18 - 01 - 2025

ترامب ، نتنياهو .. نيرون ، هتلر !

ترامب ، نتنياهو .. نيرون ، هتلر !

"سوف آحول الشرق الأوسط إلي جحيم" ، هكذا صرح دونالد ترامب حتي قبل أن يدخل إلي البيت الأبيض ، وانزعج سكان هذا الإقليم المتعوس وهم يتساءلون كيف هانوا إلي هذه الدرجة ، بحيث صاروا مسرحاً لتجربة احدث أسلحة وذخائر القتل الفتاكة ، إرضاء لنفوس مريضة شاذة ، من عصر هولاكو وجنكيز خان إلي عصر ترامب ونتنياهو، وتساءل طلبة كليات الحقوق وشباب الدبلوماسيين ، وربما ايضاً بعض الدوائر في قصور الحكم، عن شرعية هذا السلوك من منظور القانون الدولي.  

ربما لم يلاحظ الكثيرون التغيرات الجذرية التي طرأت علي مفهوم الأمن  القومي الأمريكي بعد هجوم الحادي عشر من سبتمبر عام ٢٠٠١ ، لعل أبرز وأخطر ما تناولته الاستراتيجية الجديدة للأمن القومي الأميركي آنذاك  في عهد الرئيس الأمريكي بوش الصغير  عام ٢٠٠٢، هو مفهوم العمل الإجهاضي  Preemative Action ،وقد لاحظت أن بعض الكتاب العرب قد ترجموا هذا المصطلح بأنه العمل الوقائي، وذلك ليس صحيحاً، لأن العمل الوقائي هو ترجمة لمصطلح آخر هو ,Preventive Action والفارق جِد كبير بين المصطلحين.

فالعمل الوقائي كما ورد في ميثاق الأمم المتحدة في المادة 40، المقصود منه هو الحيلولة دون تدهور الموقف الذي يهدد السلم أو ينتهكه أو يكون عدواناً، وذلك من خلال إجراءات مؤقتة، وهي إجراءات غير عسكرية يقررها مجلس الأمن طبقاً للمادة 41، وتشتمل على مقاطعة اقتصادية جزئية أو كاملة وغير ذلك من العقوبات.

وإذا كانت المادة 51 من الميثاق قد نصت على حق الدفاع عن النفس، فأنها قد وضعت شروطاً لعل من أهمها أن ممارسة هذا الحق مرتبطة بوقوع اعتداء مسلح، كما أن ممارسته مشروطة بقيد زمني ينتهي باتخاذ مجلس الأمن الإجراءات الضرورية للحفاظ على السلم والأمن الدوليين، ولذلك فإنه يجب إخطار مجلس الأمن فوراً بالإجراءات التي تم اتخاذها للدفاع عن النفس، وهذه الإجراءات طبقاً لنص المادة لن تؤثر بأي شكل على سلطة ومسؤولية مجلس الأمن في اتخاذ ما يراه مناسباً في أي وقت للحفاظ على السلم والأمن الدوليين واستعادتهما.

ولقد سبق لنا ولغيرنا محاولة قراءة التغيرات الجديدة التي طرأت علي الفكر الإستراتيجي للولايات المتحدة الأميركية ، والتي بدأت في تطبيقها في أفغانستان والعراق ،وهو ما اعتبرته في مقالات لي في تلك الفترة بمثابة تحول في السياسة الدولية بوجه عام، وفي الشرق الأوسط بوجه خاص، ولكن أظن أنه من المهم أيضاً أن نحاول قراءة  أبعاد تلك الاستراتيجية الاميركية المستحدثة للأمن القومي، وخاصة ما ورد حول مفهوم العمل الإجهاضي، على ضوء تطور القانون الدولي في هذا الشأن، وعما إذا كان ذلك يمثل إرتداداً في النظام الدولي أم أنه خطوة للأمام ؟.

الحرب والقانون الدولي

ولكي نتتبع بإختصار تطور هذا الموضوع، فأننا سنبدأ منذ عهد عصبة الأمم، حيث لم يتضمن تحريم الحرب العدوانية بشكل مباشر، وإن كان قد وضع قيداً على لجوء الدول الأعضاء الى الحرب، ونص على عقوبات على الدول التي تشن حرباً بالمخالفة لأحكامه، وقد كان ذلك تطوراً ملموساً بالمقارنة مع إتفاقيات لاهاي لعام 1899 و لعام 1907، فيما يتعلق بالحل السلمي للمنازعات الدولية، فلم يكن ما ورد فيها يزيد عن دعوة الأطراف قبل اللجوء للقوة، وكلما سمحت الظروف، باللجوء الى المساعي الحميدة والوساطة.

