بطلنا اللواء دكتور أحمد شوقي الحفني أبو الغيط؛ صاحب تاريخ حافل في العسكرية المصرية، وفي سلاح الصاعقة على وجه الخصوص، وقد التحق للخدمة بالصاعقة منذ عام 1961 وحتى حرب أكتوبر 1973 وخدم في أماكن عدة في سوريا زمن الوحدة بين مصر وسوريا وفي حرب اليمن وفي حرب الاستنزاف حيث كان رئيساً لعمليات الكتيبة 43 التي تصدت إحدى سراياها لجحافل العدو الصهيوني في معركة رأس العش والتي حدثت بعد هزيمة يونيو بثلاثة أسابيع، التي ردت الاعتبار للجندية المصرية، ثم تولى بعد ذلك قيادة الكتيبة البطلة في حرب الاستنزاف، واستطاع الهجوم على لسان بورتوفيق، وهي نفس الخطة التي نفذت في حرب 1973.
وقد اتصلت به ليحدثنا عن حياته العسكرية وعن حياة أبطال الصاعقة من الضباط والجنود في تواضع جم وهي أخلاق الأبطال الفرسان، وفتح لي صندوق الذكريات ومازالت يتذكرها رغم تعبه وتقدمه في العمر. وقد استعنت بهذا الحوار معه في مقالي في مجلة الهلال "معركة رأس العش سير وأبطال وبطولات"، ثم في مقالي التالي:
ولد أحمد شوقي الحفني أبو الغيط عام1940 في مدينة ميت غمر بمحافظة الدقهلية لأسرة من الطبقة الوسطى وتعلم في مدارسها حتى حصل على شهادة الثانوية العامة عام 1956، وفي نفس العام حدث العدوان الثلاثي على مصر، والتي قادته الدول الاستعمارية فرنسا وانجلترا واشتركت معهم إسرائيل، وتنامى لدى الطالب أحمد شوقي الحس الوطني الذي بدأ معه منذ صباه المبكر، حيث تفاعل مع الأحداث الوطنية ومنها حرب 1948، ثم اندلاع ثورة يوليو 1952، والتي قامت على مباديء كان يتوق إليها المواطن المصري في كل مكان، ومن ثم قرر أن يلتحق بالكلية الحربية مصنع الرجال، ثم تخرج في الدفعة (39) عام 1959، وتعلم من كبار قادتها أمثال: اللواء محمد فوزي مدير الكلية الحربية، والعميد أ.ح جمال حماد كبير المعلمين، ومن مشاهير الدفعة: اللواء صالح عبد الحميد قائد قوات حرس الحدود الأسبق، واللواء هتلر طنطاوي أمين عام وزارة الدفاع ثم رئيس هيئة الرقابة الإدارية، واللواء مصطفى كامل محمد مدير الكلية الحربية ومحافظ بورسعيد الأسبق..
وفور تخرج الملازم أحمد شوقي كانت الوحدة قائمة بين مصر وسوريا تحت مسمى الجمهورية العربية المتحدة، وعمل مدرساً بكلية الضباط الاحتياط في سوريا، وبعد أن فشلت الوحدة رجع إلى مصر ليعمل مدرساً بمدرسة الصاعقة في الفترة 1961-1967، ويتعلم على أيدي القادة الكبار: الفريق جلال هريدي مؤسس القوات الخاصة بمصر، واللواء نبيل شكري، والفريق أحمد صلاح الدين عبد الحليم وتخللت فترة وجوده بمدرسة الصاعقة بأن ذهب إلى اليمن قائداً لسرية صاعقة في الكتيبة 103 صاعقة.
