15 - 10 - 2024

إضراب عمال هيلتون صوت الغضب ضد الاستغلال والإهمال

إضراب عمال هيلتون صوت الغضب ضد الاستغلال والإهمال

إضراب عمال فنادق هيلتون لم يكن مجرد حدث عابر في عالم التحركات العمالية، بل هو تعبير واضح وصريح عن الغضب العارم الذي يشعر به العمال تجاه الإدارة التي تواصل تجاهل مطالبهم المشروعة.

هؤلاء العمال، الذين يعملون بجد وتفانٍ في خدمة الضيوف وإدارة العمليات اليومية للفندق، لم يعد بإمكانهم تحمل الاستغلال الممنهج الذي تمارسه الإدارة. إن تجاهل حقوق العمال ليس مجرد سوء إدارة، بل هو انتهاك صارخ لكل القيم الإنسانية والمهنية.

إدارة فندق هيلتون تعمدت إهدار حقوق العمال، على الرغم من مطالبهم الواضحة والعادلة. العاملون في الفندق يعانون من تدني الأجور مقارنة بالجهد الهائل المبذول، حيث يتم تحميلهم مسؤوليات إضافية دون تعويض مادي مناسب.

الأوضاع تزداد سوءًا عندما نعلم أن العديد من العمال لم يتلقوا رواتبهم في مواعيدها المحددة، مما زاد من أعبائهم الاقتصادية في ظل الارتفاع المستمر في تكاليف المعيشة. العمال لا يطالبون بالكثير، إنما يطالبون بالأساسيات: أجر عادل، ظروف عمل إنسانية، وحقوق مهنية تضمن لهم الكرامة في حياتهم اليومية.

الإضراب الذي أعلنه العمال جاء بعد استنفاد كافة الوسائل السلمية للتفاوض مع الإدارة، بدلًا من الاستجابة، قامت الإدارة بالتجاهل والمماطلة، في موقف يعكس عقلية الاستغلال التي تتعامل بها مع العمال.

عندما يصل الأمر إلى هذا الحد، يكون الإضراب ليس خيارًا، بل ضرورة؛ ضرورة لحماية الكرامة ورفض الظلم الذي يمارس في وضح النهار.

عمال هيلتون حملوا على عاتقهم رسالة واضحة: لن نقبل بالاستغلال ولن نصمت على ضياع حقوقنا بعد الآن.

الغضب العمالي تجاه إدارة هيلتون ليس محليًا فقط، بل كان له صدى دولي، حيث شهدنا تضامنًا واسعًا من نقابات عمالية حول العالم.

تلك النقابات تعلم جيدًا أن ما يحدث في هيلتون هو انعكاس لأزمة أعمق يعاني منها العمال في كافة القطاعات، حيث تتغاضى الشركات عن حقوقهم في سبيل تحقيق أرباح ضخمة على حساب العامل البسيط.

خلال إضراب عمال هيلتون في مصر، شارك مئات العمال في مختلف فروع الفندق في القاهرة والإسكندرية، بالإضافة إلى العديد من المدن السياحية الكبرى، حيث تجاوز عدد المشاركين الألفي عامل.

هؤلاء العمال جاءوا من أقسام متعددة مثل التدبير المنزلي، الاستقبال، والصيانة، مطالبين بتحسين الأجور، وتوفير ظروف عمل آمنة، وتعويضات عن الأوقات الإضافية، بالإضافة إلى ضمان مستحقاتهم المالية المتأخرة.

هذه الحركات الاحتجاجية لم تكن مجرد صرخة من فئة مهمشة بل كانت تعبيرًا عن غضب جماعي بسبب الفجوة الكبيرة بين الأجور وظروف الحياة التي يعيشها العمال وبين الأرباح الضخمة التي تحققها الفنادق الكبرى مثل هيلتون.

أما على الصعيد الدولي، فقد حظي إضراب عمال هيلتون في مصر بتضامن عالمي غير مسبوق. العديد من النقابات العمالية والمنظمات الدولية مثل "الاتحاد الدولي للعاملين في السياحة والفنادق" أعربت عن دعمها الكامل للعمال المصريين، وأكدت أنها تتابع الوضع عن كثب.

كما عبرت بعض النقابات في دول أوروبية مثل فرنسا وألمانيا عن تضامنها من خلال تنظيم حملات تضامن في مقرّات هيلتون الدولية، وأخرى في أمريكا اللاتينية، حيث تتعاون النقابات العمالية للضغط على الشركات الكبرى لتطبيق معايير العمل الدولية.

هذا التضامن الدولي كان له أثر كبير في تسليط الضوء على القضية، حيث شهد الإضراب تدخلاً من منظمات حقوق الإنسان التي طالبت بإجراء تحقيقات شفافة بشأن ممارسات الإدارة تجاه العمال، كما شددت على ضرورة تحسين أوضاعهم بما يتماشى مع المعايير الدولية. وأدى هذا الضغط الدولي إلى رفع وتيرة الدعم المحلي وتوسيع نطاق المطالبة بالعدالة الاجتماعية، مما جعل قضية عمال هيلتون المصرية محط أنظار وسائل الإعلام العالمية.

لقد بات واضحًا أن إدارة هيلتون تتعامل مع عمالها كأدوات لتحقيق المكاسب، متناسية أن هؤلاء العمال هم الذين يجعلون الفندق يستمر في العمل. بدون هؤلاء العمال، لن يكون هناك فندق يقدم خدماته الفاخرة للنزلاء. يجب على الإدارة أن تدرك أن التعامل بإنسانية واحترام لحقوق العمال ليس خيارًا، بل هو ضرورة لضمان استمرار العمل بجودة وكفاءة.

إننا، كعمال وقيادات عمالية، نؤكد أن هذه التحركات لن تتوقف حتى تتحقق العدالة. يجب على إدارة هيلتون أن تتوقف عن سياسة الاستغلال هذه وتلتزم بتحقيق مطالب العمال العادلة، فإن أي تجاهل للمطالب المشروعة سيقابل بتصعيد أكبر.

إنني أؤكد أن حقوق العمال ليست موضوعًا قابلًا للمساومة أو التفاوض، كل عامل له الحق في أجر عادل، وبيئة عمل آمنة، واحترام كامل لكرامته المهنية. إضراب عمال هيلتون لم يكن سوى بداية، وإذا لم تستجب الإدارة للمطالب العمالية بشكل سريع وفوري، فإن الحركة العمالية ستستمر في الضغط حتى تتحقق كافة الحقوق. هذه رسالة لكل إدارة تتجاهل حقوق العمال: نحن هنا ولن نصمت حتى تتحقق العدالة.
----------------------------------
بقلم: محمد عبدالمجيد هندي
* قيادى عمالي مستقل، مؤسس ورئيس المجلس القومى للعمال والفلاحين تحت التأسيس

مقالات اخرى للكاتب

إضراب عمال هيلتون صوت الغضب ضد الاستغلال والإهمال