26 - 09 - 2024

حرب غزة 2023.. الضفة الغربية جبهة منسية تشتعل

حرب غزة 2023.. الضفة الغربية جبهة منسية تشتعل

يقف وراء إصرار بنيامين نتنياهو وأركان حكومته على إبقاء الحرب مشتعلة في قطاع غزة، سبب آخر مسكوت عنه، يتصل بمخططات معسكر اليمين القومي والديني والمستوطنين لتصعيد الحرب في الضفة الغربية، سعياً لفرض حقائق جديدة على الأرض هناك، تمهد لخطتهم التالية. 

فمن ناحية، تحجب الحرب المستعرة في غزة، والتي توشك على دخول عامها الثاني، الحرب التي تدور في صمت منذ سنوات، في مدن وبلدات الضفة الغربية والتي تستهدف بشكل أساسي قرى ومخيمات اللاجئين الفلسطينيين هناك. لا ينفصل عن ذلك الهدف الحسابات الدقيقة التي تجريها إسرائيل لتصعيد المواجهة العسكرية مع حزب الله، فعلي الرغم من حديث وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف جالانت، وكبار القادة العسكريين، المتكرر عن تصعيد محتمل للحرب على الجبهة الشمالية، إلا أن إسرائيل تفضل الاقتصار على ضربات محدودة تستهدف قدرات حزب الله الصاروخية، وعمليات مخابراتية، الأمر الذي يرجح أن يكون الحديث عن التصعيد المحتمل محاولة أخرى للتشويش وصرف الأنظار بعيداً عن التصعيد الفعلي لعمليات الجيش في الضفة الغربية، والتي يرى كثير من المحللين أن من شأنها أن تؤدي إلى انهيار شامل للسلطة الفلسطينية وتقويض اتفاق أوسلو مما يمهد لإعادة احتلال الضفة الغربية، بشكل كامل وفرض تصور هذا المعسكر لحل الدولة الواحدة، والاتجاه نحو ضم الأراضي الفلسطينية المحتلة لإسرائيل.

إلى أي مدى يعكس التصعيد العسكري الإسرائيلي الراهن في الضفة الغربية تحولا في الرؤية الاستراتيجية الإسرائيلية للتعامل مع الضفة؟ 

بداية، تجدر الإشارة إلى أن التكتيكات العسكرية الجديدة في الضفة لا تعبر عن تصعيد عسكري وحسب، وإنما تشير إلى تحول في النمط والأسلوب، بالانتقال من الاعتماد على العمليات المخابراتية التي تركز على المراقبة السرية وعلى القوات الخاصة في عمليات ملاحقة مسلحي المقاومة الفلسطينية التي قد تستدعي أحياناً اجتياحا برياً، إلى تنفيذ عمليات أكثر فتكا، وشن غارات جوية بالمسيرات والطائرات الحربية لاستهداف المقاومين داخل المخيمات، ومهد لتلك العمليات قرار جالانت في يوليو الماضي إنهاء القيود على استخدام الطائرات الحربية والمسيرات في الضفة الغربية، وإصدار أوامر للقضاء على الكتائب الفلسطينية المسلحة هناك. واستند هذا التحول إلى تقديرات للمخابرات حذرت من توسع البنى التحتية المسلحة لفصائل المقاومة الفلسطينية، من أنه سيكون من الصعب السيطرة على تزايد العمليات التي ينفذها شبان فلسطينيون في الضفة دون توجيه من فصائل المقاومة، ردا على العدوان على غزة. وأشارت التقارير إلى أن الجيش تعامل مع أكثر من 1100 هجوم كبير في الضفة الغربية، تراوح ما بين إطلاق نار، وطعن، ودهس، أدّت إلى سقوط قتلى وجرحى إسرائيليين، ودعت إلى ضرورة توجيه ضربات استباقية لمنع الانزلاق إلى انتفاضة مسلحة ثالثة في الضفة.

