08 - 10 - 2024

الباحث والكاتب "ريكارد جوزاليس" يتحدث عن أكبر إضراب عام ومظاهرة في كاتالونيا: برشلونة مع فلسطين ورياح 7 أكتوبر

الباحث والكاتب

خرجت في برشلونة عاصمة إقليم "كتالونيا" بإسبانيا، قبل أيام من حلول الذكرى السنوية الأولى "لطوفان الأقصى"، مظاهرة تضامن غير مسبوقة مع فلسطين ولبنان. وهذا على خلاف ما لحق بشهرة "ميسي" نجم فريق نادي "برشلونة" لكرة القدم في ذروة تألقه وشعبيته، وحتى بين جمهور كرة القدم بالعالم العربي، كونه مؤيدا لإسرائيل واعتاد زيارتها وامتداحها. 

على عكس كل هذا، والذي لم يمنع انقساما دام لعقود بين جمهور الكرة من المحيط للخليج بين ميسي / برشلونة ورونالدو / ريال مدريد، حضرت برشلونة يوم 27 سبتمبر 2024 بعشرات الألوف في أكبر ميادينها بعد تنفيذ إضراب عام بمختلف مستويات مدارسها وبجامعاتها، وكأنها موحدة إلا قليلا إلى جانب فلسطين ومعاناة شعبها ونضاله من أجل الحرية والاستقلال والحياة.

بمرور العام الأول على  هجوم طوفان الأقصى وشن إسرائيل حرب  الإبادة على غزة تختلف التقديرات حول السؤال :

 ـ إلى أي مدى أسهم الهجوم المقاوم المسلح غير المسبوق في تاريخ القضية الفلسطينية والصراع العربي الصهيوني، ومنذ 1948 على الأقل، في  تغيير الرأي العام عالميا إزاء أطراف الصراع وسردياته، وفي إدراك حقائقها التاريخية ولليوم، وبخاصة في الغرب الأوروبي الذي بدأت منه حكاية الصهيونية، وعقدة اضطهاد اليهود،  والترويج صهيونيا لحق مزعوم في إقامة دولة يهودية ولليهود على أساس الدين والأساطير الدينية القومية الاستعمارية على أرض فلسطين وعلى حساب شعبها ومعه حريات وحقوق وأمن شعوب المنطقة.

  صباح  27 سبتمبر 2024، شهد إقليم كتالونيا ، الذي يشتهر بعاصمته برشلونة وفريق كرة القدم العالمي، إضرابا عاما للتضامن مع الشعب الفلسطيني وللمطالبة بوقف حرب الإبادة على غزة انطلق من المدارس والجامعات. وتوج هذا اليوم غير المسبوق في علاقة كتالونيا بالصراعبعد سلسلة مظاهرات بمدن عديدة، مظاهرة كبرى في برشلونة، قدرها بعدها "ريكارد جوانزليس" البروفسير والكاتب  المتخصص في شئون الشرق الأوسط ومراسل "الباييس" السابق في تونس ومصر بالأكبر،  وقال أنها ضمت نحو 50 ألفا.

 في هذا الحوار، محاولة لرسم الخطوط العامة لتأثير طوفان الأقصى وتداعياته على المسرح العالمي، من بوابة "برشلونة"، مع محاولة لمعرفة وفهم تفاعل أهل كتالونيا تاريخيا ولليوم مع قضية فلسطين.

مظاهرة 27 سبتمبر 

 *كيف تقدر عدد المشاركين في المظاهرة الأخيرة ببرشلونة ؟ 

ـ أنا متاكد أنها الأكبر منذ 7 أكتوبر 2023 ، والصحافة هنا تناقلت أرقاما للمشاركين بين 40 و50 ألفا. وربما هي أكبر مظاهرة على الإطلاق تعرفها كتالونيا من أجل القضية الفلسطينية. 

وحقيقة هذا التصور عندي لأنني أعرف وكنت شاهدا على مثل هذه المظاهرات على مدى ثلاثة عقود من تاريخ الصراع، و لا أعرف عما قبل وبشأن ما جرى في شوارع وميادين كتالونيا إزاء صراع ممتد منذ مايزيد على السبعين سنة.