وقد تلا ذلك تطور آخر في مشروع معاهدة المساعدة المتبادلة الذي اعتمدته جمعية عصبة الأمم في 1923، حيث نص على أن الأطراف السامية المتعاقدة، يعلنون بشكل رسمي أن الحرب العدوانية هي جريمة دولية، وقد تم استخدام نفس الإصطلاح « جريمة دولية » في الإعلان الذي أصدرته جمعية عصبة الأمم في عام 1927، وواصل القانون الدولي تطوره حيث تضمنت إتفاقية باريس الموقعة في 27 أغسطس 1928، على تحريم الحروب العدوانية، ونصت المادة الأولى على أن الأطراف السامية المتعاقدة تعلن بشكل رسمي بإسم شعوبها أنها تستنكر اللجوء الى الحرب لحل المنازعات الدولية، وتنبذ الحرب في سياسته الوطنية فيما يتعلق بالعلاقات فيما بينها.

ولقد ذهب الفقيه الشهير كلسن الى أن أحكام إتفاقية باريس لم تحرم الحرب دفاعاً عن الحقوق المغتصبة، ولكن ذلك ليس صحيحاً، لأن هذه الإتفاقية قد أضافت بالفعل بعداً جديداً الى القانون الدولي يتمثل في مبدأ التخلي عن الحرب باعتبارها أداة للسياسة الوطنية، وتدعيم ذلك بإلتزام الحل السلمي للمنازعات، وذلك يعني بإختصار التخلي عن الحرب العدوانية أي تلك الحرب التي تبدؤها دولة من الدول، وتبدو قيمة هذه الإضافة إذا قورنت بمبدأ ساد في القانون الدولي يعطي الشعوب الحق في شن الحرب jus ad bellum بدون حدود أو ضوابط.

ويلاحظ أن مفهوم عدم الاعتداء قد تطور في وثائق محاكم نورمبرج وطوكيو الدولية بعد الحرب العالمية الثانية، فلم تعد الحرب العدوانية هي فقط التي يشملها التحريم، وإنما أيضاً أصبح الإعداد لمثل هذه الحرب محرماً طبقاً للقانون الدولي.

ثم جاء ميثاق الأمم المتحدة، فامتد التحريم الى مجرد التهديد باستخدام القوة، كما ورد في الفقرة الرابعة من المادة الثانية من الميثاق، ليس هذا فحسب وإنما تضمن الميثاق أيضاً إلزام الدول الأعضاء بحل المنازعات الدولية بالوسائل السلمية، كما ورد في الفقرة الثالثة من نفس المادة.

وبالنظر الى جوهر ميثاق الأمم المتحدة فيما يتعلق بموضوع الحرب، نجد أن الأمم المتحدة وحدها هي التي تملك حق استخدام القوات المسلحة ضد دولة طبقاً للمواد من 39 الى 43 من الميثاق.

الاستراتيجية الجديدة

والآن يمكننا أن نقرأ مفهوم الأمن القومي الاميركي الجديد باعتباره ليس فقط خطوة للوراء، وإنما قفزة الى ما قبل تطور القانون الدولي في تنظيم مسألة الحرب، فعلى سبيل المثال ، فان مفهوم العمل الإجهاضي يتضمن مساعدة الدول التي تتخذ المبادرة في محاربة الإرهاب، ويمكن أن تكون المساعدة مالية أو سياسية أو عسكرية، وكذلك فانه من المسموح به طبقاً لهذا المفهوم أن تقوم الولايات المتحدة الاميركية باستخدام القوة المسلحة ضد الدول التي ترفض التعاون معها في هذا الشأن، وكذلك شن عمليات عسكرية محددة ضد الدول التي تأوي الإرهاب، وأن تقوم بقلب نظم الحكم في الدول التي تساند الإرهاب حتى ولو أدى الأمر الى غزو شامل لتلك الدول.    

