26 - 09 - 2024

بمناسبة الذكرى 41 لرحيلها: فايزة أحمد .. المتيمة بهوى مصر

بمناسبة الذكرى 41 لرحيلها: فايزة أحمد .. المتيمة بهوى مصر

تمر في هذه الأيام الذكرى 41 لرحيل المطربة الكبيرة فايزة أحمد.. رحلت كروان الشرق.. ودعت الناس وهم يستقبلون أول أيام الخريف.. خريف فايزة أحمد التي كانت تسبب لهم البهجة والمتعة بصوتها الدافئ الطربي الجميل...

كانت تغني لهم في كل ربيع وفي كل مناسبة جميلة..غنت للأسرة. غنت للأم.. غنت للأخ.. غنت للزوج..غنت للحب.. غنت للوطن أجمل الألحان..أحبت مصر من كل قلبها، وكانت أن رحلت وضم ثرى مصر جسدها..

رحلت فايزة أحمد وسببت صدمة لمحبيها ولمحمد سلطان على وجه الخصوص الذي ظل لآخر حياته يتذكرها ويحن إلى ذكراها، فهي التي آمنت بموهبته وتمسكت به وناضلت من أجله، وحاولت إثبات موهبته للجميع، من أجل فنها وماتت وهي في قمة تألقها، لم تعتزل ولم تتخل عنها الأضواء إلى آخر يوم في حياتها..وقبل رحيلها بأسابيع غنت أغنية "لا يا روح قلبي" هذه الأغنية لم يسمعها فرسانها الثلاثة، حيث كانت فايزة تعاني سكرات الموت في آخر يوم من أيام الصيف، وفارقت الحياة في أول يوم من أيام فصل الخريف.. رحلت في سبتمبر الذي هو بالنسبة للغناء العربي والموسيقى العربية شهر الذكريات، فقد رحل فيه فنان الشعب سيد درويش (في 15 سبتمبر 1923)، والموسيقار العبقري رياض السنباطي (في 5 سبتمبر 1981)، وأمل مصر في الموسيقى بليغ حمدي (في 12 سبتمبر 1993)، وفايزة أحمد (في 21 سبتمبر 1983)، وكانت أغنية "لا يا روح قلبي" آخر ما غنت فايزة من ألحان السنباطي وكلمات الشاعر الرقيق حسين السيد، الذي أعطى كلماتها لفايزة، وقال لها: "إن شاء الله تعجبك وتعجب السنباطي".. والعجيب أنهم رحلوا وقد حرموا الاستماع إلى هذه الأغنية.. ورغم فجيعتنا في هؤلاء النجوم الثلاثة إلا أنها كانت "وجه السعد" على أحمد السنباطي وفريال نعامي ابنة الفنانة فايزة، الذي وضع اللمسات النهائية للحن بعد رحيل والده، والتقي بفريال وتزوجها أثناء تسجيل الأغنية في استديو 45 بمبنى الإذاعة ..

*****

وقد وقعت أنا في حب هذه السيدة العظيمة منذ فجر صباي أطرب لسماع صوتها الشجي الذي يشبه النسمة يستولي على القلب ولا يغادره أبداً.. فبعد صدور كتابي "بليغ حمدي عبقري النغم" في صيف 2018 ولاقى صدى طيبا لدى القارئ العربي قررت أن أعد كتاباً عن كروان الشرق فايزة أحمد، هرعت إلى دوحة محمد سلطان، واستقبلني الرجل بحفاوة بالغة وسجلت معه الساعات الطوال، ووفر لي أرشيفه مع رفيقة دربه فايزة الذي ارتبط بها عائليا وفنيا منذ العام 1964 وحتى رحيل فايزة عام 1983 وصدر كتابي تحت عنوان "سلطان والكروان" في صيف 2019. 

في حب مصر: 

عشقت فايزة أحمد مصر كما لم تعشق قطراً عربياً آخر، وقد غلب هذا الحب على نفسها وعلى بلدتها التي أنجبتها ونشأت فيها طفلة وشابة، وجاءت فايزة إلى مصر في منتصف الخمسينات ولم تغادرها حتى حوتها مصر في النهاية بين ثراها.. فهي تقول: "صحيح أنا لبنانية الأصل ولكنني مصرية الفن، فأنا طول حياتي وحتى عندما بدأت الغناء في لبنان لم أغن سوي باللهجة المصرية.. فلماذا لا يريدون الاعتراف بأنني مثل كل فنانة مصرية؟ لماذا يحبني الجمهور ويحاربني الفنانون وأجهزة الإعلام؟"!.