 ولكنني أرى أن  يوم 27 سبتمبر 2024 هو الأكبر هنا، ولأن التطوارت الأخيرة في فلسطين والشرق الأوسط هي الأخطر منذ عقود.

* ومن هم الذين شاركوا في مظاهرة 27 سبتمبر ؟

ـ كان بها ممثلون ومنظمون من نقابات عمالية وطلابية وأحزاب يسارية، فضلا عن منظمات تمثل الجالية الفلسطينية في كتالونيا. وفي الإقليم الآن أعداد كبيرة من المهاجرين جاءوا من مختلف البلدان العربية مقارنة بما كان منذ نحو 30 سنة، وبينهم عمال، وأيضا مهنيون محترفون من ذوي الخبرات والكفاءات يعملون في صناعات متقدمة وشركات كبرى ، وهم دوما يشاركون في مثل هذه الفعاليات.

* ما الذي يختلف في مظاهرة 27 سبتمبر الكبرى ببرشلونة هذه المرة عن سابقاتها هنا؟

ـ هذه المرة ارتفعت أعلام لبنان إلى جانب أعلام فلسطين، وهذا نظرا لأحداث الأيام الأخيرة ( في إشارة من ريكارد إلى مجزرة تفجير آلاف أجهزة النداء الآلى البيجر ثم اللاسلكي. و كلماته هنا جاءت قبل ساعات من الهجوم الأعنف على مقر حزب الله بالضاحية الجنوبية يوم المظاهرة الجمعة)

نقطة تحول بعد طوفان الأقصى

*ما الجديد في علاقة الناس بكتالونيا بعد طوفان الأقصى، ومتى ظهر التعبير جماعيا وفي الفضاءات العامة عن هذا الجديد؟

ـ أنا أعتقد أن هذا الجديد ظهر بعد نحو شهرين أو ثلاثة من طوفان الأقصى. وهذا عندما أدرك الناس هنا بأن رد الفعل الإسرائيلي على هجوم طوفان الأقصى غير متناسب في قوته، وأنها ذهبت بعيدا و بقوة وعنف غير مقبولين. 

وفي الوقت الذي أصبحت إسرائيل تحت طائلة الاتهام بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية على صعيد عالمي، وهنا وعلى نحو خاص، أصبح الرأي العام في كتالونيا أكثر وعيا بما يجرى. وبالتالي أكثر تضامنا وتعبيرا عن التضامن مع فلسطين.

وهكذا كانت أول المظاهرات الكبيرة مع فلسطين في برشلونة بعد نحو شهرين أو ثلاثة أشهر من طوفان الأقصى، وبعدما اتضح أن إسرائيل تريد تدمير كل غزة، وليس معاقبة "حماس" وحدها كما تقول أو تدعى. و بعدما اتضح كذلك أن القوات الإسرائيلية لاتفرق بين المقاتلين والمدنيين. وهكذا عرف الكتالونيين أن إسرائيل دولة إجرامية. 

*وكيف تطور الوعي هنا إزاء الدعم الأمريكي لإسرائيل؟

ـ هناك غضب أيضا تجاه أمريكا لأنها تسمح بالإبادة الجماعية واستمرارها. هذا الغضب من قبل كان محدودا. ولكن عندما اخذت جنوب إفريقيا المبادرة في رفع الدعوى القضائية ضد الإبادة أمام محكمة العدل الدولية حدث تحول في اتجاه المزيد من الغضب ضد واشنطن. 

عودة لسنوات الخمسينيات ولثلاثة عقود

*ما الفارق الذي تراه بين الأجيال القديمة والجديدة هنا بشأن الموقف والوعي إزاء القضية الفلسطينية، وبخاصة أن كتالونيا نفسها إقليم يسعى لتقرير المصير، وواجه عقبات ومعارضة من إسبانيا؟

ـ في بلدان كثيرة خلال الخمسينينات والستينيات، وبخاصة في الغرب، كان الرأي العام في الأغلب ينظر إلى إسرائيل كبلد صغير محاط بدول أكبر منه تصارعه وتحاربه: مصر  و العراق وسورية. كان الاعتقاد بأن إسرائيل بلد صغير محاصر من أعدائه.

