20 - 06 - 2024

التلاعب بالجماهير والعبث بمصالح مصر

التلاعب بالجماهير والعبث بمصالح مصر

ما أسهل أن نخاطب غرائز الجماهير، ونلعب على الأوتار العاطفية و النزعات الشوفنية، ونفجر مخزون الخوف أو الغضب أوالانتقام، ونخلق انتصارات وهمية، وبهذا نشتت وعيهم، ليتم حرف الانظار عن الفشل، والتوجهات الشريرة المضرة بمصالح الوطن والمواطن، والتي تسير في اتجاه خدمة مشاريع صهيوأمريكية، وليست وطنية، مقابل حماية كرسي الحكم، والإبقاء على تركة الفساد والاستبداد والتبعية، وشبكات المصالح الفاسدة التي انتفضنا عليها من قبل.

لكن إلى متي سنستمر في إدارة البلاد باختلاق أزمات داخلية وخارجية وبآلة دعاية سلطوية، وبتهوين الكبائر وتهويل الصغائر، وبتضليل الشعب وترك العدو الحقيقي، واختلاق أعداء وهميين، وخلق فزاعات أو شماعات نعلق عليها خيباتنا، وفشلنا على كل المستويات، أو تعطلينا المتعمد لمسيرة الديمقراطية و العدل الإجتماعي والتنمية المستقلة، الرامية لنهضة الوطن وحماية حقوق وحريات المواطن؟!

ما أسهل أن ندق طبول الحرب، ونسوق عملية دعم فصيل ضد فصيل داخل دولة جارة وشقيقة لفرض نظام موال للغرب يفتح الباب لاستغلال ثروات ليبيا، على أنه دعم لحكومة شرعية، والتزام عروبي، وثأر ممن اعتدى على كرامة مصر والمصريين، واستعادة للهيبة، واثبات أننا أصحاب ذراع طويلة تمتد للخارج، ونتجاهل خطورة اللعب بالنار، وأن الحرب ليست نزهة، وخيار أخير يتم اللجوء إليه لتحقيق مصالح عليا، بعد استنفاد الطرق الديبلوماسية والوسائل السياسية، وليس لخدمة أجندات خارجية؟

ما أسهل أن ندعي ونروج لأكاذيب، ولا نسمي الأشياء بأسمائها، ونتجاهل حقيقة أن مفهوم الحرب يعني قتال جيش لجيش نظامي لديهما قدر من التكافؤ، وليس الانخراط في  مهام أمنية، كمحاربة عدد من المتطرفين لا يتجاوزون  عشرات المئات أو بضعة آلاف في أقصى تقدير، أو التورط في لعبة سياسية كتوجيه ضربات جوية لإضعاف قوة فريق ليبي، وتسهيل مهمة سيطرة فريق آخر، في معركة لا ناقة لنا فيها ولا جمل؟، الأمر الذي يشوه من دورنا ومكانتنا ويعبث بالعقيدة القتالية لقواتنا المسلحة، ويصورنا كقوات مرتزقة نحارب بالوكالة، أو نتدخل في تأجيج صراع سياسي بين أطراف داخلية متصارعة، وليس السعى لحله، بما يصب في مصلحة كل الليبيين، وبالتأكيد مصر في المحصلة الأخيرة.

ما أسهل أن نلقي اللوم على قطر ونسوقها هي وتركيا أنها أصل كل الشرور، لدعمها التيارات الإسلامية، ونشن حملات هجوم منظمة تتجاوز الخلاف السياسي إلى الابتذال والغوغائية وتوجيه الشتائم وتحقير الآخر، فيما نقوم بنفس الدور الذين يلعبونه،  لكن في دعم بقايا الأنظمة القديمة، أو مستنسخاتها، أو التدخل في الشئون الداخلية للبلدان الأخرى. 

وكان أولى أن  نتوقف عما نقوم به أولا، ونقدم النموذج في خطاب وسلوك وسياسات الدولة المستقلة صاحبة الموقف المستقل، والمحايدة، أو التي حين تتدخل فليس بتوجيهات أو للعب ادوار بالوكالة، ولمصلحة الشعوب، وليس  لخدمة قوى خارجية ومشاريع امبريالية؟

وحتى في خلافنا السياسي وصراعاتنا مع الدول الأخرى يجب ألا ننحدر إلى مستنقع الابتذال والسوقية الذي يفسد علاقات الشعوب في المستقبل ويهدد مصالحنا، بترك مرارات وحصاد من الكراهية، حيث أن السياسة متقلبة والحكومات متغيرة، وما يتبقى هو الشعب الذي يجب عدم الاستهانة أو التضحية، بغباء واستهتار، بمصالحه.

ومن الأوفق، لو نعمل فعلا لمصلحة بلادنا أن نعرف كيف ندير خلافاتنا الداخلية والخارجية، ونأخذ مبادرات شجاعة تتجاوز المعارك الشخصية والحساسيات الخاصة، ما يساعد في أن نحتوي الحكومات المناهضة لنا، حيث أن التقارب مع قطر وتركيا وأيضا إيران المتورطة مثل مصر ودول الخليج في كل الصراعات العربية يمكنه  أن يحلحل الكثير من الملفات، وينعكس ايجابيا على كثير من التوترات القائمة في مجمل الخارطة العربية.

لكن لو استمررنا في  تلاعبنا بوعى الجماهير أكثر من هذا، بتوظيف كتيبة الاعلام التي لدينا، و استغلال عدم وجود نخب سياسية وثقافية حقيقية تقف بالمرصاد، وتناهض هذا العبث اليومي بمقدرات البلاد ومصيرها، فأننا نعرض مصر لخطر داهم وجدي، ولن نصل إلى أى شئ، سوى المزيد من الخسائر في الداخل والخارج، وفاتورة ضخمة سيدفع كل الشعب المصري ثمنها لسنوات من حقوقه وحرياته، وأيضا من تماسك هذا الوطن واستقلاله ومقدراته.

أخيرا، عدونا الحقيقي كان وسيظل الكيان الصهيوني والأمبريالية التي تعرقل نهضتنا، وليس الارهاب ذاك العدو الوهمي المصنوع أو الذي يتم تضخيم خطره  لحرف بوصلتنا عن أعدائنا الفعليين، واستنزافنا، والذي من السهل مواجهته حال وجود حكم وطني يحظى برضاء شعبي، وجبهة وطنية قوية متماسكة وليست منهارة أو منقسمة، وبمشروع نهضوي تنموي وثقافي يستوعب الجميع، وفي إطار منظومة الأمن القومي العربي غير المنحرفة أو المخترقة الموجهة لمصالح أجندات الخارج كما هو حادث الآن، والتي لا يتم الحديث عنها واستحضارها إلا حين يراد لنا لعب أدوار وظيفية مشبوهة وشريرة تضر في المدى القريب والبعيد باستقلالنا الوطني، وتستنزف مواردنا، وتكرس لإستدامة الاستغلال والتبعية.

مقالات اخرى للكاتب

واشنطن بوست: إيران تشير إلى تطور كبير في برنامجها النووي بأحد مواقعها الرئيسية





اعلان