26 - 08 - 2024

انسحاب مصر من المفاوضات

انسحاب مصر من المفاوضات

الانسحاب ليس هزيمة مطلقة في ميادين القتال، حيث يعد في نظر العسكريين مناورة تكتيكية لإعادة تموضع القوات للحشد والانتشار والسيطرة على المواقع الاستراتيجية تأهبا لشن الهجوم المضاد..كذلك السياسة ، قد يكون الإنسحاب من التفاوض مع العدو مناورة تكتيكية تجبره (على الأقل) بالتنازل عن غطرسته في إملاء شروط الإذعان والاستسلام له.. وهنا بيت القصيد.

على الأطراف العربية الوسيطة، وخاصة مصر، أن تعلن إنسحابها من المفاوضات العبثية الجارية الآن أمام الغطرسة الإسرائيلية التي تضيف شروطا لا يمكن قبولها بعد كل جولة من المفاوضات ، والإنسحاب من المفاوضات، موقف سياسي وطني، ورسالة إلى أمريكا وإسرائيل تعلن بوضوح أن الدماء الفلسطينية فاضت بما يهين ويبدد تاريخ المصريين في التصدي لمؤامرات الصهيونية لابتلاع فلسطين، وتهديد الأمن القومي المصري بما ينذر عودة الأمور إلى النقطة صفر .. الحرب.

الإنسحاب من المفاوضات رسالة إلى أمريكا أولا ، تعلن بوضوح أن المصالح الوطنية المصرية ليست ألعوبة في يد نتنياهو وبلينكن ، كما أنه (الانسحاب) يضاعف الضغط الدولي والمحلي على حكومة نتينياهو ، ويفقد عائلات الأسرى الإسرائيليين آمالهم في إبرام صفقة التفاوض ، ويؤكد لهم أن نتينياهو يلعب بورقة التفاوض من أجل مصلحته السياسية، ما يزيد من الإحتقان في الشارع الإسرائيلي ويضع اليمين الإسرائيلي كله في زاوية "المنبوذ" خاصة وأنه يهدد الدولة الإسرائيلية ذاتها بخسارة أهم صديق لها في المنطقة.

الإنسحاب من التفاوض مناورة سياسية ، لن تخسر مصر منها شيئا، بعد أن تجاوز نتنياهو الخطوط الحمراء واحتل محور "فيلادلفيا" بدباباته ويرفض الانسحاب منه .. فماذا تخسر مصر أكثر مما خسرته، وتخسره فلسطين ، خط الدفاع الأول عن أمننا القومي، وربما (أقول ربما) يقلب طاولة التفاوض ويجبر نتينياهو على إخلاء محور فيلادلفيا وعودة سكان غزة دون تفتيشهم ، وهذا الحد الأدنى من مصالح مصر والمقاومة الفلسطينية.

الأوضاع الدولية ، إذا ما اعلنت مصر الانسحاب، في صالحنا، رغم كل هذا التواطؤ الغربي مع الصهاينة، بمعيار الاستياء العالمي من المجازر الإسرائيلية والجبروت الصهيوني ، وزيادة الضغط عليهما، والإدانات الشعبية الواسعة لسكان الكرة الأرضية ، وكذلك بمعيار ضرورة الحضور المصري في الملف الفلسطيني برمته ، الذي لا غنى عنه لأمريكا وإسرائيل.. حتى خطط الابتزاز المحتملة بالديون، لن ترتفع إلى مستوى خسارة الوسيط المصري، وحتما سيعيد العدوان اللدودان لمصر وفلسطين وكل العرب حساباتهما في لعبة المفاوضات العبثية.  

مايزال لمصر أوراقها للمناورة بالسياسة والدبلوماسية، والإنسحاب من التفاوض يعري الولايات المتحدة الأمريكية ويضعها في موقف مقامر يراهن على مجهول .. وعلى مصر أن تعلن أن الجولة المقبلة من المفاوضات مع إسرائيل نهاية الأسبوع القادم آخر جولة تشارك فيها لعقد صفقة التبادل.. الإنسحاب دعم مصري ضروري للمقاومة الفلسطينية وموقفها من المشاركة في مفاوضات عبثية تبدأ وتنتهي عند تمديد "الوقت" أمام آلة القتل الصهيونية لارتكاب مزيد من الجرائم،كما أن الإنسحاب قد يكون مبادرة لتجميع المواقف العربية للضغط على أمريكا لوضع حد للجرائم الإسرائيلية، وإذا تعذر الإنسحاب، فعلى الأقل تعليق المشاركة لحين إثبات جدية التفاوض.
------------------------------
بقلم: أحمد عادل هاشم


مقالات اخرى للكاتب

بلينيكن يهين ويستهين و