معركة رأس العش:
عندما وقع العدوان الغادر في 5 يونيو 1967، واحتلت إسرائيل أجزاءً غالية من التراب العربي، فاحتلت سيناء وغزة والضفة الغربية والجولان، وحدث ارتباك متزامن للجيوش في مصر والأردن وسوريا، بل بلغت الجرأة بوزير الحرب الإسرائيلي موشي ديان حينما قال: "لم يعد أمامنا سوى الجلوس بجوار التليفون، لكي يستمع العرب إلى شروطنا والملك حسين يعرف رقمنا". وحدثت صدمة للعرب من جراء هذه الهزيمة النكراء.. إلا أن مصر لم تستسلم للعدوان، وبعد مضي ثلاثة أسابيع من وقف إطلاق النار فاجأ أسود مصر من الصاعقة المصرية العالم أجمع وبالتحديد يوم 30 يونيو 1967، بملحمة سطرتها العسكرية المصرية على رمال سيناء حينما استطاعت قوة صغيرة قوامها ثلاثين مقاتلاً وفي رواية أخرى أربعين وبأسلحة خفيفة من الكتيبة 43 صاعقة يقودها الرائد السيد الشرقاوي ويعاونة ثلة من جنود مصر الأوفياء أمثال: النقيب أحمد شوقي، والملازم فتحي عبد الله، ورقيب الفصيلة حسن سلامة.
في هذا التوقيت أثبت الجيش المصري بأننا قادرون على تخطي الأزمات والصعاب وإدهاش العالم بجلائل الأعمال.. قادرون على اجتياز المحن والهزائم.. وفي هذا اليوم العظيم من تاريخ العسكرية المصرية استردت مصر العزة والكرامة.. لم تستسلم للعدوان الغادر ولقن أسود مصر العدو درساً لا ينسى وستظل هذه المعركة نقطة فاصلة في مراحل الصراع العربي الإسرائيلي..
في الساعات الأولى من فجر اليوم الأول من شهر يوليو عام 1967، تقدمت قوة إسرائيلية قوامها سرية دبابات (عشر دبابات) مدعمة بقوات ميكانيكية عربات نصف جنزير، على امتداد الضفة الشرقية لقناة السويس من القنطرة شرق، وكان الهدف من التحرك الوصول إلى مدينة بؤر فؤاد التي تقع على الجانب الشرقي لقناة السويس وفي مواجهة مدينة بورسعيد وقد علمت القيادة العامة للقوات المسلحة وكان الرئيس عبد الناصر يتابع الأمر بنفسه، الكل يدرك أن وقوع بورفؤاد يعني تهديداً لمدينة بورسعيد، فكُلِفت الكتيبة 43 صاعقة المتمركزة في مدينة بورسعيد بإعاقة تقدم أي قوات إسرائيلية نحو بورفؤاد، وكان يقود الكتيبة الرائد السيد الشرقاوي، وكان يسير سيرة حسنة وعلى كفاءة عالية من التخطيط والقتال ويعرف قدر رجاله، وجاءه اتصالاً من أعلى المستويات في الدولة يحثه قائلاً:"يا سيد يا شرقاوي بورفؤاد ما تقعش في يد اليهود"، فكان رده واضحاً: "تأكد يا فندم أن لو بورفؤاد سقطت هيكون على جثثنا كلنا".
وعلى ذلك وضعت الخطة في مواجهة أي تقدم إلى بورفؤاد، فوجود طريق جديد محتمل استوجب وضع فصيلة لغلقه، مع وجود باقي أفراد الكتيبة على أنساق حتى داخل بورفؤاد .وأمر قائد الكتيبة بعمل استطلاع لهذا الطريق الترابي كله من الكاب مرورًا بالتبة وحتى الكيلو 14 فى منطقة رأس العش.. وبالفعل تم تلغيم الطريق ليلاً.. والدفع بفصيلة صاعقة مدعمة.. قائدها الملازم أول فتحي عبدالله.. واحتلت موقع رأس العش.. مدعومة من غرب القناة بنيران ك103 صاعقة.. الملازم أول عبدالوهاب الزهيري والملازم أول خليل جمعة والكتيبة المعاونة (هاون + ب10) الملازم أول نادر عبدالله.