وإلى تلك السنوات ، اعتبر الشباب في كتالونيا أن هناك تشابها بين وطنهم الكتالوني وبين إسرائيل، ولأن كتالونيا صغيرة أيضا وتكافح ضد إسبانيا، وكذا فرنسا وحيث كان هناك جزء صغير من الإقليم محتل بجنودها. وهذه دول كبرى يناضل ضدها أهل البلد هنا من أجل الاستقلال. 

لكن ما حدث بمضي الوقت اكتشف الكتالونيين وأدركوا وتكون لديهم الوعي بأن إسرائيل عندها الدعم الأمريكي، وهي الدولة الأقوى في الشرق الأوسط. 

 وأظن أن حرب 1967 كانت نقطة التحول، لأنها أوضحت قوة التحالف بين أمريكا وإسرائيل. وقبلها لم يكن هذا واضحا لدى الناس هنا، وبهذا الشكل والوضوح. 

فعلا قبل 67 لم يكن يدرك الكتالونيين أن إسرائيل هي صاحبة الهيمنة في المنطقة. وبالطبع بعد هذه الحرب ومع عقد السبعينيات تغير هذا الرأي. 

ثم جاءت نقطة تحول أخرى لاتقل أهمية في إعادة صياغة الرأي العام في كتالونيا، وهو الانتفاضة الفلسطينية الأولى التي اندلعت في ديسمبر 1987. واعتبارا من الثمانينات والتسعينيات رأى الشباب الكتالوني، وأنا كنت بينهم مازلت شابا صغيرا، أن الشعب المحروم  من حق تقرير المصير في الشرق الأوسط هو الشعب الفلسطيني. وتماما مثل حالنا في كتالونيا ، وليس إسرائيل التي لها دولة منذ 1948.

هنا وفي هذه السنوات تآكل، ثم سقط ما كان سابقا من تعاطف مع الإسرائيليين، وبزعم أنهم يطالبون بحق تقرير المصير مثلنا في كتالونيا.

و في هذا التوقيت وبفضل تفاعلات الانتفاضة الفلسطينية وتأثيراتها على المسرح العالمي تخلصنا من هذا الربط السابق بين كفاحنا من أجل تقرير المصير والاستقلال عن مدريد وبين كفاح الصهيونية كي يقرر اليهود مصيرهم وبإقامة دولة على أرض فلسطين والحفاظ عليها.

تنظيمات قادت تغيير الوعي

*دعنا ننتقل لنحدد أكثر هل كانت هناك تنظيمات بكتالونيا على الأرض وتعمل بين الناس قادت وأسهمت في تغيير هذا الوعي ؟ وما هي أبرزها؟

ـ ظهرت آنذاك حركات متعاطفة مع فلسطين من اليسار الكتالوني وبين شباب الجامعات. ومثلا كان للحزب الشيوعي الكتالوني (الباسوك)، والذي تحول لاحقا إلى اسم "الحزب الإشتراكي الموحد لكتالونيا" إسهام في هذا التحول نحو التضامن مع الشعب الفلسطيني وقضيته.

وأهمية هذا الحزب تتمثل في دوره التاريخي المهم خلال الحرب الأهلية بإسبانيا خلال عقد الثلاثينيات من القرن العشرين ضد "الملكيين" والجنرال "فرانكو". وهذا الحزب ربح أول انتخابات عامة أجريت في كتالونيا خلال عقد الثمانينيات، بعد وفاة الدكتاتور "فرانكو" عام 1975.

كما يجب الانتباه إلى أن حزب "الباسوك" الكتالوني من بين الأحزاب والحركات والتيارات الفكرية والسياسية بالقارة الأوروبية التي انتقدت مبكرا التجربة السوفيتية في الاشتراكية بروسيا وجوارها والقارة الأوروبية. وتطور الحزب سريعا لينضم إلى تيار الشيوعية الأوروبية. وكانت عنده علاقات تاريخية مع الحزب الشيوعي الإيطالي أبرز علامات الشيوعية الأوروبية في السبعينيات، وبالأصل هناك علاقات تاريخية مميزة بين إيطاليا وكتالونيا.و كان حزبا شيوعيا تقليديا أو كلاسيكيا، وتحول مع الثمانينيات بوضوح ليصبح حزبا اشتراكيا ديمقراطيا. والحزب منذ وقت مبكر وعبر هذه المسيرة من التحولات كان دائما مع فلسطين.