ولتحقيق هذه الاستراتيجية الكونية الجديدة، فقد تضمنت الوثيقة أيضاً ما هو أخطر من ذلك، حيث أن الولايات المتحدة لن تتيح لأي دولة أن تصل الى مقدرة عسكرية مساوية لها، وفي سبيل ذلك قد يصل الأمر الى استخدام القوة المسلحة للحيلولة دون وصول أية دولة لهذه المقدرة العسكرية المتقدمة، وأنه على دول العالم أن تتفهم فكرة التدخل في شؤونها الداخلية حيث أن تلك الشئون تؤثر بشكل واضح على سلامة وأمن الآخرين.

ولم يفت هذه الوثيقة الهامة أن تحدد وبدقة أبعاد العدو المحتمل الذي تستهدفه الاستراتيجية الجديدة، فالدول المارقة هي تلك الدول التي تحكمها أنظمة حكم شمولية وفاسدة، وتستغل أموال شعوبها لتحقيق مصالحها الشخصية، وهي دول تساند الإرهاب وتهدد جيرانها ولا تحترم الشرعية الدولية، وتسعى للحصول على أسلحة الدمار الشامل، ليس هذا فحسب وإنما اهتمت الوثيقة بالجانب العاطفي حيث نصت على أن تلك الدول بالإضافة الى كل ما تقدم تكره اميركا وما تمثله من قيم ومبادئ نبيلة وعلى رأسها الحرية والديمقراطية.

ولاستكمال الإطار الاستراتيجي لتلك الوثيقة، فانها تضمنت نية اميركا التصريح وبشكل علني عن انتقاداتها لانتهاكات حقوق الإنسان، والعمل بكل الوسائل ضد الدول التي تمارس هذه الانتهاكات أو لا تحكم بشكل ديمقراطي، حتى ولو أدى ذلك الى اتهامها بالتدخل في الشؤون الداخلية للدول، كما أن اميركا سوف تمضي في شن حرب فكرية داخل العالم الإسلامي، لأن أحداث 11 سبتمبر قد أثبتت أن هناك صراعاً داخلياً كبيراً داخل الحضارة الإسلامية، أي أنه ليس بالضرورة صراعاً بين الحضارة الإسلامية وغيرها، وإنما محاولة لحسم الموقف داخل الحضارة الإسلامية نفسها ، وفي هذا الصدد ستقوم الإدارة الاميركية بمراجعة موقفها بشكل دوري مع أصدقائها التقليديين في الدول الإسلامية.

ومما تقدم يتضح بجلاء أن الإدارة الاميركية أعادت صياغة القانون الدولي كي يتفق مع النظام الدولي كما تراه، وبشكل منفرد تماماً، ولذلك لم يكن غريباً موقفها السلبي من اتفاقية كيوتو، أو سحب توقيعها على النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، وهاهي تضع تعريفاً جديداً للحرب يعيد العالم الى ما قبل اتفاق لاهاي لعام 1899، وهي تحاول تجميل تلك المحاولة من خلال صياغات باهتة حول الإرهاب وحماية الديمقراطية والحرية.. إلخ، والواقع أن ما تفعله هو محاولة لتقنين الحرب العدوانية، وإعادة المجتمع الدولي كله الى المربع رقم واحد في هذا الموضوع، بحيث يكون مصدر القاعدة الدولية الوحيد هو القوة، والقوة العمياء وحدها.

ان ذلك المفهوم الجديد لا يتجافى فقط مع فكرة العدالة في أبسط صورها، وإنما يهدد وبشكل غير مسبوق السلم والأمن الدوليين، ويدخل العالم الى دوامة من الفعل ورد الفعل وبناء التحالفات العسكرية، والتسابق المحموم في مجال التسلح، ولعل ذلك يرضي غرور وجشع المؤسسة العسكرية القادرة في اميركا، أو اليمين المتطرف الذي احتل ليس فقط مقاعد الفكر وإنما أيضاً مقاعد السلطة في واشنطن، ومهمة مواجهة هذا المفهوم المتطرف لا تقع فقط على عاتق العالم العربي أو الإسلامي، وإنما هي مهمة كل شرفاء وحكماء العالم، وقبل وقوع الكارثة يجب أن تتكاتف فكراً وسلوكاً وسياسة كي نهزم هذا الفكر الرجعي الذي يريد أن يرتد بالبشرية الى عصور الغاب والناب.

أوقفوا ترامب ونتنياهو قبل أن يشعلوا الحرب العالمية الثالثة.
------------------------------
بقلم: معصوم مرزوق
* مساعد وزير الخارجية السابق


مقالات اخرى للكاتب

ترامب ، نتنياهو .. نيرون ، هتلر !