نقل نموذج الحرب في غزة إلى الضفة

تحدث مسؤولون إسرائيليون كبار، من بينهم وزير الخارجية يسرائيل كاتس عن وجوب أن يكون "التعامل مع التهديد في الضفة" بالطريقة نفسها الجارية في غزة، ووصفه ما يجري في الضفة تحت عنوان "مخيمات الصيف"، بأنه"حرب بكل معنى الكلمة" وتحدث عن "إخلاء مؤقت" للسكان من بعض المناطق في الضفة الأمر الذي أثار مخاوف الفلسطينيين ومراقبين أجانب من أن لهذه العملية أهدافاً خفية تتعلق بمخططات لتهجير المدنيين الفلسطينيين. وتعكس تصريحات كاتس ما أعلنه مسؤولون عسكريون في وقت سابق بخصوص العمليات العسكرية في المدن الرئيسية في شمال الضفة الغربية، وسعيهم لكسب التأييد لها بزعمهم أن إيران تقوم بتسليح الفلسطينيين في الضفة الغربية من أجل فتح جبهة قتال ثانية ضد الفلسطينيين، والتي يرى الفلسطينيون أنها حجة واهية تستخدم كذريعة لشن حرب على الضفة الغربية لها أهداف بعيدة المدى ترتبط بمخططات إسرائيل المتعلقة بالضم وفرض السيادة الإسرائيلية على الأراضي المحتلة. 

وتقلل تقارير إعلامية إسرائيلية من هذا التخوف مشيرة إلى أن إسرائيل تتمتع بالفعل بسيطرة أكثر فاعلية في الضفة، فهي خاضعة للجيش لكنها في حاجة للتعامل مع بعض الخلايا التي تصفها بـ"الإرهابية" التي تخطط لشن هجمات معينة، وبالتالي فإن الخيار الوحيد كان هو ردع هذه الأعمال "الإرهابية"، وتؤكد أن إسرائيل لا ترغب في فتح ثلاث جبهات للقتال في وقت واحد. إلا أن هناك مخاوف فلسطينية تعززها تصريحات إسرائيلية في أن توسيع نطاق الحرب ليشمل الضفة له أهداف أوسع تتمثل في الرغبة في تقويض السلطة الفلسطينية وكسر هيبتها والقضاء عليها، استهداف مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في الضفة. ويرى البعض أن هذا التصعيد النوعي في الضفة يرتبط بهدف أشمل يتعلق بحسم الصراع ومسألة هوية الدولة بضم الضفة الغربية وتنفيذ مخطط التهجير لإقامة دولة يهودية نقية عرقياً، وأن هذا الهدف يتماشى مع معتقدات حكومة نتنياهو، وأن ملامحها وضعت في خطة أعلنت في 2022، أثناء تشكيل الحكومة الحالية، أطلق عليها خطة الحسم، وتطلق العنان للاستيطان اليهودي في الضفة الغربية باعتباره حقاً"للشعب اليهودي وغير قابل للتصرف".

ومن اللافت أن التصعيد الإسرائيلي في الضفة الغربية بدأ منذ السابع من أكتوبر، حيث ينفذ الجيش عمليات عسكرية يومية تقريباً في مختلف أنحاء الضفة، أشارت تقارير للأمم المتحدة في منتصف أغسطس إلى أنها أسفرت عن مقتل 128 فلسطينياً، من بينهم 26 طفلاً، في غارات جوية إسرائيلية، إضافة إلى مقتل أكثر من 600 فلسطيني في الضفة الغربية والقدس الشرقية، من بينهم 11 فلسطينياً قتلوا على يد مستوطنين إسرائيليين، خلال الفترة نفسها. وتشير تقارير إلى نزوح أكثر من خمسة آلاف فلسطيني من الضفة الغربية منذ أكتوبر الماضي نتيجة للعمليات العسكرية وما يصحبها من هدم للمنازل. وتركز الحملة العسكرية على مخيمات اللاجئين بشكل خاص لأن ارتفاع مستويات البطالة والفقر، خاصة بين الشباب يجعلها مورداً أساسياً للمقاتلين، إذا تشير تقارير إلى تحول المخيمات في جنين وطولكرم إلى قواعد للجماعات الفلسطينية المسلحة.