وقد عبرت السرايا القناة بالمعديات من بورسعيد إلى بورفؤاد، وتمركزت فصيلة في نقطة رأس العش، لأن الطريق الضيق لا يحتمل أكثر من فصيلة للدفاع عنه، لأن الطريق يقع بين القناة ومنطقة السبخات شرق القناة ، وقد بدأ العدو يتقدم بقواته فباغتته القوة المصرية في رأس العش وكبدته خسائر فادحة في معركة غير متكافئة استمرت قبل آخر ضوء ولمدة ست ساعات بالأسلحة الخفيفة حتى عجز العدو عن تحقيق أهدافه إلى الأبد، وظلت مدينة بور فؤاد لم تطأها قوات إسرائيلية حتى تحقق النصر المؤزر في 6 أكتوبر 1973. والدروس المستفادة من هذه المعركة لا يمكن حصرها في هذه الصفحات القليلة، ولكن سنذكر بعضها: أنها أثبت نفاسة معدن الجندي المصري خير أجناد الذي يحارب بشرف ويدافع عن التراب المصري إذا أعطي فرصة للقتال، ومن الدروس أيضاً دراسة الأرض دراسة جيدة وعلى أساسها يتم وضع القرار، وتنظيم التعاون بين القوات، وكذلك الاستطلاع الجيد ومعرفة العدو جيداً، وكذلك الاستفادة من إمكانيات القادة والضباط والجنود وكل أدى دوره باقتدار...
في حرب الاستنزاف والهجوم على نقطة لسان بورتوفيق:
تولى الرائد أحمد شوقي الحفني قيادة الكتيبة 43 خلفا للرائد السيد الشرقاوي، وقد كثف التدريبات استعداداً ليوم الكرامة، وكان الضباط والجنود يقبلون على التدريب بقلوب خالصة وروح معنوية عالية وتم عمل كمائن على أهداف العدو وتكبيده خسائر فادحة..
وقد قررت قيادة الجيش الثالث الميداني بقيادة الفريق عبد القادر حسن تدريب الجنود على الهجوم على حصون خط بارليف في نطاق الجيش الثالث الميداني وقد اختارت حصن لسان بورتوفيق، وكان يقع في أقصى خط بارليف على قناة السويس ويقابل ميناء بورتوفيق، وكان الحصن يقع في هيئة حاكمة حيث تحاط به المياه من ثلاث جهات، وكانت النقطة الحصينة مزودة بأحدث الأسلحة الأمريكية منها مدافع ذاتية الحركة عيار 155، إلى جانب الهاون، وقد تسببت قذائف هذه المدفعية في دمار كبير في بورتوفيق، ومعمل تكرير الوقود ومخازنه في الزيتية جنوب السويس، كما أصابت نصب بورتوفيق بأضرار بالغة، كما تسببت أيضاً في غرق السفينة إبراهيم، وفقا للرواية المصرية، فيما يُشير الإسرائيليون إلى غرق زورق طوربيد فئة پي 183، وفي ليلة 21 يونيو 1969، أغار الكوماندوز البحري الإسرائيلي على نقطة لخفر السواحل المصرية على لسان ميناء الأدبية وقتلوا 30 جندياً مصرياً.
ووقع الاختيار على الكتيبة 43 إضافة إلى وحدات دعم من الحرب الكيماوية والمهندسين العسكريين، واختيرت أنسب الأوقات لمنسوب قناة السويس وتم الهجوم على الحصن وتدمير ست دبابات، ومركبة قتال، وقتل 46 جنديا إسرائيلياً، وأسر جندي آخر.
انتقل المقدم أحمد شوقي بعد ذلك إلى المجموعة 127 صاعقة رئيساً للعمليات ثم رئيساً للأركان، وفي حرب أكتوبر كان رئيساً لعمليات قوات الصاعقة وقائدها العميد أ.ح نبيل شكري، وكان يعمل معه زملاؤه: المقدم مصطفى كامل محمد، والمقدم هتلر طنطاوي، وقد حققت الصاعقة المصرية بطولات خارقة أثناء الحرب في عمليات خلف خطوط العدو والتصدى للهجمات المضادة.
وبعد انتهاء حرب أكتوبر 1973 تولى أحمد شوقي الحفني العديد من المناصب منها رئيس أركان المجموعة 145، ثم قيادة المجموعة، ثم عين أستاذاً للاستراتيجية والأمن القومي بكلية الدفاع الوطني بأكاديمية ناصر العسكرية حتى تقاعد برتبة اللواء بناء على طلبه عام 1986. ليبدأ مرحلة أخرى مهمة في حياته وقد أمد الصحف والمجلات المصرية والأجنبية بالمقالات التي تدور حول الأمن القومي والدراسات الاستراتيجية.
----------------------
بقلم: أبوالحسن الجمال
* كاتب ومؤرخ مصري