20 - 06 - 2024

هل تطمع مصر في ثروات ليبيا ؟

هل تطمع مصر في ثروات ليبيا ؟

كما في الجغرافيا كذلك في الاقتصاد، تدفع ليبيا ثمن صراع أبنائها على السلطة والثروة.

البلد الذي تشكل تاريخياً من 3 أقاليم متجاورة متفرقة، هي "طرابلس" غرباً و "برقة" شرقاً و "فزان" جنوباً، ذابت كلها في كيان واحد قاهر للاستعمار قديما؛ يبدو الآن متجهاً في خطوات عكسية متسارعة باتجاه التقسيم على الأقل إلى بلدين متناحرين.

الشعب الذي اغتنم "الربيع العربي" لإطاحة معمّر القذافي أواخر عام 2011، فشلت نخبته السياسية والعسكرية حتى الآن في تشكيل نظام بديل ينتقل بليبيا إلى مرحلة إعادة الإعمار وترسيخ الاستقرار ودفع عجلة التنمية والعودة بالاقتصاد المعتمد أساساً على عائدات النفط إلى دائرة تفعيل الإنتاج وتحقيق معدلات نمو تتلاءم مع ثروته الهائلة المتمثلة أساساً بعاشر أكبر احتياطي مثبت في العالم.

بغض النظر عن القراءات التي تربط ما يجري في رابع أكبر البلدان الأفريقية، يمكن القول إن عمق الصراع داخل هذه الدول، ومنها ليبيا، بات ينبئ باستحالة قيام تكتلات سياسية واقتصادية في المنطقة قبل عشرات السنين.

نفط ليبيا المفضل بمواصفاته القياسية على كثير من نفوط الدول الاُخرى، أضحى اليوم غير قادر على در الأموال المطلوبة لكفاية احتياجات الخزينة العامة ومشاريع التنمية، خاصةً مع انقسام أهل السياسة إلى حكومتين، لكل منها منظّريها في الصالونات وعسكرها على الأرض..فهو، من ناحية، يدفع ثمن انخفاض سعر البرميل عالمياً إلى 50 دولار تقريباً، بعدما خسر نحو 56 في المئة من قيمته خلال 7 أشهر، وبالتالي لم تستطع الدولة أن تستفيد على النحو الأمثل من هذه الثروة.. ومن ناحية اُخرى، يدفع النفط ثمن الأعمال العسكرية والأمنية التي تحول دون استخراجه بأقصى إمكاناته ودون تصدير هذه السلعة الاستراتيجية إلى الخارج للحصول على العملة الصعبة وتعزيز احتياطات المصرف المركزي واعتمادات الوزارات المُشتتة بين حكومتين.

ومع تضرر غالبية حقول النفط والموانئ البحرية من الأعمال القتالية، تدهورت صادرات الخام الليبي دون 300 ألف برميل يومياً، أي أقل بـ20 في المئة عن 1,6 مليون برميل، المستوى الذي بلغته قبل سقوط القذافي.. (وفقاً للتقارير الليبية)

بعد أن حُرمت مصر من ثروات ليبيا على مدار خمسين عاماً هي فترة حكم الرئيس الراحل معمر القذافي أن الأوان لأن تضع مصر ليبيا صوب أعينها؛ على حد وصف مستشار رئيس الجمهورية المؤقت وقت أن كان الرئيس الحالي وقتها مشروع رئيس تمهد له كل السبل تجاه المنصب.. ويبدوا أنه بعد أن أصبح الرئيس إقتنع فعلياً بكلمات مستشار الرئيس السابق وبدأ خطوات حقيقية تجاه الفوز بقسط من الثروة واستغلال الثورة.