وشاركت فايزة في كل المناسبات الوطنية والقومية.. كانت حاضرة, ومغردة, وواكبت بصوتها عز ثورة يوليو سنة 1952, وتأميم قناة السويس سنة 1956, وما أعقبه من العدوان الثلاثي على مصر, وقيام الوحدة بين مصر وسوريا سنة 1958, ثم انهيار مشروع الوحدة سنة 1961, وبناء السد العالي، ثم عدوان يونيو سنة 1967 وما تلاها من حرب الاستنزاف سنة 1968, ثم حرب أكتوبر سنة 1973, كان لكل صوت بصمته وصوته الذي عبر به عن فرحة الشعب العربي بأكمله بالنصر المظفّر, إنه انتصار أكتوبر المجيد النصر العربي العسكري الوحيد في العصر الحديث, والذي حطم أسطورة الجيش الذي لا يقهر، ثم غنت للسلام الذي أعقب نصر أكتوبر.. 

وسوف نبدأ بأغنيتها "بحبك يا مصر" والتي كتبها محسن الخياط ولحنها محمد سلطان، والتي صارت تميمة في كل المناسبات 

يا بلادي يا بلادي .. بحبك يا بلادي/ يا مصر بحبك .. بحبك يا مصر/ بحبك يا مصر/ بحبك وقلبي .. مرفرف في جنبي/ في لحظة ما اقولك .. بحبك يامصر

  وفي حرب اليمن التي بدأت سنة 1962غنت فايزة "رشوا الفل مع الياسمين" من كلمات محمد حمزة وألحان محمد سلطان لتكون في استقبال القوات العائدة من اليمن، وقد اشتهرت الأغنية وقتها وهي من أوائل الأغاني التي لحنها سلطان لفايزة .

وغنت في حرب الاستنزاف أغنيات رفعت بها معنويات الجيش والشعب الذي لم يستسلم للهزيمة، وإنما خاض النضال من أول يوم في معركة رأس العش، وفي معارك حرب الاستنزاف الذي وجهت لهيبها لإسرائيل مما جعلها تستصرخ حلفاءها في الغرب وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية تستحثها بوقف إطلاق النار، وفي هذه المرحلة غنت قصائد وأغنيات عديدة منها: قصيدة "شمس القاهرة " كلمات الشاعر فاروق شوشة، وألحان محمد سلطان الذي لحن معظم أغنياتها في هذه المرحلة والمراحل التالية بعد ذلك، و يذكر أن فايزة غنت من كلمات فاروق شوشة أربع أعمال وطنية, منها اثنتان بالعامية "سير يا بطل" من ألحان محمد الموجي، و"كلنا وياك" من ألحان محمد سلطان الذي لحن لها أيضاً قصيدتي الفصحى"شمس القاهرة "، و"ياحبنا"وتصر فايزة أحمد أن ترسل رسالة إلى الشعب المصري في هذه الفترة وأن تذكره بالأمجاد وبالنيل واهب الحياة فتغني للشاعر "أحمد أبو السعود" قصيدة "قسماً بالنيل وبالثورة"، وفي ذات الفترة ونفس السياق غنت الكروان من كلمات الشاعر عبد الرحمن الأبنودي "صوت الرصاص" من ألحان محمد سلطان:

من بعد ماتاه في الفلا صوت الشهيد/ سمعت صوتك يافدائي من بعيد/ خلاني اتحرك واغني من جديد/ ليكم يافدائيين... قولوها قولوها، إوعوا تخبوها /النار اهي ولعت, وازاي يطفوها
في القدس في الجولان،غزة ورمال سينا/ صوت الرصاص ياولاد

وأغنية "صوت الرصاص" واحدة من ثلاث أغنيات وطنية كتبها الأبنودي لفايزة أحمد ولحنها محمد سلطان، الثانية "طلع النهار"، وأما الثالثة فكانت "حكاية السد".

