28 - 09 - 2024

ندوة لمبادرة النهوض بقوى مصر الناعمة تناقش "حاضر الثقافة المصرية ومستقبلها" وتشخص أزماتها

ندوة لمبادرة النهوض بقوى مصر الناعمة تناقش

* سامى شاكر: الثقافة الجماهيرية لا تحتاج لموظفين ولكنها عمل نضالى وظيفته صناعة الوعي
* جرجس شكرى: اختفاء تام للمسرح السياسى والشعبي.. مما يطرح سؤال هل لدينا مسرح؟
* أحمد السيد: غياب التنوع سبب الأزمة وليس لدينا اهتمام بالكتابة ويوجد انفصال بين الواقع وما يكتب
* ثناء هاشم: هناك كارثة احتكار واندماج للكيانات الانتاجية وبالتزامن مع بيع الأصول لم يعد لدينا ماض ولا حاضر 

* أيمن الحكيم : لدينا تاريخ سينمائي عظيم لكن هناك أكثر من خمسة ألاف فيلم لم تعد موجودة
* خالد عزب:مصر على الورق تنتج 3 آلاف كتاب رقمى و٢٥ ألف كتاب ورقى فى العام لكن الواقع مختلف! 
سلوى بكر
: أقترح على وزارة الثقافة إنشاء متحف للمسرح ومتحف للسينما المصرية

انطلقت أولى فاعليات "مبادرة النهوض بقوى مصر الناعمة" تحت عنوان "حاضر الثقافة المصرية ومستقبلها" من أجل رصد وتوثيق المبادرات فى مجال الإبداع والإنتاج الثقافى والدفاع عن المقومات الفكرية والثقافية والتراثية للمجتمع وتسليط الضوء عليها والتنسيق فيما بينهما وتطويرها وتشجيع إطلاق مبادرات أخرى، وإبراز وجوه الإبداع المصرى والعمل على أن تحتل الثقافة المصرية مكانتها اللائقة فى محيطها الإقليمى وتحويلها إلى مصدر جذب للطاقات الثقافية والفنية مادياً وبشرياً، واستعادة الدور الغائب والمفقود للقوة المصرية الناعمة المصرية فى صناعة ثقافة مؤثرة تحافظ على تراثنا الإنسانى والعقلانى وتطوره، واقتراح سياسات تقلل من التعامل مع الثقافة كسلعة وتشجيع المبادرات التى تتناغم مع المسؤولية الثقافية، وحث كل الهيئات ومكونات المجتمع والمؤسسات ذات الصلة بمصادر القوى الناعمة على الاضطلاع والسعى لتسجيلها وحماية حقوق الملكية الفكرية لها.

أقيمت الندوة بمقر الجمعية المصرية للتنوير التى أسسها الدكتور فرج فودة برئاسة الدكتور أحمد فؤاد درويش المخرج السينمائي والمهندس إسحق حنا الأمين العام للجمعية.
والندوة هى نتاج اجتماعات وإعدادات سابقة لكثير من المهتمين بهذا الملف منهم الدكتور أشرف راضى والمهندس محمد صالح والأستاذ هشام إسماعيل  والكاتب جرجس شكرى  والكاتبة سلوى بكر وآخرين.

الضيوف

انطلقت هذه الندوة بمشاركة كل من سامى شاكر مدير قصر قبة الغورى ووكيل هيئة قصورالثقافة سابقاً للحديث عن قطاع الثقافة الجماهيرية، والدكتورة ثناء هاشم الأستاذ بمعهد السينما، للحديث عن صناعة السينما، والدكتور خالد عزب مدير الإعلام الأسبق بمكتبة الاسكندرية والباحث والكاتب فى مجال الأثار، والكاتبة سلوى بكر المشرفة على قطاع النشر التراثى فى الهيئة العامة للكتاب للحديث عن صناعة النشر والكتاب، وفى مجال المسرح تحدث الكاتب المسرحى والصحفى والناقد جرجس شكري وأيضاً المخرج أحمد السيد، وكان منسق حلقة النقاش فى الندوة الكاتب الصحفى الدكتور أشرف راضى وبحضور لفيف من المثقفين والكتاب والأدباء.

