أي منطقة أو شارع أمام جامعة أو معهد تعليمي ليرى كيف يشقى الطالب حتى يجد سكنًا يتناسب مع إمكانياته وإمكانية عائله في ظل الأرقام المطلوبة المبالغ فيها، والتي يرتضي بها الشقيق الضيف، قد يكون مضطرا، فهذا يحتاج إلى إعادة نظر.

-أن تفكر في استقلال وسيلة مواصلات خاصة تاكسي، أو أي سيارة ملاكي تعمل بالتطبيقات الذكية المتاحة، كربِّ أسرةٍ تحسب نفسك على الطبقة المتوسطة، إن كانت لا تزال موجودة،  فتجد "البونديرة" تتضاعفت، تمشيًا مع ارتفاع الأسعار، وغيرها من الأسباب المحيطة فهذا يحتاج إلى إعادة نظر..

أن ترى أسرة مصرية بسيطة لا تقدر على دفع قيمة إيجار مسكنها، بل قد يصل الأمر إلى أنها قد تجد نفسها في الشارع، حال انتهاء عقدها ورغبة المالك في رفع قيمة الإيجار الشهري بحجة توافر من يستطيع أن يدفع أكثر فتتوسل لإيجاد سكن بديل بعد تضاعف قيمة الخدمات والفواتير الشهرية وفي ظل دخول شبه معدومة، في حين هناك من الضيوف من يتملّك في المسكن نفسه الذي تعجز عن إيجاد إيجار فيه، فهذا يحتاج إلى وقفة وإعادة نظر..

مصر مضيافة "نعم" كريمة "نعم" تتحمل "نعم"، لكن العوار كل العوار والخجل كل الخجل، ألا يجد المواطن المصري مسكنًا يضيفه في بلده!
---------------------------
بقلم: عزت سلامة العاصي


مقالات اخرى للكاتب

مطلوب لأسرة مصرية!