رب سائل يسألني .. لماذا أقدمت على كتابة هذا الموضوع.
الإجابة واضحة بذاتها لا تخفى إلا على من لا يريد أن يراها ، أما الذي يريد الإصلاح الحقيقي ، فهي واضحة وضوح الشمس في وسط السماء .
حاجتنا الماسة إلى أن نضع أيدينا على الداء من أجل وصف الدواء الناجع المفيد، وقد قلناها وسنقولها كما قالها أئمتنا ، وسنرددها بأعلى أصواتنا حتى وإن بحت ، وأتمنى أن يرددها معنا كل مخلص محب لبلده ، لمؤسسته التي يعمل بها. نحن نريد ونسعى سعيا دؤوبا نحو تحقيق نهضة شاملة وتنمية مستدامة ، لا يمكن بحال من الأحوال أن نقول كله تمام ، كله مظبوط ، إذا قلنا ذلك فثم خلل ، ولا نقول الحقيقة كالذي يضلل الناس بعلم أو بغير علم.
نعم هناك سلبيات كثيرة من الممكن لو تعاونا مع قادتنا كل في مكانه ووقفنا صفا واحدا من الممكن تلاشي هذه السلبيات، وإزالتها.
لا أقول في مكان واحد بعينه وإنما في كل مفاصل الدولة تنخر كالسوس في جدارها ومن ثم بات الأمر ملحا للوقوف بكل ما أوتينا من قوة ضد هؤلاء للكشف عنهم وتعريتهم وتخليص البلاد والعباد منهم، ومن شرورهم .
نعم أولئك الذين يبدون من طرف اللسان حلاوة ويروغون منا ومن وطننا الحبيب كما تروغ الثعالب.
شرذمة تعيث فى الأرض فسادا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ، فئة ضآلة مضلة زين لهم الشيطان سوء عملهم فرأوه حسنا ، لا تقسم بالسوية ، ولا تعدل فى القضية شغلهم الشاغل ملء جيوبهم وكروشهم لا فرق عندهم من حلال أم من حرام.
المهم إشباع نهمهم وإشباع شهواتهم المادية الرذيلة ، فبئست الأخلاق هذه. يتسلطون على رقاب البسطاء الذين ليس لهم حيلة إلا حسبنا الله ونعم الوكيل. يمدون أيديهم في جيوبهم عنوة ، ولا يعلمون أن كل جنيها يأخذونه منهم سينفقونه ثم يكون حسرة عليهم وعلى ذويهم.
واضرب مثالا ما يحدث من بعض أعضاء هيئات التدريس في الجامعات المصرية ومن بسط نفوذهم على الطلاب البسطاء. نعم يتسلطون على رقاب الطلاب الغلابة البسطاء الكادحين الذين يعملون الليل كله ، ويواصل النهار ذهابا إلى جامعاتهم من أجل التعليم لينفقوا على أنفسهم مساعدة لذويهم. ويجتهدون في جمع المصروفات الدراسية التي أضحت عبئا على كواهل الأسر الفقيرة - وكلنا فقراء إلى الله -
ثم يأتي الجحود ، فبدلا أن نطبطب على هؤلاء ونمد أيدينا لمعاونتهم كما كان يفعل معنا أساتذتنا قديما ، والمحترمون من الأساتذة الآن ، نقوم باستنزافهم ماديا ، كيف نثقل كواهلهم وهم المغلوبون على أمرهم ، نثقل كواهلهم جبرا وقسرا بالترهيب ، من لا يشتري الملازم الخاصة بالمقررات ، سيرسب في الامتحان ، سيأتيكم الامتحان صعبا.
لماذا كل هذا ، أليس ثمة منصة تعليمية دفع ثمن تفعيلها الطالب ، أليس ثمة كتب تفاعلية سيدفع ثمنها الطالب للأستاذ وسيأخذ حقه بطريقة مشروعة.
لماذا كل هذا الجشع ، لماذا نرغم الطالب على شراء ملازم خارجية للمقررات ، والمادة العلمية موجودة اليكترونيا على منصة تعليمية مشروعة ، لماذا نذهب إلى الأبواب الخلفية ، ألأجل المال ، اتريدون أن تطعموا أولادكم سحتا وحراما.