فى البداية تحدث سامى شاكر عن قصور الثقافة وأهميتها فى التوعية الثقافية للمجتمع ودورها الوطني ، خاصة في أزمات مصر الكبرى مثل نكسة 67 وحرب الاستنزاف من خلال نشر الفنون والتراث المصرى وقال إن تجربة الثقافة الجماهيرية فى مصر والتى تشمل المسرح تحتاج إلى قيادات وكوادر محلية وكذلك إلى توفير الموارد المالية للفنانين والمثقفين، فالثقافة الجماهيرية لها دور فى السياسات العامة سواء فى تدمير الوعى أو تشكيله، والثقافة الجماهيرية لا تحتاج لموظفين وإنما تحتاج للجان تعمل، لأنها عمل نضالى وظيفته صناعة الوعى وصناعة الوطن بالموهبة والإبداع، فالثقافة الجماهيرية لابد أن يعاد تدويرها وهيكلتها.

تساؤلات عن جدوى المسرح!

وعن  المسرح تحدث الكاتب المسرحى جرجس شكري متسائلا ما الجدوى فيما نفعل؟ النقاش أوصلنا إلى الندوة، والحديث عن الأزمة المسرحية لن ينتهى ولن نعرف إلام سننتهى وهل نستخدم لغة الأرقام أم الواقع ؟. 

وقال جرجس شكري: نحن فى العقود الأخيرة أمام ظاهرة معالمها تؤكد مايلى : تناقص أعداد دور العرض وتناقص المنتج من المسرحيات وخاصة فى مسرح الدولة واختفاء مسرح القطاع الخاص وزيادة غير مبررة لأعداد المهرجانات وابتعاد السواد الأعظم من العروض المسرحية عن قضايا الواقع، وبالتالى تراحعت خطوات المشاهدين للخلف بعيدا عن المسارح، فهل هذا مقصود أم يتم عن جهل لمن يضعون السسياسة المسرحية؟ فى كل الأحوال النتيجة أقرب إلى الكارثة حيث أصبح لدينا مايشبه المسرح، لا المسرح الذى نعرفه، وأصبح المسرح يعنى لأجيال معاني مختلفة، فلجيل التسعينات أصبح معادلاً للمسابقات والجوائز والمهرجانات وأصبح بالنسبة لشريحة أخرى اللجان والندوات والمطبوعات.

وأضاف المخرج أحمد السيد مازال عدد المسارح الموجودة بوسط البلد يخدم هذه المنطقة فقط وتم تسميتها بأسماء مختلفة تفيد التنوع ومنها "الطليعة " والحديث " والقومي" وهكذا وتلك الأسماء ظلت كما هى دون أن تقدم هويتها وبعد فترة أصبحت المسارح تختلف على تقديم نفس المنتج، ولابد من الاهتمام بعناصر المسرح من نص ومنصة وممثل وجمهور، والثقافة نتاج بشرى وغياب التنوع هو سبب الأزمة، ولذلك لابد من الاهتمام بالنصوص والمحتوى الذى يتم تقديمه للجمهور، ونحن ليس لدينا اهتمام بالكتابة، أي بالنصوص والمحتوى، ولذلك يوجد انفصال بين الواقع وما يكتب. 

وأردف أحمد السيد: نحن أمام مشكلة أخرى أن الأماكن أصبحت لا تقوم بدورها ولا الأشخاص أيضا والمسرح القومى مازال يعانى من قلة الامكانيات التكنولوجية الحديثة وحتى الأن لم تتطور الأماكن لتواكب التغييرات الجديدة فى عروض المسرح.

أزمات السينما 

وبدأت الدكتورة ثناء هاشم كلمتها بالقول: أن السينما قيل عنها فى وقت ما كانت الدول مستعمرة أنها الوسيلة للتأكيد على الهوية العربية وأن أهمية التعليم ليست مجرد تربية جمهور فقط ولكن له علاقة بالمسؤولية تجاه الدولة، كواجهة حضارية ومفهوم شعبى ثقافى لكي تتحقق العدالة الثقافية، وأن يكون الفنان متوجها لمجتمعه وهذا هو مفهوم القوى الناعمة.

وأضافت ثناء هاشم: نحن لسنا منتجين للسينما بشكل كامل ولكننا تم إفقارنا تماماً وتصويرنا نحن وأمريكا اللاتينية وبعض الدول فى القارة الافريقية على أننا سينما العالم الثالث والتى تعتمد فى التوزيع والإنتاج على التمويل الخارجى. 

