26 - 06 - 2024

"الحالة صفر".. في مديح الماريجوانا

لعل أبرز ما يميز رواية "الحالة صفر"، هو أن كاتبها شاعر، وهو ما يصعب العثور عليه أو تلمسه في روايات كثيرة كتبها شعراء، سواء من جيل عماد فؤاد نفسه أو من أجيال سابقة أو لاحقة. في "الحالة صفر"؛ العمل الروائي الأول لعماد فؤاد بعد خمسة دواوين شعرية، يبدو النثر غاية في ذاته. لكن ذلك لا ينفي صفة الرواية عن هذا العمل الذي بنى تميزه كذلك على التطرق إلى عالم جديد على الرواية العربية إلى حد ما، وهو امتداح عالم المخدرات، من منطلق شعري محض، ولاعتبارات انسانية، بما يذكرنا بغرام شعراء عرب قدامى بالخمر مثلا عبر قصائدهم، أو غرام شاعر معاصر هو اللبناني بول شاؤول بالسيجارة.

هنا تمتدح "الحالة صفر" نبتة الماريجوانا بصفة خاصة، وتسميها "الأرملة البيضاء"، بينما يتعامل عماد فؤاد مع فصولها باعتبارها مراحل نمو تلك النبتة التي لا تجود بجسدها وروحها أبدا إلا لمن يحسن الاعتناء بها إلى حد العشق والوله.

الاعتناء الفائق بـ"الأرملة البيضاء"، يتشارك فيه صديقان، رجل وامرأة، في ركن من شقة الأخيرة، في إحدى مدن بلجيكا، ليحصلا منها بعد اكتمال نموها على "مؤونة"، تكفيهما لبضعة أشهر، وتغنيهما عن مخاطر جلب ما يحتاجانه من المخدر من تجار ليسوا دائما أمناء، فكم وقعا في براثن من يبيعونهما "سبانخ مجففة" مثلا على أنها ماريجوانا أصلية.  

رواية يكمن جمالها في أن كاتبها شاعر يحتفل بالجسد من حيث كونه مكمن الروح ومرتقاها. ليس جسد المرأة أو الرجل فحسب، بل أيضا جسد نبتة تزهو بروح تتسامى فوق الإهمال. ومؤخرا قرأتُ عن نتائج دراسة على فئران توصلت إلى أن المكونات الفعالة في هذا المخدر تعكس وظائف مناطق كبح الشهية في الدماغ، وقال علماء الأعصاب في دورية "نيتشر" البريطانية، إنه عندما تُعكس الأوضاع تنقلب حال الخلايا العصبية التي كانت تطلق إشارة مؤداها "أنت شبعان توقف عن تناول الأكل"، وتصدر أوامر بمواصلة الأكل. وضمن ما قرأتُه في هذا الصدد أيضا حقيقة أن تدخين الماريجوانا يجعل المتعاطين يقبلون بشراهة على تناول الوجبات الخفيفة من الحلوى أو المقرمشات المملحة، بقيت منذ وقت طويل من المعتقدات الراسخة لدى الناس وفي الكوميديا أيضا، لكن تفسير ذلك ظل معضلة علمية، وتضمنت بعض الأفكار ارتباط الماريجوانا (التي يندر وجودها في محيطنا العربي على أي حال!) بزيادة مستوى الإدراك الحسي، فعلى سبيل المثال، توصلت دراسة أجراها علماء في أوروبا إلى أن المكونات الفعالة في الماريجوانا المعروفة بـ "كانابينويدات"، تؤثر في مركز الشم في أدمغة فئران التجارب، ونتيجة ذلك كانت الحيوانات تحبذ شم الطعام وهو أمر يثير الشهية!

المهم أن عماد فؤاد، الذي أرجح انه لم يطلع على تلك الدراسة، يركز هنا على ما يثير الشهية، ليس للطعام، فحسب، بل للجنس أيضا، والأهم، إلى إدراك ما يصعب إدراكه من دون بلوغ "الحالة صفر"، التي تعي بطلة العمل؛ "ميشيل" أنها حالة روحية بامتياز، تشبه ذروة الوجد لدى المتصوفة. "ميشيل"، لا تعرف لها أباً، وعانت التشرد طويلا في غير بلد أوروبي مع أمها، لكنها تقدس العشق الذي هو أساسا لقاء روحين قُدِرَ لهما الائتلاف. وفي تصوري أن الأكثر أهمية، هو أن عماد فؤاد الشاعر، يثير، ربما من دون تعمد، شهية القارئ إلى أبعد مدى، ليس بمجرد مشاهد ايروتيكية أثبت من قبل قدرته على رسمها برهافة ورُقي، وإنما بلغة اعتنى بها تماما، كما اعتنى بطلاه بـ"الأرملة البيضاء".       

"الحالة صفر"، رواية عماد فؤاد الأولى، رسمت هبة خليفة غلافها بحيث يطابق وصف الراوي لـ"فتاة الماريجوانا"، وكان يمكنها لو اعتمدت على خيالها أن تضع غلافا أجمل. أما نبتة الماريجوانا، التي كاد السارد أن ينطقها، وليته فعل، فهي بطلة في هذا العمل، الصادر مؤخرا عن دار "ميريت"، والذي يهديه عماد فؤاد الى صديقه الراحل هاني درويش: "هذا ما وعدتُك به، وها أنا أفي بما وعدت"، ومن هنا حملت فصوله عناوين: الزهرة، الورقة، الساق، الجذر، البذرة.. والاحتفاء بالجسد/ الروح، هو أهم ما يربط الرواية بدواوين عماد فؤاد، وأيضا الاحتفاء بالكتابة الى حد التقديس.

تلك انطباعات أولى، فالأهم الآن أن أضعكم قدر الامكان في جو هذا العمل الايروتيكي البديع: "نائم على أحلامه التي راحت، غاف مثل ملاك وحيد، منزو في عزلته، صامت صمت الوحشة والقهر، مضبوط على عقارب دورته، في الحياة التي قدرت له. كان هناك، لكنه علق في الهامش، الجميل الغافي بين فخذيّ يملك أسراره".

##

مقالات اخرى للكاتب

وفاة 6 أشخاص وإصابة 3 آخرين في حادث تصادم سيارتين بكفر الدوار





اعلان