كما غنت فايزة أغان وطنية أخرى من ألحان العديد من الملحنين من أمثال: فريد الأطرش وكلمات الشاعر عبد الجليل وهبه "أختك الحرة ثارت"، ومن ألحان محمود الشريف غنت "بره يامستعمر بره, كلمات "فتحي قورة, كما غنت من ألحان رؤوف ذهني" هليت وجيت". أما عبد العظيم محمد, والذي تغنت بنحو اثنين وعشرين لحناً له, فقد كان نصيب الأغنيات الوطنية منها خمس أغنيات, من بينها: "زي النهاردة" للشاعر عبد العزيز سلام الذي غنت له خمس أغنيات: "م الباب للشباك" ألحان محمد الموجي "إيه ياغريب" ألحان حسين جنيد، وهو اللحن الوحيد الذي وضعه لها، ثم ثلاث أغنيات من ألحان عبد العظيم محمد هي"اشتقت لك، "من سنين فاتت"، و"زي النهاردة" وهي الأغنية الوطنية الوحيدة التي كتبها لها...

وعندما عبرت القوات المسلحة قناة السويس ودمرت خط بارليف وغسلت عار الهزيمة يوم السادس من أكتوبر سنة 1973، بعد ست سنوات عجاف، هرعت فايزة ومعها كل أهل الغناء والموسيقى وكذلك الشعراء إلى الإذاعة للتعبير عن الفرح التي هلّ أخيراً، وتنفس الشعب المصري والشعوب العربية الصعداء، وغنت فايزة من تلحين سلطان وكلمات صالح جودت: 

ياصباح النصر يامصريين ياصباح النصر
رديتوا الظلم على الظالمين والنصر لمصر
ياصباح النصر ,النصر لمصر
الليل أهو فات, وف ست ساعات عديتوا البحر
خلّصتوا التار ومحيتوا العار وصنعتوا الفجر
ياصباح النصر ، النصر لمصر
الحق أهو بان ، على نور رمضان أبو ليلة القدر
والحق أهو عاد وكأنه ميعاد مع غزوة بدر
ياصباح النصر، النصر لمصر.

وكتب صالح جودت ستة نصوص شعرية غنتها فايزة ولحنه محمد سلطان، منها أغنية، و"حياتك يا مصر":

وحياتك ياغالية.. ياحبة عنيا, وحياتك يامصر
لتحنّى بتراب رجليكي.. واتغنى بحنان إياديكي
واتهنى بجمال لياليكي..وادعيلك لصلاة الفجر
وحياتك ياغالية.. ياحبة عنيا.. وحياتك يامصر
لَشعلّك م السعد كواكب, واعمل لك م الورد مواكب
تمشي بك من نصر لنصر
وحياتك ياغالية ياحبة عنيا وحياتك يامصر

  وقد عشقت فايزة القاهرة وعشقت نيلها الذي يشقها وعشقت تاريخها الذي نيف على ألف عام: وغنت أغنية "قاهرتي" من كلمات صالح جودت وألحان محمد سلطان:

أُحبـهُ وأعشـقُهُ أزهى بهِ للأبدِ
وخيرُ ما أشدو به أني أحبُ بلدي
***                
يا جنتي يا كوثري ياهبةَ النيلِ الثري
يا بهجةً نائمةً على بساطٍ أخضرِ
يا شعلةً دائمةً على طريقِ الأعصُرِ
حبيبتي قاهرتي لن تُغلبي لن تُقهري

   وغنت فايزة أغاني وطنية أخرى مثل "رفرف في العالي" كلمات مصطفى عبدالرحمن وألحان فؤاد حلمي، و"بلدي يا عقد الفل"، و"أقسم بالله والوطن"، و"وبعودة الأيام يا مصر".

وقد غنت فايزة أحمد العديد من الأوبريتات والصور مثل: أوبريت "مصر بلدنا" سنة 1979 من كلمات حسين السيد، وألحان محمد سلطان، كما غنت فايزة أوبريت "الله ع الشعب" كلمات مصطفى الضمراني، وألحان حلمي بكر، واشترك معها بالغناء العديد من المطربين الشبان وقتها وأخذت بأيديهما وكأنها تغني مع المطربين الكبار، وهؤلاء هم: محمد ثروت وعماد عبدالحليم، وإيمان الطوخي، وأحمد إبراهيم، وهيام هلال. وبعد حرب أكتوبر بدأت مبادرة السلام والتي انتهت بتوقيع معاهدة السلام، غنت فايزة "الله الله على المستقبل يا بلدنا يا مصر" من كلمات عبدالوهاب محمد وألحان جمال سلام...
-------------------------------------
بقلم: أبو الحسن الجمال 
* كاتب ومؤرخ مصري