وعندما نبحث في التضامن مع فلسطين بكتالونيا يجب أن نشير  أيضا إلى أحزاب صغيرة، توصف بالانفصالية و مارست الكفاح المسلح من أجل استقلال كتالونيا.

وأنا هنا أذكر على نحو خاص "ترا ليورا " ومعنى الاسم "الأرض الحرة". وهذا التنظيم المسلح لم يقتل أشخاصا لكنه قام بعمليات توصف "بالتخريب" لنحو 15 سنة اعتبارا من 1977. 

ولا أعرف هل كان له علاقات مع منظمة التحرير الفلسطينية أثناء اعتماده الكفاح المسلح، ولا أظن بوجود تنسيق عسكري مع فصائل المنظمة. وهذا على خلاف ماهو معروف عن حركة "الباسك" وعلاقتها القوية مع منظمة التحرير في تلك الفترة.

وإجمالا يمكنني القول بأن مجموعات الكفاح المسلح بكتالونيا من اجل الاستقلال كانت صغيرة، لكن اليسار الكتالوني المطالب بالانفصال عن إسبانيا بعضوية أكبر لأحزابه وشعبية تنظيماته هم تاريخيا كانوا القوة السياسية الأكبر في المطالبة بحرية فلسطين. 

مع فلسطين في سياق التسعينيات وأوسلو

* لنتقدم إلى الوعي والتعبير في كتالونيا عن التضامن مع فلسطين وشعبها وقضيتها خلال عقد التسعينيات.. فماذا تلاحظ وتقول؟

ـ في هذا العقد جاء متغير جديد إلى كتالونيا، وأقصد تزايد أعداد الفلسطينيين والسوريين و اللبنانيين. وما أعلم أن أطباء جاءوا إلينا من المشرق العربي بمنحة من الحكومة الإسبانية. وربما لم تكن أعدادهم كبيرة بعد، لكن أنت تعلم ما للطييب من أهمية اجتماعية لاتصاله مع أعداد كبيرة من الناس. 

وفي النصف الثاني من التسعينيات، تدفقت على كتالونيا أعداد ملحوظة من مهاجري المغرب، بل وكل دول البحر المتوسط. والواقع أنه 1996 بدأ استقبال إسبانيا للمهاجرين بكثافة بعدما كانت هي التي ترسل مهاجريها إلى أوروبا.

والآن عندنا نحو نصف مليون مسلم تقريبا كلهم من العرب، وبينهم نسبة لابأس بها من الفلسطينيين.

*كم يقدر عدد الفلسطينيين في كتالونيا اليوم ؟

ـ ربما 1500 فلسطيني، والآن فإن الأغلبية بين المسلمين والعرب في كتالونيا هم من المغرب. 

وبشكل عام أرى أن الجالية العربية وبخاصة من فلسطين لها دور مهم في المظاهرات الجارية الآن من أجل  الحرية والاستقلال ووقف حرب الإبادة على غزة وضد إسرائيل. 

* وهل هناك متغيرات تسبب فيها توالي أجيال المهاجرين العرب بكتالونيا؟

ـ في عام 2000 جاء مغاربة للاستقرار في كتالونيا، والآن أصبح لهم ابناء مولودون فوق أرضها، ويدرسون في جامعاتها. وهؤلاء لهم دور فعال مؤثر في المظاهرات ضد حرب الإبادة ضد غزة منذ أكتوبر 2023.

في هذا السياق، يمكنك سماع شعارات باللغة العربية في هذه المظاهرات من قبيل :"بالروح بالدم نفديك يافلسطين"، وهو ما أصبح شعارا يألف الكثير من الكتالونيين سماعه اليوم.  وهذا لم يكن موجودا في التسعينيات. 

ظل الجنرال فرانكو

*إذا عدنا إلى التاريخ ، وإلى ماهو أبعد، كيف تقيم كباحث في العلوم السياسية ومتابع لتاريخ إسبانيا وكتالونيا موقف الجنرال فرانكو وحكمه المديد من ثلاثينيات القرن العشرين إلى 1975 تجاه القضية الفلسطينية، ومع ملاحظة ان الحكومة الأسبانية اليوم تتخذ مواقف متقدمة في سياق حرب الإبادة على غزة مقارنة بغيرها من حكومات أوروبية؟ 

ـ كان "فرانكو" فاشيا ودكتاتورا، وفي تحالف مع "هتلر" و"موسوليني" خلال الحرب العالمية الثانية. وبعد هذه الحرب اعتمدت أوروبا سياسة عزل إسبانيا وحصارها . وماحدث أن إسبانيا لم تنضم لعضوية الاتحاد الأوروبي إلا متأخرا وفي العام 1986.