ويتجاهل مسؤولو الحكومة على ما يبدو الاختلاف الواضح بين وضع الضفة الغربية ووضع قطاع غزة، وعلى الرغم من محاولتهم ربط فصائل المقاومة في الضفة بحركة حماس إلا أن الوضع في الضفة أكثر تعقيداً، فمن ناحية يعيش في الضفة أكثر من 3.2 مليون فلسطيني يتركزون في مراكز سكانية كبيرة، في مناطق تُعد أراضي محتلة بموجب القانون الدولي، إن طبيعة الحدود بين الضفة الغربية والأردن مفتوحة، فضلا عن العمق البشري الفلسطيني في الأردن، والذي عزز لجوء إسرائيل لعدم حسم قرارها في بضم الضفة الغربية وفرض القانون الإسرائيلي عليها بشكل كامل، لصعوبة استيعاب الفلسطينيين في الدولة، والأرجح أن تواصل الحكومات الإسرائيلية المختلفة وبغض النظر عن عقيدتها السياسية القائمة على شن عمليات عسكرية بدعوى محاربة الإرهاب ودفع أعداد أكبر من الفلسطينيين هناك على النزوح أو تشجيعهم على ذلك وتوسيع المستوطنات على نحو يعمق عدم التواصل الجغرافي بين مناطق الضفة ويحول المدن والمراكز السكانية هناك إلى معازل للفلسطينيين. ومن المرجح كذلك أن يستمر تراجع إسرائيل عن فكرة حل الدولتين والمماطلة في الدخول في مفاوضات بزعم عدم وجود شريك فلسطيني في المفاوضات أو بادعاء أن الدولة الفلسطينية الناشئة ستكون قاعدة متقدمة للسياسات الإيرانية التي تستهدف القضاء على إسرائيل.

ويخدم التصعيد العسكري الراهن في الضفة الغربية عدة أهداف لإسرائيل التي تستغل فرصة التركيز على الحرب في غزة في لضمان ألا تتعرض لإدانات دولية بسبب التصعيد في الضفة، في ظل تركيز العالم على وقف الحرب في غزة ومنع التصعيد مع حزب الله، ومن شأن الحرب في الضفة أن تقلص إلى حد كبير أي فرص لاستئناف المفاوضات لتحقيق السلام على أساس حل الدولتين، وهذه الأهداف مباشرة وقابلة للتحقق في المدى المتوسط وتمهد الطريق للأهداف بعيدة المدى لإسرائيل.

الانقلاب اليميني والاتجاه نحو الضم

لكن هذا التحليل لا يجب أن يحول دون التركيز على التحولات في البيئة السياسية الإسرائيلية التي تدفع إلى تسريع الخطى نحو خيار ضم الضفة الغربية، وقد تكون أحد السيناريوهات المحتملة هو أن تشرع تلك الحكومة في عملية للضم المتدرج عبر عمليات إخلاء وتهجير تدرجي للفلسطينيين، إذ يُلاحظ أن إسرائيل تعتمد في تنفيذ خطتها على الإرهاب الممنهج الذي يمارسه المستوطنون المدعومون بسياسات وزير الأمن القومي، إيتمار بن جفير، الرامية إلى تسليحهم، وإدخال تعديلات على قوانين لتسهيل إجراءات حصولهم على رخص السلاح وتخفيف شروط حيازته، ومن مؤشرات تعاظم دور المستوطنين إقامة ما يسمى "فرق الطوارئ" أو "وحدات التأهب"، التي انتشرت على نطاق واسع بعد أن استدعى الجيش الإسرائيلي الاحتياطي للخدمة والالتحاق بالحرب على قطاع غزة. وأدى هذا التطور إلى تزايد الأعمال العنيفة ضد الفلسطينيين وإجبارهم على ترك أراضيهم، والاستيلاء على ما يصنف كأراضي الدولة. ويعكس قرار جالانت في 22 مايو الماضي بإلغاء "قانون فك الارتباط" بالكامل مع شمال الضفة استراتيجية الحكومة وإصرارها على زيادة التوسع الاستيطاني وتنفيذ برنامج للتهويد وفرض سياسة الأمر الواقع، بإعادة مستوطنات غير قانونية تم تفكيكها في عام 2005، بموجب قانون جرى تمريره مع قانون الانسحاب من غزة. 