أضافت د. ثناء هاشم: منذ زمن بعيد حدثت كارثة الاحتكار واندماج الكيانات الانتاجية وبالتزامن مع بيع الأصول السينيمائية ، أصبح ليس لدينا ماض ولا حاضر وتم القضاء على المنتج الصغير، وهذه خسارة فادحة قضت تماماً على المنتجين الصغار واندمجت الشركات وقضت على الانتاج النوعى.

وقالت: تم إنشاء استديو مصر سنة 1935 وهو أول مدرسة فعلية للسينما وكانت التجهيزات كلها سواء أجهزة أومعدات تابعة لشركة مصر للتمثيل والسينما  أو استديو مصر كلها تجهيزات ومعدات مستوردة من الخارج، وبالتالى صارت علاقة السينما المصرية طول الوقت بالغرب المتقدم حتمية مادام لم يعد هناك إنتاج مصرى خالص، وكان يتم إرسال الفنانين للخارج للتعلم مما لا يساعد على خلق شخصية مصرية خالصة.

وقالت الأستاذة الجامعية إن السينما مغرية أكثر من المسرح، فالمسرح له جمهور نوعى ، والسينما بدأت بفلكور وانتشرت بشكل شعبى ، وأوضحت أن هناك فرقا بين السينما القومية والسينما التجارية فالسينما القومية تعتبر تطورا لجذورنا واتجاهاتنا الثقافية في جوهرها مثلما حدث فى السينما الإيرانية.

 وأكدت هاشم أن ثورة يوليو قامت بعملين هامين وهما إنشاء أكاديمية الفنون التى تم تدشينها أسوة بالمشروع الروسى وعلى غرار المناهج الروسية، وإنشاء المؤسسة المصرية العامة للسينما التى أنتجت فى فترة الستينيات مجموعة أفلام مهمة جدا وهذه انهارت ليس لأن السادات أغلقها ولكن لأن المشروع الديكتاتورى حطمها والناس فقدت الثقة فيما كانت تقدم.

في نفس السياق قال الكاتب الصحفي أيمن عبدالحكيم : فى الحقيقة أكثر مايميز السينما المصرية هو تاريخها فهو الشيء الوحيد المضيء بها حاليا، ومصر تعد من الدول الرائدة في صناعة السينما بالعالم، فبعد أربعة أيام من أول عرض سينمائى فى باريس تم عمل  عرض  سينمائى فى الإسكندرية، وبعد ٢٨ يوما كان أول عرض سينمائي فى القاهرة، وهذا يؤكد أن لدينا سينما كبيرة لها تاريخ عظيم ، ففى عام ١٩٤٧م كان يوجد لدينا ٢٠٠ دار عرض فى القاهرة وتنتج حوالى ٥٠ فيلما فى العام بمعدل فيلم فى الأسبوع، وكانت السينما لها طقس ثابت فى الأسرة المصرية، ولكن السينما أصبحت حاليا فنا قاهريا فقط والأقاليم المصرية محرومة منه ونحن فى حالة من الإظلام فى لغة السينما حاليا وحالة انتكاس للسينما ولكى نفهم ذلك  لابد من تشخيص الوضع الحالى.
وقال الحكيم إن السينما المصرية مرت بثلاث مراحل وهي مرحلة الإمداد الخاص، فقد بدأت بالقطاع الخاص، وأيضا قام إنتاج السينما على أيدى السيدات الرائدات فى الثلاثينيات منهم عزيزة أمير وبهيجة حافظ وأسيا وكان لدينا صناعة عظيمة راسخة وكان الإنتاج سخيا جدا ووصلنا إلى الصناعة المصرية الراسخة، حتى جاءت ثورة يوليو والتى رأت الدولة فيها أن السينما غير مسيطر عليها فقررت تأميمها وأصبحت السينما تحت الوصاية والتأميم، ومن الفترة من عام ١٩٦٣إلى عام ١٩٧٣ تم إنتاج أفلام مهمة ولابد أن نعترف أنها أفلام مهمة ولا يمكن أن ينتجها غير الدولة.
وبعد عام ١٩٧٣ أصبحت السينما لا هى قطاع خاص ولا هى قطاع عام  وأصبحت هناك حالة من العبث الشديد وحاليا هناك كارثة أخرى وهى بيع أصول السينما المصرية
ويوجد لدينا ثروة وكنوزا سينمائية مهمة جدا مثال استديو مصر والأهرام ونحاس وجلال وغيرها واستديوهات كبيرة وتاريخية ودور عرض مهمة جدا لاتقل عن دور العرض فى أوروبا وحاليا يوجد أيضا ظاهرة غريبة وهى أن أفلام الدولة لم تعد موجودة فى السينمات المصرية،
وتمنى أيمن الحكيم على وزير الثقافة القيام بجولات للبحث عن أفلام السينما المصرية، فهناك أكثر من خمسة ألاف فيلم غير موجودة وهذا يعنى أننا أصبحنا لا يوجد لدينا تاريخ ولا ماض ولا حاضر. كما أننا يوجد لدينا أقدم صناعة سينما فى الشرق الأوسط و السينما استثمار، ولذلك أقترح أن يكون هناك بنك السينما وأن تدخل البنوك فى تمويل صناعة السينما فهى المشروع الوحيد الذى لا يخسر، وأخص بالذكر بنك مصر إذ أن عليه أن يقوم بتمويل الأفلام والسينما وأعتقد أن الدولة لن تخسر أبدا ولذلك لابد ان تدعمه وتشجعه بالإضافة إلى إقامة عيد سنوى للسينما وعودة السينما للأقاليم وكل المحافظات ومنع بيع أصول السينما المصرية.