 والحقيقة أن إسبانيا كانت من آخر دول أوروبا التي اعترفت بإسرائيل، ولاحظ أن هذا حدث أيضا في العام 1986. كان فرانكو خلال حكمه وعزل إسبانيا دوليا يبحث عن بدائل. وعثر عليها ضمن من عثر في الدول العربية، والتي لم يكن لديها مشكلة في إقامة علاقات مع دكتاتور. وهكذا تطورت العلاقات بين إسبانيا والعالم العربي. وبسبب هذه العلاقات الرسمية قدمت مدريد منحا لطلاب عرب لدراسة الطب في جامعاتها. 

كما علينا لفهم تفاصيل الصورة في عهد فرانكو الإشارة إلى أن الناس في إسبانيا لم يكونوا متعاطفين مع إسرائيل بسبب تفشي "معاداة السامية"، ولأن الدعاية الرسمية زمن فرانكو كانت ضد اليهود، وتعتبر بدورها إسرائيل هي التعبير السياسي عن اليهود والكيان الممثل لهم على المسرح الدولي. أما الموقف في كتالونيا حينها فكان على خلاف الموقف في إسبانيا/ مدريد خلال هذه السنوات، وكما أشرت في السابق.

يمين مع إسرائيل لكن ليس كل اليمين 

*هذا يجعلنا نتقدم في الحوار إلى التعرف على مواقف اليمين في كتالونيا ولليوم من القضية الفلسطينية؟

ـ الحقيقة أن ليس كل اليمين في كتالونيا مع إسرائيل، فقط هو اليمين المتطرف لأنه يكره العرب والمسلمين. وهذا اليمين المتطرف يمثله حزب "فوكس"، وهو مع إسرائيل تماما. 

لكن اليمين التقليدي الكلاسيكي سواء في إسبانيا أو كتالونيا فعنده موقف ناقد من الإباد الجماعية في غزة. لكن بالطبع ليس مع الفلسطينيين وكفاحهم من أجل الاستقلال وتقرير المصير مائة في المائة مثل أحزاب اليسار. 

هذا اليمين التقليدي الكلاسيكي الأكثر شعبية  بين الرأي العام وفي الانتخابات بكتالونيا ظل يدعو، وعلى ضوء تطوارات ما بعد 7 أكتوبر، إلى اعتراف الحكومة الإسبانية بالدولة الفلسطينية. لكنه يشترط لذلك ويعلقه على أن يكون في سياق اعتراف كل أوروبا (الاتحاد الأوروبي). ولذا انتقد اليمين التقليدي هذا الصيف اعتراف الحكومة الإسبانية بالدولة الفلسطينية وقال كان يجب ألا يكون هذا الاعتراف خارج موقف جماعي موحد  للاتحاد الأوروبي أو يسبقه ويتقدم عليه. 

*وماهي أبرز رموز وتنظيمات هذا اليمين التقليدي الكلاسيكي في كاتالونيا؟

ـ حزب اسمه "جونتز"، وهي كلمة كتالونية تعني "معا"، وكان الحزب الرئيسي في الإقليم سابقا، وخلال آخر موجات المطالبة بالاستقلال قبل حوالي خمسة أعوام.

*هل مطروح على أي نحو اعتراف كتالونيا أو تعاونها مؤسساتيا مع فلسطين؟

ـ كتالونيا بشكل عام ليس لها سياسة خارجية مستقلة، ولا صوت لها في المحافل الدولية كي تصوت من أجل فلسطين. فقط ما تستطيع حكومتها المحلية هو تقديم بعض المساعدات الإنسانية والتعاون الدولي. 

* وهل هناك تمثيل لإسرائيل في برشلونة، وشكل من أشكاله لفلسطين؟

ـ في برشلونة قنصلية لإسرائيل، وفي مدريد ممثلية لفلسطين، لكن لاتمثيل رسمي بعد هنا في برشلونة.