ومن الأمور التي شجعت إسرائيل على المضي قدماً في هذا النهج نجاحها، في نهاية المطاف، في انتزاع موافقة أمريكية على إجراءاتها في الضفة الغربية التي تشمل تشديد الإجراءات الأمنية وتوسيع المستوطنات بالرغم من الإدانات الدولية، وهي السياسات الممنهجة التي اتبعتها الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، منذ اغتيال رئيس الوزراء العمالي، إسحق رابين، في الرابع من نوفمبر 1995،على يد متطرف يهودي، وصفه بالخائن للشعب اليهودي، لأنه تنازل عن أرض يهودية، بموجب اتفاقية أوسلو 1993، التي تستهدف تفكيك ما ترتب على اتفاقية أوسلو من نتائج وتقويض أي إمكانية لتنفيذ حل الدولتين، والعمل على إعادة فرض السيطرة الإسرائيلية تدريجياً على الضفة الغربية تمهيداً لضمها. ولم يكن إيجال عمير الذي اغتال رابين، يعبر عن رأي المتدينين اليهود فقط، وإنما كان يعبر أيضاً عن الرأي السائد في أوساط اليمين الصهيوني، بما في ذلك أقطاب في حزب الليكود، من بينهم نتنياهو، الذي أكد معارضته سياسات رابين، انطلاقا من دفاعه عن مبادئ إسرائيل والشعب الإسرائيلي، رغم نفيه التحريض على اغتياله. وتتفق أحزاب اليمين على أن رابين تجاوز أحد الخطوط الحمر الرئيسية بتوقيعه اتفاقية أوسلو.

لقد كان اغتيال رابين إيذانا بانقلاب يميني في السياسة الإسرائيلية، ولم تكن الحكومة الحالية سوى حلقته الأحدث. وارتبط هذا الانقلاب بتركيز المتطرفين اليهود والمستوطنين على تغيير المسار الذي استهلته اتفاقية أوسلو، عبر خطوات ممنهجة ومحسوبة، إذ سبق اغتيال رابين مذبحة الحرم الإبراهيمي التي نفذها متطرف يهودي آخر، هو باروخ جولدشتاين، ضد مصلين مسلمين في المسجد الإبراهيمي في مدينة الخليل بالضفة الغربية عند صلاة فجر يوم الجمعة 25 فبراير 1994، الموافق يوم 15 رمضان، بتواطؤ عدد من المستوطنين والجيش. وأدى الحادث إلى تغيير العلاقة بين قوات الأمن الفلسطينية، وبين القوات الإسرائيلية، وأدى إلى ترتيبات جديدة في مدينة الخليل، بسبب جيب صغير لمستوطنين يهود متدينين، في انتهاك لما نصت عليه اتفاقية أوسلو التي بموجبها تندرج مدينة الخليل في المنطقة (أ)، الخاضعة بشكل كامل للسلطة الفلسطينية.على الرغم من محدودية المكاسب التي حصل عليها الفلسطينيون بموجب اتفاقية أوسلو، إلا أنها كانت تثير قلق اليمين الصهيوني، التي رأى أنها تعطل خططه لفرض الحكم اليهودي على كامل أرض فلسطين، لاسيما الضفة الغربية التي يطلقون عليها اسم "يهودا والسامرة".

