26 - 12 - 2024

عام دراسي جديد .. لماذا نتعلم؟!

عام دراسي جديد .. لماذا نتعلم؟!

دائما كنا نكتب ونقرأ في العديد والعديد من المؤلفات عبارة لم الفلسفة، ولماذا ندرسها، وما الفائدة المرجوة من دراستها؟.

لكن في هذا المقال سيكون الأمر مختلفا بعض الشئ!! فسؤالي هو لماذا العلم، لماذا نتعلم، ولماذا حثنا الله تعالي وسائر الأنبياء علي العلم، وكذلك السلف الصالح رضوان الله تعالى عنهم، منهم من قال مع القلم والمحبرة إلي المقبرة.

العلم بكافة أنواعه، سواء العلوم الدنيوية، أو العلوم الشرعية.

ليس هذا وحسب بل العلم بمعناه الواسع، والذي يتمثل في كل ما يستطيع الإنسان معرفته وتحصيله، ويكون ذلك بمثابة خبرات حياتية يمارس بها نشاطاته في تعاملاته مع بني جلدته.

أو بمعناه الضيق المتخصص كأن يتخصص الإنسان في العلوم النظرية فيدرس الفلسفة وعلم النفس وعلم الاجتماع والتاريخ، وغيرها.

أو يبرع في تعلم العلوم العملية كالطب والهندسة والموسيقي وفنون العمارة والزخارف وخلافها.

أو أن يتميز في دراسة العلوم الشرعية كأن يبرع في دراسة القرآن الكريم وعلومه وعلم القراءات، أو علوم الحديث وعلوم الفقه وأصوله، وهذا ما انتهجته مؤسسة الأزهر جامعا وجامعة ، الجمع بين كل هذه العلوم الدنيوية والشرعية، فبالإضافة الي الكليات التي تدرس علوم الدين ككلية الدعوة وكلية الدراسات الإسلامية، هناك كليات الترجمة والتي استفدنا منها أيما استفادة فتم إنشاء مركز الترجمة بجامعة الأزهر الذي يتولي ترجمة التراث الفكري إلى معظم لغات العالم، فضلا عن ترجمة كتب الفقه والحديث، وترجمة معاني القرآن الكريم .

وهناك كليات تدرس الطب والهندسة والعمارة.

فتعريف العلم لم يصبح مقصورا علي العلوم التجريبية أو الفيزيائية التي تقوم علي التجربة والتي تعتمد في استخلاص نتائجها وصياغتها علي الرياضيات كما ذهب إلي ذلك الدكتور يحيي هويدي، في كتابه، مقدمة في الفلسفة العامة، صفحة47،48.

هل علمتم أن أمة تقدمت وانطلقت إلي الأمام وأسست دعائمها علي الجهل والتخلف والرجعية.

لا يمكن بحال من الأحوال أن يكون هناك نماء وتنمية وبناء ونحن نعيش في ظلمات الجهالة، فإن ذلك يقودنا إلى العود القهقري إلى الخلف ولن نواكب الركب الحضاري والتقدم التقني الحديث والتحول الي الرقمنة، لغة العصر، لايمكن بحال من الأحوال أن نتقدم ونحن نعتمد علي غيرنا ليفكر لنا ولينتج لنا، فالذي أنتج الريبوتات ووسائل التقنية الحديثة هو الإنسان لأنه أبدع واعمل عقله وتعلم، وعقله مثل عقلك تماما، فالعقل أعدل الأشياء قسمة بين الناس مثلما قال رينيه ديكارت، لكن الفارق هو الذكاء وكيفية توظيف هذا العقل، وهذا سبب رئيس في نهضة الغرب وتقدمه في كافة المجالات وكافة العلوم الحديثة، وظفوا عقولهم توظيفا صحيحا مدعومين بتوفير الإمكانيات اللازمة لذلك، لأنهم علموا قيمة العلم وأنه به ترقي الأمم وترتقي.

أما نحن، فقد وظفنا عقولنا توظيفا خاطئا سعينا خلف مآربنا الشخصية من مأكل ومشرب وملبس وجنس، وتركنا الأساس، المهم العلم وضربنا به عرض الحائط بسلبية غريبة متمثلين هذه العبارة التعيسة، ولماذا نتعلم؟!!!

