أصبح من الصعب بمكان التنبؤ الدقيق بمستقبل الشرق الأوسط وفى القلب منه مصر، ففي الوقت الذي يتحدث خبراء العلوم السياسية، والمفكرون فى العالم عن نظام دولى جديد يتشكل، وأن كل إرهاصاته تحدث على مسرح عمليات الشرق الأوسط، وسط صراع دولي محموم بين الشرق والغرب، إلا أنه بدا واضحاً بما لا يدع مجال للشك، أن القوى الخفية فى العالم قد قررت الإعلان بشكل غير مسبوق عن نفسها، وعن مدى تدخلها فى صناعة مستقبل الكوكب.
لن أكون مبالغاً حين أتحدث عن أهمية مصر فى هذا المستقبل، حين أقول أن كل خطط العالم سواء المعلنة أو الخفية تدرك أن من سيتمكن من السيطرة على هذه البلد سوف يكون قد سيطر على حركة التاريخ، وإلى أى كفة سوف تميل عجلة الصراع بين الشرق والغرب.
وبعيداً عن فلسفة المفكر العظيم جمال حمدان فى أهمية هذه البقعة من العالم، والتى نعيش عليها، فتاريخ الصراع على هذا الكوكب منذ بدء الخليقة طالما أنتهى إلى مصر.. وعلى صخرتها دائما ماكانت تبدأ حركة جديدة للتاريخ.
وفى لحظات الضعف التى تصيب الأمم، يفقد سكانها الأمل وتضيع من أعينهم البوصلة، وتسيطر مشاعر الدونية والإنهزام على العقل الجمعي، الذي يقف عاجزا عن فهم أهمية وحقيقة دوره التاريخي، فليس هناك أصعب على أمة فى التاريخ من أن تُهزم نفسياً.. وفى الوقت الذى تعيش فيه مصر أزمات اقتصادية واجتماعية طاحنة، وتحديات غير مسبوقة وسط مخاطر تحيط بكامل محيطها الجغرافي، جل ما أخشاه أن تُسيطر علينا هذه المشاعر، وأن تُنسينا أن كل هذا يحدث، ليس لأننا أمة ضعيفة بقدر ما نحن أمة يَخشى العديد من أطراف الصراع الدولي من قوتها الحقيقية، سواء التاريخية أو الحضارية، أو حتى قوة بُعدها ألجغرافي والتاريخي في محيطها الأقليمي العربي.
كل ما سبق يدفعنا للسؤال الصعب، والأكثر أهمية على الإطلاق فى هذه اللحظات التاريخية، من عمر مصر والتاريخ.. ما شكل هذه البلد وما هو مستقبلها خلال العقدين القادمين من الزمان؟!
والإجابة عن هذا السؤال، أعلم جيداً أن هناك غرفا مظلمة كثيرة فى هذا العالم، وضعت عشرات السيناريوهات المرتقبة لهذه الإجابة، نحن هنا فى مصر، وعلى أعلى مستوى فكري وسياسي، وتنظيمي، لدينا أيضاً تصورات، وبعيداً عن لعبة التنبؤات والتنجيم وحتى المعتقدات الدينية.. وبمفردات العلم.. فإننا أمام مقدمات من الحتمي أنها سوف تُفضي إلى نتائج واضحة، حتى مع تعدد المتغيرات والمؤامرات والتفاعل الدولي، وما يحدث حولنا ومعنا، فليس ثمة عاقل لا يمكنه الأخذ فى الاعتبار كل هذه المتغيرات والصراعات التى تشتبك معك كدولة، وأنت تبحث عن مستقبل قريب أو بعيد لهذه الأرض.
وهنا يحضرني قول الرئيس السيسي حين قال: أن رئيس مصر القادم بعده لن يتجاوز عمره الأربعين من السنوات، وهو أمر يبدو للوهلة الأولى حتمي الحدوث حتى ولو لم يخطط له من يخططون لمستقبل مصر.. فسيكولوجية المجتمع المصري تسير نحو أفكار بعينها بعد ثورتين يحلو للبعض أن يراهما لم يحققا كامل أهدافهما، حتى على مستوى الشعارات الثلاث التى رفعتها ثورة يناير، وكنتيجة حتمية أيضاً للمؤامرة الكبرى على مصر والتى أسقطتها ثورة 30 يونية.. وهو ما يدفعنا للنظر للمقدمات الراهنة على الأرض لكي يمككنا استنباط الحد اللائق من النتائج المرتقبة.
فعلى الأرض.. مصر تغيرت بنيتها التحتية بشكل جذري، وتغيرت بنيتها فى توزيع السكان بما تم إنشاؤه من أكثر من 45 مدينة ومجتمع عمراني جديد، تغيرت أيضاً البنية التحتية التكنولوجية للدولة المصرية، أضف إلى ذلك تغيرا فى مستلزمات حركة التجارة من وإلى مصر، من خلال شبكات الطرق التجارية، ووسائل النقل وتجديد واستحداث موانئ جديدة، أضف إلى ذلك تغير البنية التحتية لخريطة المطارات المصرية، وقبل كل ما سبق تغير وتحديث فى البنية التحتية والعقائدية للمؤسسة العسكرية، ومنشأتها وأماكن تمركزها، وتغير فى عشرات الخطط والأهداف.. طبقا لمتغيرات المخاطر المرتبطة بالأمن القومى المصرى.