وكان الصعود الأول لبنيامين نتنياهو لزعامة الليكود ولرئاسة حكومة إسرائيل في أول انتخابات عامة بعد اغتيال رابين، إيذانا بتراجع معسكر اليسار بزعامة حزب العمل، وإطلاق يد الجماعات اليمينية وجماعات المستوطنين في الضفة الغربية والقدس والتوسع في المستوطنات الرسمية والنقاط الاستيطانية غير القانونية المتقدمة في عمق المناطق الفلسطينية في المنطقة (أ)، والتي كانت مثار جدل بسبب الانتقادات الدولية، والأمريكية بشكل خاص، وانتقادات بعض المنظمات الحقوقية الإسرائيلية لسياسة الاستيطان، وتجاوزات المستوطنين. وكان الالتزام باتفاقيات أوسلو أكبر عقبة أمام المستوطنين اليهود وأمام توسيع المستوطنات في الضفة الغربية المدعوم من الحكومات المتعاقبة ومن الجيش الذي يوفر الحماية لاعتداءات المستوطنين على القرى والممتلكات الفلسطينية. ويفرض حصاراً على مدن وبلدات الضفة الغربية عبر سياسة الإغلاق لدواع أمنية، إضافة إلى عمليات الاقتحام المتكررة لتنفيذ حملات اعتقال أو هدم.

وكان انهيار مفاوضات كامب ديفيد الثانية من أجل التوصل لاتفاق نهائي تنفيذاً لما تم التوصل إليه في اتفاق أوسلو المرحلي، في عهد حكومة العمل بزعامة إيهود باراك، إيذاناً بمرحلة جديدة في سياسات أحزاب اليمين بزعامة حزب الليكود وزعيمه أرئيل شارون الذي غيَّر البيئة السياسية في إسرائيل بزيارته الاستفزازية لساحة المسجد الأقصى. في في 28 سبتمبر 2000، فبعد فشل مفاوضات كامب ديفيد بأيام، قام شارون وأعضاء من حزب الليكود، بزيارة المسجد الأقصى وتجول في ساحاته في حراسة 1000 حارس مسلح، وإعلانه أن "الحرم القدسي سيبقى منطقة إسرائيلية"، مما أثار استفزاز المصلين الفلسطينيين وأدى إلى انطلاق مظاهرة احتجاج فلسطينية كبيرة كانت مقدمة لاندلاع انتفاضة الأقصى وما تبعها من مواجهات مع الفلسطينيين في القدس وفي الضفة الغربية وغزة تصاعدت مع وصول شارون والليكود إلى السلطة في انتخابات في فبراير عام 2001، وتصعيد المواجهة مع الفلسطينيين وصولاً إلى فرض حصار على مقر السلطة الفلسطينية في المقاطعة في رام الله في مارس عام 2002، وإعادة احتلال الضفة الغربية.

لم تؤذن نتائج انتخابات 2001، بتحولات في معسكر اليسار وحزب العمل وحسب، وإنما كانت بداية أيضاً لمحاولات لإعادة ترتيب الصفوف في معسكر اليمين ويمين الوسط، في مواجهة تيار يميني يهودي أصولي متطرف، اعتبرته أحزاب اليمين التقليدية خطراُ على مستقبل إسرائيل. وكان قرار حظر حركة كاخ اليمينية المتطرفة، في عام 1994، بداية للصدام بين التيار الرئيسي في السياسة الإسرائيلية وبين الحركات اليهودية الدينية المتطرفة، والتي برزت على الساحة الإسرائيلية والأمريكية في مطلع السبعينات، والتي كانت تستلهم نموذج العصابات الصهيونية قبل حرب عام 1948، وتزايد نفوذ هذه الحركات مع الانقلاب الذي أحدثه انتخاب الليكود بزعامة مناحيم بيجين في عام 1977، والذي أبدى تسامحاً مع الأفكار والدعاوى العنصرية لهذه الحركات، لاسيما دعوتها لطرد الفلسطينيين من الأراضي المحتلة وإيمانها بأفضلية اليهود على غيرهم. يذكر أن بن جفير، من أبرز أعضاء حركة كاخ المحظورة وانضم للحركة في حين كان عمره 16 عاماً، ويعد من أشد المعارضين لأي صفقة تنهي الحرب في غزة ومحرض أساسي على تصعيد الحرب في الضفة الغربية وأبرز المناصرين للمستوطنين والأحزاب الدينية المتطرفة، ويعارض بشكل واضح وعلني التعايش اليهودي العربي في إسرائيل.

