26 - 06 - 2024

صفصاف الوطن

صفصاف الوطن

أُعطيكَ

– وَحدَكَ-

 نَبرَتِى وَلِسَانِى

يَا أيُّها الصَّفصَافُ

هَل تَرضَانِى

هل تُبصرُ المُدنَ الخَبيئَةَ فِى دَمِى

حَدِّقْ قَليلاً

إِنَّها أوطَانِى

هَذِى الحُقُولُ

أُحبُّهَا وتُحبُّنى

بالخَيرِ حِينَ أَجيئُها تَلقَانِى

هَذِى الشَّوارِعُ قِصَّتِى،

قَدْ صُغتُهَا

مَعَهَا مَضَيتُ إِلَى ذُرَى المَيدَانِ

قَدمَاىَ قَد مَضَتَا بِهَا

نَشْوَانَةً

واخْترتُ فِى حَارَاتِهَا عُنَوانِى

هَذِى الكَتَاتِيبُ

الَّتِى شَاكَستُهَا

طِفلاً غَرِيراً

صَادِقَ الإِيمَانْ

قَدْ عَلَّمَتْنِى

كَيفَ أَرفَعُ هَامَتِى

فِى العَينِ تَسطَعُ عِزَّةُ القُرآنِ

هَذِى الطُّفُولةُ وَالشَّبَابُ

هَدِيَّتِى

للأَرضِ، للأَجْوَاءِ، لِلإِنْسَانِ

أعجب منى، كيف أغرق فى نوبة من التأمل الرومانسى، فى تلك الساعات التى تطالب بمنتهى الواقعية، وكيف أسلم ذاتى إلى ذلك الأفق المدهش من التحليق فى أسرار الوطن، وفى ملامحه، وفى قسماته، فى أكثر اللحظات حاجة إلى الهتاف والاحتشاد؟!

ربما لأننى أبداً لم أؤمن بالهتاف والصراخ وشد الحناجر، ولا أنا صدقت أن الخطابة والمباشرة والدعائية يمكن أن تلامس سقف الحقيقة. وربما لأنى أؤمن أن الثورة الحقيقية هى فعل رومانسى خالص، وأن الثائر الحق هو رومانسى بامتياز.

نعم أنا أؤمن تماماً بأن ملامسة قلب الأشياء هى الطريق الأسطع نحو الحقيقة، وأن هذه الملامسة لا يمكن أن تحدث ما لم يملك الإنسان طاقة لامحدودة على التأمل الرومانسى المدهش، ذلك التأمل الذى لا يمثل هروباً من الواقع بقدر ما هو تسامٍ عن الانغماس فى تفصيلاته الصغيرة، ومحاولة للقبض على جوهره الناصع.

لينغمس السياسيون ما شاء لهم الانغماس فى تفصيلات المشهد ويومياته، وليبق لنا نحن أن نبحث عن جوهر اللحظة الكبرى، والمعنى الأصيل، والسر الكامن، والحقيقة الباقية.

ليخطب من شاء أن يخطب، وليهتف من شاء أن يهتف، وليتعارك من شاء أن يتعارك، ولنحاول نحن أن نفهم، وأن نتبع ذلك النور الذى ينتهى هناك حيث الحقيقة، الحقيقة وحدها، المبرأة من كل زيف أو ضلال أو هوى.

موجعة قلوبنا نعم، مثقلة أنفسنا نعم، ضيقة صدورنا نعم، لكن هذا الوجع وهذا الثقل وهذا الضيق لن تسير بنا خلف الأوهام والضلالات، ولن تحشدنا فى طريق الخطابة والهتافات، وإنما ستزيدنا إصرارا على أن نتأمل ونقرأ ونفهم علنا نلامس قلوب الأشياء.

##

مقالات اخرى للكاتب






اعلان