إنتاج الكتب 

من السينما إلى الكتب حيث تحدث الدكتور خالد عزب قائلا: يوجد تحول للقاريء المصرى، حيث أصبح يعتمد على القراءة الرقمية ، ومصر تنتج ثلاثة آلاف كتاب رقمى و٢٥ ألف كتاب ورقى فى العام الواحد. وعلى أرض الواقع ، وعلى أرض الواقع لاتوجد هذه الأرقام ، كما ينشر ٢٠٠ نسخة من الكتاب وفى بعض الأحيان ٢٠ نسخة فقط، وأوضح أن مصر يوجد بها١٤٠٠ ناشر ومن يمارس النشر بصورة حقيقية ٤٠٠ ناشر فقط، والذى يتصدر المشهد فى المنطقة العربية هى المملكة العربية السعودية وذلك ب١٨٠٠ كتاب فعلى، وأما من حيث الجودة تأتى دولة المغرب وتنتج أربعة ألاف فى السنة بجودة عالية حيث يذهب حصاد الجوائز إلى المغرب أيضا، وهذا يطرح سؤالا مهما، هل لدينا صناعة نشر فى مصر؟ خاصة وأن صناعة النشر تقوم على قواعد أساسية فى جمبع أنحاء العالم وهى المكتبات العامة. 

وأثارت الدكتورة سلوى بكر قضية عدم وجود متحف للسينما المصرية ، مؤكدة أن إيطاليا لديها متحف مهم للسينما الإيطالية وأقترح على وزارة الثقافة إنشاء متحف للمسرح ومتحف للسينما المصرية لأننا لدينا تاريخ كبير فيهما. 

وأضافت أنه في عام 1927كانت هناك فرقة مسرحية فى القاهرة اسمها (بتوع زمان) وكان فيها رجال ونساء وهذه الفرقة كانت تقدم عروضها فى مقاهى القاهرة وكانت تطرح موضوعات آنية تتعلق بإشكاليات الناس.

تعريف بالمبادرة

جاء إطلاق "مبادرة النهوض بقوى مصر الناعمة " كإسهام ضرورى للتعامل مع التحديات التى يتعرض لها تراث مصر الثقافى والإبداعى ، حيث يتعرض للضياع نتيجة الإهمال أو عبرعمليات ممنهجة لسرقته أو تشويهه أوتدميره، الأمر الذى يلحق ضررا بمقومات قوة مصر الناعمة التى تشمل إنتاج المصريين الثقافى والفكرى والإبداعى، وتهدف المبادرة إلى الدعوة لإعادة قراءة وتأويل معطيات التاريخ والتراث للتفاعل مع الثقافة المعاصرة ومواكبة كل الأثار السلبية لقوى العولمة ولأهمية ارتباط الممارسات بالقيم والأفكار والدعوة إلى مجتمع ديمقراطى منفتح يحترم الحريات الفردية.
------------------------
كتبت : حنان موسى