*وهذا يعني أن هذا التضامن الشعبي مع فلسطين وشعبها وقضيتها بكتالونيا، وبلوغه ذروة غير مسبوقة هذه الأيام ، يجرى من دون وجود تمثيل دبلوماسي أو رسمي يحمل اسم فلسطين وعلمها؟

ـ نعم .. بعد 7 أكتوبر عرفت كتالونيا حملات جمع تبرعات من أجل غزة، كما توجهت سفينة من شواطئ كتالونيا إلى غزة حاملة مواد إغاثة، وهي تعمل في مجال إغاثة المهاجرين بالبحر المتوسط وتتبع مؤسسة "سبن آرمز/ أي الأذرع المفتوحة). وأظنها تمكنت من إيصالها، لكنني لا أعرف أو ربما لا أتذكر : أين رست بحمولتها في غزة أو بميناء إسرائيلي؟

*وماهي أشكال وفعاليات التضامن مع فلسطين الأخرى في كتالونيا إلى جانب المظاهرات وتنظيم هذا الإضراب غير المسبوق، والذي شمل أيضا وفي ذات اليوم العديد من المؤسسات التعليمية بعموم إسبانيا؟

ـ جرى ويجرى تنظيم ندوات ومؤتمرات وعروض أفلام في مراكز ثقافية، وحتى أنا شاركت في أكثر من مناسبة محاضرا في ندوات عن أبعاد القضية الفلسطينية، واستضاف جانب منها قصور ثقافة تابعة للدولة، والمعتاد أن يستخدمها المجتمع المدني كمنصة لإطلاق العديد من أنشطته. 

ويوم 27 سبتمبر2024 كان يوما مميزا لأن الإضراب كما يبدو يشمل كل كتالونيا، وفي سياق اليوم العديد جرى تنظيم العديد من الأنشطة من ندوات وعروض أفلام، وحفلات غذاء تذهب عوائدها المالية لغزة.

*مؤكد أنه الإضراب العام الأول في العديد من مؤسسات كتالونيا وبخاصة التعليمية من أجل فلسطين ؟

ـ هذا يقينا الأول منذ 7 أكتوبر 2023، وهو إضراب عام شمل المدارس بمستوياتها المختلفة والجامعات، وأعتقد هذا مهم أيضا بالنسبة لصياغة وعي الأجيال الجديدة. وأعتقد أيضا أنه الأول في تاريخ كتالونيا بالمطلق من أجل فلسطين.

* وماهي الهيئات التي دعت لهذا الإضراب ؟

ـ في المقدمة يأتي دور النقابات الطلابية والعمالية، وبالتنسيق مع الجالية الفلسطينية بكتالونيا. وبالطبع هو يجرى بدون تنسيق مع أي سلطة أو انتظار إذن منها.

* وهل عرفت جامعات كتالونيا أنشطة تضامنا مع فلسطين تماثل الحركة تحت الأضواء في جامعات بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة منذ الربيع الماضي؟

ـ في جامعة برشلونة حدث أيضا "تخييم" بحرم الجامعة، وفي ذروة تحرك الجامعات الأمريكية والأوروبية. ارتفعت مطالب الطلاب بوقف التعاون الأكاديمي مع الجامعات الإسرائيلية. وكان لهذه الحركة هنا نتائج إيجابية على صعيد تغيير سياسات بعض الجامعات استجابة للضغط الطلابي تضامنا مع فلسطين. 

عن يهود كتالونيا

*وماهو موقف اليهود في كتالونيا؟ وهل هم بدورهم منقسمون تجاه القضية الفلسطينية والولاء للصهيونية وإسرائيل؟

ـ الجالية اليهودية بكتالونيا بالأصل عددها صغير. واليهود هنا لايميزون أنفسهم عادة بارتداء ملابس تفصح عن هويتهم الدينية.  وما أعلم أن هناك مؤسسة يهودية صغيرة في برشلونة أعلنت مواقف ضد الإبادة الجماعية في غزة، لكنها مع حق إسرائيل في الوجود.
-------------------------------------------
حاوره من القاهرة عبر الماسينجر: كارم يحيى