24 - 12 - 2024

"مذكرات نشَّال" .. أصول الطريقة الأمريكانية وقواعدها

صدر عن دار "دوِّن" كتاب "مذكرات نشال" للمعلم عبد العزيز النص، قدم له وعلق عليه أيمن عثمان. الكتاب يضم حكاية من واقع المجتمع المصري كشف عنها مؤخرا الكاتب أيمن عثمان فأعاد تقديمها من جديد بأبعادها المختلفة. نشرت "مذكرات نشال" في عشرينيات القرن العشرين، وهي قصة انتقادية فكاهية تعطيك صورة من أخلاق وعادات النشالين وحيلهم وأساليبهم في النشل، قصَّها بطل وقائعها المعلم عبد العزيز النص وكان من أشهر النشالين في القاهرة، علي صاحب جريدة "لسان الشعب"، وهذا ما تطلَّب من أيمن عثمان التجول في القاهرة وتتبع الأماكن التي ذكرها النشال علي الخرائط.  

احتوى الكتاب علي حيل النشالين وسلوكهم داخل مجتمعهم الخاص، إلى جانب البحث وراء العديد من المفردات والمصطلحات العامية المصرية التي اندثر معظمها، فكان كل ماسبق يصب في ضرورة إعادة نشر هذه المذكرات.من أطرف طرق النشل التي ذكرها النُص "الطريقة الأمريكانية"، وهي واحدة من أشهر طرق النشل وأكثرها ذكاء وحيلة ومراوغة، يتبادل فيها النشال والضحية الأدوار، ويشارك الضحية فيها كما لو كان نشالا محترفا، أما النشال فيظهر مغلوبا على أمره، لتحدث المفاجأة في النهاية، ويكتشف الضحية أنه لعب دول "النشال الخايب".

يروي النُص الطريقة كما يلي: ألقى عبد العزيز النُص محفظته أمام صرَّاف يهودي، والتقطها وأباح لنفسه المحفظة بما فيها حبا في الكسب السريع، فظهر شريك النُص فجأة وفرض نفسه على الصرَّاف وطالب بنصبيه من الغنيمة. ولأن الصراف تحركت مطامعه وافق علي الفور، وفي لحظة توزيع الغنيمة ظهر النُص واتهمهما بالسرقة وجردهما من محفظيتهما للبحث عن نقوده المفقودة، وبخفة يده سلب نقود محفظة الصراف واستبدلها بورق، وأعادها له وخرج باكيا. إنها طريقة تعتمد على قراءة شخصية الضحية، وتحليل سلوكه، ومغازلة أسوأ ما فيه، وهذا ما كان يميز نشالا عن الآخر.

ذكر أيمن عثمان أن بيرم التونسي ذكر "الطريقة الأمريكانية"، عندما تعرض للنشل في مقال له بعنوان "لعنة الله علي المُحافِظ" في جريدته "الخازوق" قائلا: "بينما أنا سائر في طريقي لا لي ولا علي، إذ حدثتني النفس الأمارة بالسوء وقادتني رجلاي اللعينتان إلي العتبة الخضراء، حيث يكثر النشالون علي الطريقة الأمريكانية، فتقدم مني نشال في خفة ورشاقة وسرعة، وانتشل محفظتي، فصحت بأعلى صوتي: لعنة الله علي المُحافظ، ومحافظة القاهرة في ذلك الوقت كان صهر السلطان".

إن مثل هذه المذكرات جديرة بالتأمل فهي سجل لتاريخ الجريمة في مصر، خاصة إذا علمنا أن النشالين نظموا أنفسهم في طائفة، وأن العديد منهم تراجع عن السرقة، لكن يبقى أن تتحول مثلها لأفلام أو مسلسلات، فهي تمزج الواقع مع طرافتها وتقدم أبعادا سياسية واقتصادية واجتماعية، ليبقي التساؤل الأهم الذي يجب أن يجيب عليه علماء الاجتماع حول صعود مثل هذه الجرائم وتراجعها في مصر، فدون أن نتتبع هذا لن تكون لدينا اجابات حول عودة جرائم السرقة في عصرنا تحت ضغط الفقر والحاجة.
-------------------------
بقلم: د. خالد عزب