لم تكن خطة شارون الأحادية الجانب، للانسحاب من غزة من جانب واحد ودون اتفاق مع السلطة الفلسطينية أو أي حكومة عربية، في مواجهة التصعيد العسكري من قبل المقاومة الفلسطينية، وفرض حصار على القطاع سوى حلقة من حلقات انقلاب معسكر اليمين على اتفاقية أوسلو والسعي لتفكيكها، والتركيز في الوقت نفسه على إعادة احتلال ممنهجة للضفة الغربية، لاسيما المناطق المحيطة بالقدس في المنطقة المصنفة (ج) بموجب اتفاقيات أوسلو. وكانت الخطة في الضفة الغربية تعبر عن تناقض السياسة الإسرائيلية، التي ظلت عاجزة لعقود عن اتخاذ قرار ضم الضفة الغربية، والتركيز بدلاً من ذلك على فصل الضفة الغربية وعزلها وضمها تدريجيا عبر سياسة ممنهجة للاستيطان والضم بدأت بكتلة المستوطنات المحيطة بالقدس، كجزء من خطط إحكام السيطرة الإسرائيلية على القدس التي أعلنت عاصمة لإسرائيل، في خطوة لم يعترف بها دولياً. وتحدثت تقارير في ذلك الوقت عن نقل مستوطنين من غزة، وإعادة توطينهم في القسم الشمالي من الضفة الغربية، والتي كانت مقدمة لإعادة اصطفاف في معسكر اليمين، نظرا للانقسامات التي أحدثها الانسحاب الأحادي، رغم الاتفاق على أن الهدف الرئيسي للخطة هو "تجميد عملية السلام" والمناقشات حول بنود الحل النهائي التي ترتكز فكرة حل الدولتين، وهي اللاجئين والحدود ووضع القدس، ومنع إقامة دولة فلسطينية.

إن اندفاع معسكر اليمين الديني والمستوطنين لتسريع الخطى لتحقيق أهدافهم في البلدة القديمة في القدس والمسجد الأقصى وفرض السيطرة الكاملة على الضفة الغربية نظراً لأهميتها السياسية والدينية بالنسبة لهم قد تعمق من الأزمة التي تواجهها إسرائيل سياسيا وإقليمياً، فقد تؤدي هذه السياسات إلى تعميق المأزق الأمني الذي تواجهه، وقد تكون مقدمة لاشتعال انتفاضة ثالثة، في الضفة قد تدفع إسرائيل إلى ما يشبه الحرب الأهلية، علاوة على أنها ستعمق صورة إسرائيل على المستوى الدولي كدولة فصل عنصري، الأمر الذي يزيد من الانتقادات والقرارات الدولية التي تمهد لعزلها دولياً، في خطوة قد تمهد الطريق إلى حل الدولة الواحدة الديمقراطية، ليس على الطريقة التي يريدها معسكر اليمين اليهودي، وإنما على غرار الحل التاريخي الذي أنهى نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا.
-------------------------------
بقلم: أشرف راضي

مقالات اخرى للكاتب

حرب غزة 2023.. الضفة الغربية جبهة منسية تشتعل