14 - 03 - 2025

التحالف العربي-الشرقي.. يطيح بالهيمنة الأمريكية والصهيونية

التحالف العربي-الشرقي.. يطيح بالهيمنة الأمريكية والصهيونية

لم يكن الاستعمار يومًا مجرد قوة عسكرية غازية، بل هو منظومة كاملة من الخداع والتآمر والنهب والهيمنة، وأمريكا اليوم هي الوجه الجديد للاستعمار القديم، الوجه الأكثر قبحًا والأكثر خبثًا والأكثر إجرامًا في تاريخ البشرية. منذ أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها، وأمريكا لم تتوقف عن شن الحروب، لم تترك دولة مستقلة إلا وحاولت إخضاعها، ولم تترك شعبًا حرًا إلا وسعت لإفقاره، ولم تترك ثروة إلا وسرقتها أو فرضت سيطرتها عليها، فالعالم العربي والإسلامي كان ولا يزال المستهدف الأول في هذا المخطط الشيطاني، لأن منطقتنا ليست فقط غنية بالثروات، بل لأنها قلب العالم ومهد الحضارات ومنبع القوة التي يخشاها الغرب، فكل دولة عربية سعت للنهوض حوصرت، وكل قائد حاول التحرر اغتيل أو شُن عليه انقلاب أو حرب، وكل جيش قوي تم إضعافه وإشغاله بصراعات داخلية، كل اقتصاد بدأ ينهض تم تدميره من الداخل تحت شعارات زائفة عن الانفتاح والإصلاح والتحديث، كل مشروع وطني تعرض للحصار والعقوبات والمؤامرات، فهل بقي هناك شك في حقيقة المؤامرة؟.

أمريكا لم تأتِ بالديمقراطية كما زعمت، بل جاءت بالفوضى، لم تدافع عن حقوق الإنسان، بل صنعت أسوأ انتهاكات حقوقية عرفتها البشرية، لم تبنِ دولًا، بل دمرت أوطانًا وشردت شعوبًا ومزقت مجتمعات، لم تحارب الإرهاب كما ادعت، بل صنعته ورعته ومولته لتبرير تدخلاتها وتدمير جيوشنا الوطنية، لم تحقق الأمن كما وعدت، بل نشرت الدمار والخراب في كل مكان وصلت إليه، لم تدعم الاستقرار، بل سعت لإسقاط الأنظمة، وتقسيم الدول، وإذكاء الفتن الطائفية، ونهب الثروات، ومن لا يزال يصدق أكاذيب واشنطن فهو إما غافل أو متآمر.

المخطط الصهيوني-الأمريكي ليس جديدًا، بل هو قديم قدم المشروع الاستعماري نفسه، وقد بدأ منذ لحظة زرع الكيان الصهيوني في قلب الأمة العربية، كخنجر مسموم في خاصرة المنطقة، فمنذ 1948 وحتى اليوم، لم تتوقف المؤامرات، لم تتوقف الحروب، لم يتوقف الدعم الأمريكي اللامحدود للكيان الصهيوني، لم تتوقف سياسات الخنق والحصار ضد الدول العربية التي ترفض الخضوع، لم تتوقف محاولات إشعال الصراعات الداخلية، وإشغال الشعوب العربية بحروب لا تنتهي ضد بعضها البعض، بينما العدو الحقيقي يقبع في تل أبيب، ويملي أوامره من البيت الأبيض، فماذا فعل العرب؟ هل انتظروا حتى يُبادوا دولة بعد دولة؟ هل قبلوا أن يكونوا مجرد بيادق في لعبة الكبار؟ هل ارتضوا لأنفسهم أن يكونوا تابعين بلا قرار؟.