أما تعلمون أن كل قرش يجمع غيلة من طالب أو طالبة سيدخل عليكم بخراب ، إما ستنفقونه على مرض ، أو سيرثه ولد فاسد سينفقه فى حرام وستعذبون به في نار جهنم.
وإذا ما اشتكى الطالب ، تجد الردود حاضرة ، معلش ، لن يفعل ذلك مرة أخرى ، نعطيه فرصة أخرى ، وتعطى الفرص تلو الأخرى ، لكن لا حياة لمن تنادي ، تعود ريما إلى عادتها القديمة.
يا سادة ، إنه من أمن العقاب أساء الأدب.
فيا كل مسؤول ، يا كل صاحب منصب اتق الله في أماناتك ، فالطلاب أمانة في رقابكم ، فإذا ما اتتكم شكاية منهم ، فانظروا إليها وخذوها بعين الإعتبار وحققوا فيها وارفعوا الظلم عن المقهورين ، وتذكروا حديث رسولنا الكريم ، كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته.
وتذكروا حديثه صلى الله عليه وسلم ، من يلي أمر عشرة من المسلمين ولم يراعي الله فيهم يأتي مكبلا بهم في عنقه يوم القيامة سائلين الله أن يقتص منه لماذا ، لأنهم قدموا له مظلمة ولم يحقق فيها ولم يرد الظلم عن المظلوم ويردع من ظلمهم.
ومن ثم بات الأمر ملحا لكشف اللثام عن هؤلاء وتعريتهم أمام قياداتنا الحكيمة التى دوما ما يقولون قولوا لنا ما هي المشكلات ، ما هي العقبات التي تقف في طريق تقدمنا ، وها نحن يا قادتنا نضع أمامكم هؤلاء ، لا أقول في مجال واحد وإنما في كل المجالات.
إذا أردنا حقا نهضة حقيقية فعلية لا أقول في مجال التعليم فقط ، وإنما في كل مجالات الحياة ، سواء فى الإقتصاد ، في التجارة ، فى الصناعة ، فى السياسة ، في الثقافة ، في الصحة ، باختصار في كل مقومات الحياة المادية، ليس فقط المادية ، وإنما حتى في الحياة الروحية التى تشكل منحا روحيا عظيما فى حياة الأمم ، فلا يمكن بحال من الأحوال أن تستقيم أمة وتعلو وترتفع بجوانبها المادية فقط ، وإنما بجوانبها الروحية التي تجدد الطاقة وتحولها من طاقات سلبية إلى طاقات إيجابية ، فالإنسان أشبه ما يكون ببطارية لا يمكن أن يستمر جسمها دون شحنه بالطاقة التي تقومه .
هذه الطاقة تتمثل في إعلاء الجانب الروحي بداخله سواء عن طريق العبادات والطاعات ووجوهها كثيرة، أو عن طريق ترويض نفسه التي هي دوما التي تقود صاحبها إلى التيه والضلال ومن ثم قد يقع في فخاخها فيتحول من آدمي إلى عبد شهواني ، ومن ثم وجب ترويضها كمن يروض النمرة والوحوش الضارية ، بل هى أشد لأنك تتعامل مع شبح ، مع شيطان ماكر يتغلغل داخلك ، لأنها ألد اعداءك (نفسك التي بين جنبيك).
إذا أردنا حقا تحقيق هذه المعادلة التي لا أظنها عصية أو صعبة أو رموزها مشفرة ، إذا أردنا إحسانا وتوفيقا، فلنفتش بداخلنا هل نحن حقا دعاة إصلاح أم هي عبارات وكلمات نتشدق بها ونتلوها في المناسبات ، أو أعلام وشعارات وأناشيد نتغنى بها راقصين رقص الذئاب اللئام المتربصة بفريستها.
الكل يريد أن ينهش ولا أستثني أحدا، اللهم إلا المخلصين الحقيقيين الذين يبغون الإعمار والإصلاح الفعلي ، الذين يعملون في صمت لا يتحدثون.
يبذلون الغالي والنفيس ، يعطون بسخاء ولا يطلبون شيئا ، الذين ليس لهم هم إلا رفعة ورقي أوطانهم وهم كثر ، الذين يحبون بلادهم حبا حقيقيا ، حبا لا يخالطه شبهات رياء أو نفاق أو سمعة ، يقولون كلماتهم لا يخشون لومة لائم .
