استقبلت الأوساط الإعلامية التابعة للدولة، التحالف الجديد بين"المتحدة للإعلام"وشركة "طارق نور القابضة" وقناة المحور بتفاؤل، بينما لاح لآخرين، أمل قد يكون، تعويلا على شخص طارق نور نفسه، رائد الدعاية والإعلان في مصر عن حق.
إلا أن حقائق السياسة في البلاد قد تكسر التفاؤل، والمؤكد أنها لن تتيح له أملا، لأن الإعلام في حاجة إلى منحة سياسية، تعجز الدولة عن توفيرها لوجود عجز في "الحريات السياسية".
التحالف الجديد ليس مطلوبا منه إجراء تغيير جوهرى في الإعلام، بما يعيده إلى أوراق "القوة الضائعة"، وأيضا غير معني بالغد، والبيان الصادر عن الشركة يعترف ضمنيا بذلك، عندما أعلن بواقعية، أن التحالف الجديد يهدف إلى "وضع استراتيجية مستقبلية لتطوير المنظومة الإعلامية بما يعود بالنفع على صناعة الإعلام بشكل عام".. كلمات يستحيل معها الإمساك بشىء ما، غير مشغولة بالحاضر، وتجرد "الأفعال" من أزمنتها، فباتت كلمات بلا معنى في الحاضر والمستقبل..
السياق التاريخي للإعلام المصري، منذ نشأته مع ظهور التلفزيون، تأسس على فكرة "الحشد والتعبئة" في زمن كان خلاله الرأي العام العالمي والعربي ينتصر لمعارك الدول الصغرى مع القوى العظمى الكبرى، ما استلزم النظر للإعلام باعتباره سلاحا قويا يمكن التعويل عليه، وظيفته الأهم، تعبئة الرأي العام وراء توجهات القيادة السياسية
جاء ناصر ورحل، ثم السادات وقُتٍلْ، فمبارك وسُجِنْ ، ودخلنا حقبة"الجمهورية الجديدة" وما يزال الإعلام في قبضة الدولة، وسيبقى كذلك.. باختصار: السياسة تمتطى عربة الإعلام ، والأخيرة لديها موتور مكون من خمسة شبكات تلفزيونية، تضم 11 محطة، تمتلك 45 قناة، تقدم برامج متنوعة، ما بين الأخبار، السياسة، الدين، الفنون، الطبخ، وغيره من الخدمات الإعلامية التي تلبي احتياجات المشاهدين.. موتور بقوة "100 حصان" يجر سيارة لا تسع مقاعدها، إلا فردا واحدا.
لذلك، لا يتبقى أمام طارق نور إلا إجراء عمليات تطوير للشاشات المصرية، تعيد لها الرونق والاحترام والمشاهدين، من خلال وضع "أكواد عمل" تتضمن مواصفات شَغْلْ أي وظيفة، بدءا من مقدمى البرامج وانتهاء بالمصورين، مرورا بالمعدين والمخرجين، إضافة إلى أن الأوساط المهتمة بالإعلام عموما، تنتظر من طارق القيام بعمليات تجميل سريعة للشاشات، باعتباره خبيرا في تسويق كل شيء وفي المقدمة أدوات التجميل".. إلا أن أحدا لم يتساءل: "إيش تعمل الماشطة في الوش العكر؟"
والوشوش عكرة، ليس بالمعنى الإنساني، إنما بالمفهوم الإعلامي، الذي يُجَرِمْ الكذب على المشاهدين، والتدليس على حقائق السياسة والاقتصاد والتعليم والصحة وغيرها، ما يستوجب استبدال تلك "الوشوش" التي تُنَفِرْ كثيرا من المصريين من التلفزيون، ودفعتهم دفعا إلى الاستعانة بمنصات الشبكة العنكبوتية ليتواصلوا مع بعضهم البعض في شؤون حياتهم.
بيد أن التغيير قد يصطدم برغبة الدولة، في التمسك برجالها الأوفياء، حتى لو كانت مواصفاتهم المهنية غير مطابقة لأكواد العمل الإعلامي، فضلا عن جماعات ضغط من رجال الإعمال، تتمسك هي الأخرى بأبواقها ، وفوق كل ذلك أجهزة أمنية لها رجالها المخلصين في الإعلام.. لكن الخبرة التي اكتسبها طارق من التعامل مع الحكومة، من خلال الحملات الإعلانية التي قادها لترويج بعض القوانين (الضرائب،والسياحة) وقيامه بعمل الحملة الدعائية للفريق أحمد شفيق في الانتخابات الرئاسية المصرية 2012 ، سهلت عليه مشاق التوغل في سراديب الدولة العميقة، بما يسهل عليه التعامل مع "الأمن" بمرونة وسهولة.. لذلك يمكن للرجل أن يتجاوز عقبة "الوشوش العكرة"، بكثير من علاقاته المؤثرة داخل وخارج مصر، التي تمنحه بعضا من الحصانة الأمنية، يمكن من خلالها إجراء بعض من التغيير في الوشوش التي تطل علينا منذ سنوات، وتعتقد أن لديها من الوعي والمعرفة ما يبرر المشاهدات الواسعة لها كما يزعمون، ناسيين أن مشاهد القتل والمخدرات والجنس تلقى أيضا مشاهدات واسعة، تتجاوز أعدادها مئات الملايين.
العقبة الكؤود أمام طارق، ستكون طارق نفسه.. هل يكون الموظف الحكومي التابع للدولة، الذي لا يعرف سوى كلمة "نعم" إلا قليلا؟.. أم الإعلامي الليبرالي الذي تعلم في أمريكا ويستطيع أن يقول "لا" كثيراً للأجهزة الأمنية، وينجح في الحد من سطوتها على الجهاز الإعلامي كله؟
لننتظر تجربة الرجل، إلى نهايتها ربما نعرف منه لاحقا، ما إذا كان التجميل ممكنا في مصر، أم: "إيش تعمل الماشطة في الوش العكر"..!!!!
--------------------------------
بقلم : أحمد عادل هاشم