اليوم نحن أمام لحظة حاسمة، فالعالم لم يعد كما كان، والهيمنة الأمريكية بدأت تضعف، والنظام الدولي الجديد يتشكل، روسيا استعادت قوتها العسكرية والسياسية، الصين أصبحت القوة الاقتصادية الأكبر التي تنافس واشنطن وتكسر هيمنتها، كوريا الشمالية رغم الحصار والعقوبات أثبتت أنها رقم صعب في معادلة الردع العالمي، إيران رغم الضغوط والعقوبات صمدت وبنت قوة عسكرية واقتصادية جعلت منها لاعبًا إقليميًا لا يمكن تجاهله، أمريكا لم تعد قادرة على فرض إرادتها كما كانت، لم تعد قادرة على شن الحروب دون تكلفة، لم تعد قادرة على إسقاط الأنظمة بمجرد التلويح بالعقوبات، لم تعد قادرة على التحكم في الاقتصاد العالمي كما كانت، النظام المالي العالمي بدأ يتغير، التبادلات التجارية أصبحت تتم بعيدًا عن الدولار، موازين القوى العسكرية تغيرت، لم تعد واشنطن تحتكر القوة كما في الماضي، بل أصبحت في مواجهة تحالفات جديدة تهدد وجودها كقوة مهيمنة، فلماذا لا يكون العرب جزءًا من هذه التحولات؟ لماذا لا يبادرون بالتحالف مع روسيا والصين وكوريا الشمالية وإيران وكل دولة تقف في وجه الهيمنة الأمريكية؟ لماذا يبقون أسرى للابتزاز السياسي والاقتصادي والعسكري الذي تمارسه واشنطن ضدهم؟.

إذا كانت أمريكا قد استخدمت حلف الناتو لإخضاع العالم، فلماذا لا يكون للعرب تحالف عسكري يضم القوى التي تواجه هذا العدوان الغربي المستمر؟ إذا كانت واشنطن قد فرضت الدولار كأداة للهيمنة الاقتصادية، فلماذا لا ينتقل العرب إلى العملات المحلية والتعامل المباشر مع الصين وروسيا بعيدًا عن الابتزاز المالي الأمريكي؟ إذا كانت أمريكا قد جعلت من إسرائيل قاعدتها المتقدمة في المنطقة، فلماذا لا يكون للعرب قواعد عسكرية مشتركة مع موسكو وبكين وبيونغ يانغ، لحماية أمنهم القومي وردع أي عدوان؟.

لا وقت للتردد، لا مجال للرهان على أمريكا، لا فرصة للنجاة من هذا الطوفان إلا بتغيير قواعد اللعبة، فمن يعتقد أن أمريكا ستحميه فهو واهم، ومن يظن أن واشنطن ستضمن استقراره فهو مخدوع، ومن يراهن على الغرب فهو خاسر لا محالة، أمريكا لا تحترم إلا الأقوياء، ولا تتعامل إلا مع من يملك القوة، ولا تقدر إلا من يستطيع أن يقول لها لا، وأكبر دليل على ذلك هو تعاملها مع روسيا والصين وإيران وكوريا الشمالية، لم تستطع فرض إرادتها عليهم، لأنهم يمتلكون القوة التي تجعلهم نداً حقيقياً لها، فلماذا لا يكون للعرب نفس الموقف؟ لماذا لا يبنون تحالفاً عسكرياً واقتصادياً واستراتيجياً يضع حداً للهيمنة الأمريكية-الصهيونية على منطقتنا؟.

التاريخ لا يرحم الضعفاء، والجغرافيا لا تعترف بالحياد، والسياسة لا تعرف الفراغ، إما أن يكون العرب قوة فاعلة في النظام الدولي الجديد، أو سيظلون ضحايا للمؤامرات والاستعمار الجديد، إما أن يتحالفوا مع من يقاتل الهيمنة الأمريكية، أو سيظلون مجرد أتباع يُملى عليهم القرار، إما أن يمتلكوا زمام مستقبلهم بأيديهم، أو سيبقى مصيرهم بيد البيت الأبيض وتل أبيب، إما أن يكونوا أسيادًا أو عبيدًا، الخيار واضح، واللحظة حاسمة، فهل نحن مستعدون للتحرك قبل فوات الأوان؟.

...........................................

بقلم: محمد عبدالمجيد هندي

مؤسس ورئيس المجلس القومي للعمال والفلاحين تحت التأسيس

مقالات اخرى للكاتب

يوم الشهيد.. ملحمة الوفاء وتاج العزة للوطن