إذا ما التفتت لهم الأنظار حقا وجديا سيحدث ما نصبو إليه ونحلم به لوطننا ، حلم الجمهورية الجديدة ، حلم الدولة العالمية المواكبة والمعاصرة ، حلم النهضة الشاملة والتنمية المستدامة.
ولنضرب على ذلك أمثلة، في البحث العلمي مثلا نمتلك ثروة علمية ضخمة ، علماء أجلاء في كافة ميادين البحث العلمي من المستويات الأولى ، فالثانية ، فالثالثة إلى قمة الهرم إلى التعليم العالي ، نتملك ثروة مهولة من العلماء الذين يملأون الجامعات والمراكز البحثية فلماذا لا تتجه إليهم أنظار المسؤولين ويكون هناك اختيار حقيقي ومفاضلة تقوم على معايير وأسس وضوابط سليمة بعيدا عن النزعات الشخصية والمحسوبيات والوساطة ، اختيار منطقي ، يكون العقل طريقه ومسلكه .
نعم إذا أردنا نهضة حقيقية في مجال التعليم الإلزامي وما بعده، لابد وحتما أن تتجه أنظار الحكومات إلى الكفاءات الذين يقدمون خططا حقيقية للبناء النهضوي والهيكلى ، الذين يضعون أيديهم ويضغطون بشده على الداء الذي يظن البعض أنه عضال ، لا ليس ثم عضال طالما يوجد الإنسان ، فالدواء موجود .
المهم أن يكون هناك تشخيص حقيقي لا يقوم على المسكنات، فالدمامل لا تجدي معها المسكنات وإنما لابد من تطهيرها واستئصالها حتى يشفى الجسد العليل وتعود إليه حيويته وديناميكيته.
قس على ذلك في كل المجالات الثقافية ، الفنية ، الإجتماعية ، السياسية ، الإقتصادية ، الدينية، وأركز كثيرا على الدينية.
لماذا؟ لأن الدين هو المقوم الحقيقي للأمم ، فأمة بلا دين كجسد بلا روح ، لأنه ما استقامت أمة من الأمم إلا من خلال بنائها الديني القويم ، ونحن أمة متدينة بطبعها ولديها مقومات تدينها - أي دين من الأديان - ولدينا الحماسة الدينية غالبة وطاغية ، ومن ثم لابد من تهذيبها وترويضها عن طريق تصحيح المفاهيم التي حدث لها تشويه من قلة قليلة انتسبوا للدين انتسابا والدين منهم براء ، طائفة وظفت الدين توظيفا خاطئا من أجل مآرب أخرى ، وضربوا على وتر حساس واستخدموا حناجرهم ومكبرات صوتهم لاستمالة القلوب ، وللأسف الشديدة لاقوا قبولا عن طائفة من الشباب أخذتهم الحمية فانقادوا خلفهم دون وعي ودون روية.
ومن ثم بات الأمر ملحا لتصحيح المفاهيم لإعادة الوعي لهؤلاء الشباب المعذورين لا أقول بجهلهم وإنما معذورون بحميتهم ، ومن ثم أصبحت الحاجة ملحة إلى خطاب ديني شامل ، خطاب توعوي ، عن طريق مصادره الشرعية ، الأزهر الشريف ، الأوقاف عن طريق خطب الجمعة ، دار الإفتاء ، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية ، حلقات علم شرعي ، منتديات ثقافية دينية .
مؤتمرات يكون هدفها الحقيقي التوعية بمفهوم الخطاب الديني والحاجة إليه وفقاً لفقه الواقع والحاجة إلى تفعيله بما يتماشى مع ضروريات المجتمع.
مؤتمرات مهمة يكون الغرض الحقيقي تقديم منتج راق يفيد الأمة العربية والإسلام.
جميعنا مشاركون ومشاركون في تحمل المسؤولية ، فبلدنا أمانة في أعناقنا، ومن ثم لابد أن نحافظ عليها ونسعى سعيا دقيقا لرفعتها والنهوض بها .
كل يفتش بداخله ويبدأ من نفسه ، وبمن يرعاه ويعوله، ويطبق حديث النبي صلى الله عليه وسلم. ( كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته.)
نعم كلنا ينبغي علينا الرعاية بل حق الرعاية لها.
------------------------------
بقلم: د. عادل القليعي
*أستاذ ورئيس قسم الفلسفة بآداب حلوان.