يا أخي نتعلم حتى علي الأقل لننمي ذواتنا الفكرية، يا سيدي الفاضل نتعلم لنعلم ويتعلم منا الآخرون، ألم تصلنا علوم السابقين، ألم يكن الرازي الطبيب عالما، ألم يكن جابر بن حيان عالما، ألم يكن المقدسي عالما، ألم يكن الزهراوي الأندلسي عالما طبيبا بارعا، ألم يكن ابن سينا عالما جامعا لجوامع العلوم وقس علي ذلك كل العلماء والفلاسفة والأدباء كل في مجاله، هل قال هؤلاء لماذا نتعلم، لا والله، والنتيجة ازدانت الحضارة العربية والإسلامية بهم وعلومهم ملئت الأرض وفكرهم ظل وسيظل ينهل منه الجميع.

هذا منهجي لا أطلق الأحكام علي عواهنها، ولا أعمم، وإنما أقول ليس الجميع بهذه السلبية، فهناك من يسعي سعيا حثيثا للتعلم والإبداع بأقل الإمكانيات، فهناك من يعمل عملا شاقا ليقتات منه ولينفق منه علي البحث العلمي، وهناك من يبيع ممتلكات له للسفر في إرساليات علمية ليستزيد علما، حبا للعلم والمعرفة والدراسة، وهناك من يضع نصب عينيه أن العلم وطلبه والسعي إليه فرض عين عليه ويؤمن بمقولة كلما ازددنا علما ازددنا جهلا، ومن ثم يسعي للاستزادة والتحصيل.

يا أهل بلدي الحبيب، يا كل العرب إن نهضتنا الشاملة المستدامة لن تتحقق إلا بالعلم المصحوب بالإيمان، المصاحب بالخلق القويم، أخلاقيات البحث العلمي.

يا سادة بالعلم تبني الأمم وتقوم وتنهض وتزدهر وتواكب ركب المدنية الحديثة لا بالتقليد الأعمي وإنما ببناء شخصية جادة تدرك قيمة العلم، وتعي دعوة الله للعلم، إنما يخشي الله من عباده العلماء، وتعي تكريم الله تعالي للعلماء، يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات. نرفع درجات من نشاء وفوق كل ذي علم عليم.

والنبي الذين أمرنا بالعلم، اطلبوا العلم ولو في الصين، اطلبوا العلم من المهد إلي اللحد، العلماء ورثة الأنبياء.

حثوا أنفسكم علي العلم النافع، علموا أولادكم واهتموا بتربيتهم علميا وأخلاقيا، علموهم العلوم الحكمية والنظرية والشرعية.

هذا هو الميراث الحقيقي الذي ينبغي أن يورث، فالمال يفني والشهرة تزول والجاه والسلطان والمناصب إلي زوال، أما العلم فهو الذي يبقي وينفع الناس، فأما الزبد فيذهب جفاء، وأما ما يتفع الناس فيمكث في الأرض.

ولا تقنطوا ولا تيأسوا ولا تقولوا العلم لا يسمن ولا يغني من جوع، العلماء فقراء لا يجدون ما يقتاتون به، وفلان لاعب الكرة، وفلان الممثل، وفلان كذا وكذا يأخذون ملايين الجنيهات.

لا وألف لا، كل ذلك إلي زوال ورب محمد صلي الله عليه وسلم، كل ذلك سيندثر مع مرور الزمن وسيصبح ذكري بئيسة، أما أنتم أهل العلم فستخلد أسماؤكم وستكتب بحروف من نور، لأنك علماء ملئتم الأرض بعلومكم وبما قدمتموه للإنسانية من علم أنار الكون.

ألم يكفكم تكريم الله لكم، ألم يكفكم مؤلفاتكم التي مهما مر عليها الوقت ستمتد إليها أيادي تلاميذكم لينهلوا منها، مثلما نمد أيدينا إلي مؤلفات أسلافنا ونأخذ العلم عنهم ونترحم عليهم وندعو الله لهم بالمغفرة لما قدموه لنا من علم نافع .

هل علمتم ياسيداتي وسادتي وأهل محبتي لم العلم.

لا تقرأوا مقالي هذا وتتركوه هملا، ولكن حللوه جيدا وزنوه بميزان العقل، واستفتوا قلوبكم عليه.
----------------------------------------
بقلم: د. عادل القليعي
أستاذ ورئيس قسم الفلسفة بآداب حلوان.

مقالات اخرى للكاتب

أيديولوجيا فن كتابة المقال (وصايا عشرة)