نظرة عبد الفتاح السيسي وحكومته تجاه ليبيا لم تكن وليدة جريمة الذبح البشعة التي إركبتها أعضاء ما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش" في حق العمال المصريين المختطفين من قبل التنظيم الإرهابي الأشرس في التاريخ فحسب.. بل كانت منذ اللحظات الأولى لثورة الشعب الليبي على نظام القذافي في أواخر 2011 بصفته كان رئيس المخابرات الحربية, ومن صميم عمله التدقيق فيما يجري داخل دول الجوار.. ولكن.. بعد قيادة لـ "خليفة حفتر" لما سميت بمعركة الكرامة ضد العصابات الإرهابية في ليبيا في منتصف العام الماضي وبلوغ "السيسي" كرسي الحكم في مصر وتوافقهما معاً على إعادة ليبيا ومصر إلى سابق عهدهما, أصبح التدخل والتواجد المصري في ليبيا كما يراه الرئيس المصري أمراً حتمياً.. بدأ بمساعدات بمعدات عسكرية وأسلحة لم تنتهي.. حتى وصلت إلى التدخل العسكري المباشر المعلن عنه بعد المذبحة.

جميع المصريين المرحبين والرافضن لوجود السيسي أو الراضين والغير راضيين عن أدائه, طالبوه بالضربة الجوية لأوكار تنظيم داعش في ليبيا ثأراً لمصر وردعاً لتكرار ماحدث.. وهو ما فعله الرئيس في إستجابة وردة فعل سريعة لم تكن متوقعة, وأعلنت القوات المسلحة عن طريق جهازها الإعلامي عن تفاصيل الضربة فور إنتهائها ببضع دقائق ووزعت على جميع القنوات الفضائية كي تذاع على المصريين ليل نهار وبات المصريين ليلتهم في سعادة غامرة بعد أن أنستهم الضربة الجوية ماذا حدث في المذبحة.. وتلك هي الأخبار التي أرادت الدولة إعلامها للشعب المصري وكفى بذلك علما.

لكن عندما نعلم من وكالات الأنباء العالمية أن التدخل المصري عسكرياً في ليبيا لم يتوقف عند الضربة الجوية التي أعلن عنها وأنه على مدار الأيام التي تلتها إستمرت عمليات إنزال لكتائب من الجيش المصري في ليبيا لتنفيذ عمليات عسكرية, إستطاعت على إثرها أسر مائة وخمسون من تنظيم داعش واستشهاد بعض الجنود المصريين وإصابة غيرهم.. وكل هذا دون أن تعلن الدولة لشعبها لتعلمه بما يحدث, أو تنفي ما تناولته وكالات الأنباء العالمية لأدق التفاصيل.. فهذا يعني أن الدولة تفعل شيئاً لا تريد أن تعلن لشعبها عنه لسبب ربما يفتقر لنبل النوايا أو القصد منه.. ربما يصل إلى درجة ممن درجات الحرب بالوكالة في مقابل إمتيازات إقتصادية لمصر في المستقبل من قبل الحكومة الليبية التي أعلنت عن رغبتها في إستمرار التدخل العسكري لمصر.. أما إن كان الأمر فقط هو الحرب على الإرهاب.. فلماذا إذاً تكون مصر وحدها في ليبيا؟

السؤال الكبير:

هل القيادة المصرية مستعدة للمقامرة بحياة وأمن وسلامة مئات الألاف من العمال المصريين العالقين في شتى بقاع الأراضي الليبية الذين أصبحوا فريسة سهلة لإنتقام تنظيم داعش من الجيش المصري, في سبيل تحقيق منافع إقتصادية مصيرها في حكم المستقبل.. أم أنها حقاً تضع حياة وسلامة المصريين في ليبيا نصب أعينها واتخذت خطوات جادة لتأمين عودتهم سالمين غانمين قبل الغنيمة الإقتصادية المنتظرة من ليبيا ؟

مقالات اخرى للكاتب

واشنطن بوست: إيران تشير إلى تطور كبير في برنامجها النووي بأحد مواقعها الرئيسية





اعلان