27 - 09 - 2024

شجرة الخوف ليس لها ثمار ولا تسكنها العصافير

شجرة الخوف ليس لها ثمار ولا تسكنها العصافير

الخوف لا يصنع فنا ومن عجائب فكرة الخوف تلك أنه من الممكن أن تكون شخصية جبانة فى الحياة وجريئا فى مهنتك، مواقفك مترددة وعائمة فى الواقع وواضحة ومحددة وحادة فى مهنتك وفى الفن والأدب تتجلى تلك الشخصيات التى تبدو منضبطة تماما فى الحياة كالساعة خاضعة لسلمها الوظيفى والعمرى والاجتماعى فى صبر وأدب وتقليدية محافظ لم يبتل لسانه بماء بحر التمرد المالح تتعاقب عليه الأنظمة السياسية وهو محايد صامت لكنه حينما يصبح منفردا مع موهبته سواء كانت ورقة أو آلة موسيقية أو كاميرة ستجده مجنونا مجازفا صريحا قويا مقاتلا وكأنه شخصيتان إحداهما فى الظاهر تختفى خلف القواعد والحوائط الصارمة للمجتمع والأخرى جانحة جائعة ظامئة لا يرويها نهر العادى والسائد.. هو غير آبه بتقديم صورته كثائر فى الشارع أو أمام الشاشات أو على مكتبه ولا حتى على السفرة فى بيته عند الغداء وسط أسرته.. أو ذلك الكاتب الأسطورة الدؤوب المقاتل الذى يصنع روايات تثير الجدل فى كل الأوساط وتقتحم التابوهات الثلاثة بقوة وتمكن.. وحينما تلتقيه تراه هادئا متواضعا زاهدا وجلا مترددا يتحرج فى أن يقول حتى رأيه لنادل المقهى فى كوب الشاى الذى زاد سكره عما يريد ويشربه مبتسما… وظاهرة الفنان والكاتب الجرىء فى فنه وصنعته والخائف فى حياته موجودة ومتكررة والنظم القمعية انتجت أيضا فنونها ولكن فنون هاربة منها فنون خارج إطارها فنون تلجأ للرموز والتشفير أو تتحمل عواقب تأويل القصد والنية وتظل الموهبة الفردية دائما أسبق وأذكى من النظام الآلى الموجه.. ولكن إن كان يجوز أن يكون الفنان قويا فى فنه وضعيفا فى حياته لكن هذا المثال لا يجوز أن ينطبق على الدول والأنظمة فالنظم الخائفة لا تنتج فنا حقيقيا ولا تخلق فكرة مضيئة وتضطر نتيجة الخوف أن توجه الفنانين.. وأى قصيدة لشاعر تحفظها الأجيال تكون بتوجيه من السيد رئيس مجلس إدارة الشعر؟؟؟ وأى لقطة خالدة يصنعها مخرج يجلس شاردا فى رأى السيد الوزير؟؟؟؟؟..لأن ببساطة يبقى الصدق ويزول الافتعال.. كم من أفلام ومسرحيات وأوبريتات قامت على التوجيه ولم يبق منها حرف ولا نغمة ولا لقطة … والتوجيه ليس دوما من النظم والحكومات لكنه متعدد المصادر فقد يأتى التوجيه من صاحب المال أو صاحب الشهرة أو صاحب التأثير.. والفنان إلى جوار عمله الأساسى عليه أن يكون بارعا فى مهنة أخرى ضرورية هى مهنة قفز الحواجز حواجز توجيه الدولة والمنتج والممثل والزوجة ونفسه وإعجاب الناس والسائد ومغازلة الأغلبية وأقساط الشقق ومدارس الأولاد وغلاء الأسعار والروتين اليومى واللصوص والأفكار الحقيقية والأفكارة الشبيهة بالحقيقية وطريق طويل لا آخر له يقفز فيه ويمارس عمله فى نفس الوقت إلى أن يصل إلى ما يريد وحتى هروبك المبالغ فيه من التوجيه هو توجيه عكسى التوجيه الوحيد المقبول هو أن توجه أفكارك نحو الصدق والحرية حتى وإن بدت لك تقليدية أو قديمة أو مبالغ فيها فالغرض مرض ومرض قاتل.

هذا المحتوى من «المصري اليوم».. اضغط هنا لقراءة الموضوع الأصلي والتعليق عليه