والمتأمل في كل ما سبق بشكل دقيق قد يحمله التفاؤل للحديث عن ميلاد جديد للإمبراطورية المصرية بمنتهى الهدوء، ولكن الحقيقة أن العالم يراك جيداً، ويعرف ماذا يتشكل داخل مصر، نحن أيضاً نعلم أن العالم يرانا، والعدو قبل الصديق.
على زاوية أخرى من المشهد يأتي نظام سياسي مهترئ، وأحزاب سياسية ورقية، وقوى سياسية مصنوعة وانتهازية، ولا يمكن التعويل عليها، وفى زاوية مغايرة لنفس المشهد طبقاً لما هو معلن لنا، سنرى مظومة تعليم تكاد تكون منهارة ظاهرياً، ومنظومة صحية تعاني كل الأمراض، أضف إلى ذلك معدلات فقر فى تزايد، أثرت بشكل مريع فى حدوث أمراض أجتماعية شديدة الخطورة - لا مجال لذكرها الآن - ولكنها مرصودة بشكل دقيق، كل هذا فى ظل نظام اقتصادي أصبح مُسيطرا عليه تماماً.. من قبل قوى عالمية فى شكل ما يعرف بصندوق النقد الدولي.
لا يمكنني أن أتناسى في هذا الرصد العشرات من المشروعات القومية، والتى من المفترض أن نجني ثمارها خلال العقدين القادمين، ومنها على سبيل الذكر لا الحصر، مشروعات الطاقة القومية، ومشروعات الزراعة، وما يرتبط بالثروات المصرية غير المستثمرة حاليا.. كل هذا يدفعنا للحديث عن مفردات القوة الشاملة للدولة المصرية، وفى القلب منها قوة تأثيرك الدولي ومجمل علاقاتك الدولية، وأيضاً ذلك الجانب المرتبط بانهيارات القوى الناعمة للدولة المصرية، فالبعد الثقافي والإعلامي والفني فى لحظة ما من تاريخ هذا الوطن.. كان يمكنه التأثير فى كامل المحيط العربى، ووصل الأمر إلى أن مصر فى أحدى لحظاتها كان يمكن لخطاب رئاسي بها.. أن يحرك شعوب 21 بلد عربى من المحيط للخليج، وهو مفردة هامة من مفردات القوة الشاملة للدولة المصرية ضاعت وتسرق الأن بفعل فاعل.
نعود للنقطة الأهم فى هذه السطور وهو الإنسان المصري، فلا مجال لتحقيق أى تقدم على أي مستوى لأمة مهزومة نفسياً وأجتماعياً.. ورغم أهمية هذه الحلقة فى ميزان مستقبل مصر، فأعتقد أن من يملكون القرار تحدثوا عنها كثيراً.. دون فعل حقيقى على الأرض، فى نفس اللحظة الذي يتم فيها استهداف العقل الجمعي المصري عبر كل المنصات المعادية من كل مكان فى هذا العالم.. وهو أمر لا تستوعبه تلك السطور القليلة أو تكفي للحديث عنه بالشكل اللائق.
أما عن المتغيرات والمخاطر والتهديدات بل والحروب المعلنة الأن على مصر، فحدث ولا حرج.. فما يحدث على الحدود الجنوبية لم يكن يستهدف سرقة ثروات السودان بقدر ما يستهدف التهديد المباشر لمصر، نفس الشئ تقريبا على الحدود الغربية فى ليبيا، أما الحدود الشرقية.. فخططها معلنة وواضحة بكل ما فيها من أبعاد دينية، واستعمارية يطول أيضا شرحها، وما يعنيني الأن وسط اللعب المفتوح على رقعة الشطرنج من الجميع.. هو الفجوة بين ما نعتقد أنه الأهم على سلم ترتيب الأولويات وما يعتقد صانع القرار أنه الأولى الآن.
ووسط غياب كامل لتوافر المعلومة لشكل الحرب، وصفقاتها داخل الغرف المظلمة، إلا أن اعتقادي الشخصي والذي طالما تحدثت عنه عبر سنوات مضت، أن لهذا الوطن حراس مجهولون يعرفون جيداً كيف يديرون لعبة الحروب السرية مع الأعداء، ولكن الواقع يقول أن الشارع المصري والذي سيكون منوطا به أن يصبح فى الصفوف الأولى قريباً جداً حين تبدأ المواجهات الصريحة، لا يمكن أن يُترك فريسة سهلة لصواريخ العدو ومدفعيته الثقيلة.. التى تستهدف عقله ووعيه وروحه المعنوية، خاصة فيما يرتبط بلعبة الولاء والإنتماء لجيل كامل يتم العبث بها الأن، ولم تعد منظومة الأسرة وسط هذه الظروف الاقتصادية الطاحنة قادرة وحدها على حماية هذا الجيل، والذي أظن أنه سوف يكون جيل المواجهات الحاسمة القادم.
أقول هذا وأنا فى منتهى الثقة فى وطني، ومن يحرسونه خاصة الجنود المجهولين الذين قيضهم الله لحمايته، ولا يعلم عنهم العدو شيئا، ولا أزيد فيهم وفي وصفهم أكثر من أنهم حراس دولة مصر.. يعلمون جيداً أين تقف أمتهم ويعرفون كل ما يحاك فى الظلام لهذه الأرض، ولهم عند الله أقدار يعرفونها وهم بحول الله ومشيئته أهلاً لها.
------------------------
بقلم: وليد الغمرى