29 - 06 - 2024

حقيقة تؤلم افضل من زيف يريح

حقيقة تؤلم افضل من زيف يريح

الى كل صحفي صادق مع نفسه و مع الاخرين، الى كل صحفي يؤمن بان لابد للإنسان ان يترك اثرا حميدا في هذه الحياة لان قيمته تكمن في الفعل و العطاء ، و عدم الرضى بالواقع على علاته و العمل على تغييره دون ارتداد الى الوراء رغم ما سيلاقيه هذا الصحفي من عراقيل و متاعب...

تلك مهنة الصحفي ، صاحب الضمير و صاحب الحس النابض، الذي لا يخشى في قول الحق لومة لائم، ذلك الذي يؤمن بان مهنته هي مهنة المتاعب، فلا يخاف ان يضع نفسه في صلب القضية و داخل المعمعة لأنه و لاشك من ذوي البأس و رواد الافاق النائية، لا كأولئك الذي يتفصون من الخطر فلا تكاد كتاباتهم تحدثنا بموضوعها ، هو ذلك الصحفي الذي يرفض ان تتهاوى صحيفته او ان تصاب بريح العدم... هو ذلك الصحفي الذي يأبى ان تتقاذفه الاهواء او يجرى وراء المغنم... ان كل صحفي من هذه الطينة لاشك انه قد اختار الرفعة و الانفة و اثر ان يعمل مرفوع الرأس، عالي الهمة شامخا، عصيا،و ان يبني سدا بينه و بين الكسب اللامشروع و الثراء العاجل...

لاشك و انه يحمل بين جنباته نفسا تحترق لتضيء دروب الآخرين و قلب يتعب ليريح الجماهير  و يملك قلما ليدون الحق و لا شيء غير الحق، بعيدا عن التضليل و كتمان الحقيقة و نقل الاكاذيب. لعمري لو التقيت هذا الصحفي ، لاعلمك دون شك كم لاقى من صعوبات، كم ناضل في سبيل كشف الحقائق و عدم السكوت عن الزيف و المغالطات ، كم تعرض الى ملاحقات و تهديدات و مخاطرة بالذات، و كم حاول بعضهم ارشاءه مقابل الصمت و السكوت تلك هي مهنة الصحفي الصادق و النزيه، فهو يحترق كالشمعة شيئا فشيئا ليضيء طريق الجماهير، و هو يسهر الليالي من  اجل كتابة مادة اعلامية قوية المبنى و المعنى ، خالية من كل كذبة او ايهام.

ان هذا الصحفي لا يأبه ان يكون دائما في مرمى "النيران الصديقة" او النيران " غير الصديقة"، بل همه الوحيد هو تقديم مادة اعلامية متكاملة، دقيقة، صحيحة و مثمرة، فلا شيء يسعده سوى تقديم مقالات محصنة  المبنى و المعنى و الدعائم، مقالات شعارها البناء ، و كلماتها الصدق، و نصوص عمارها الحق، صحفي لا يؤمن بخداع ذاته او القرّاء و لا يهون عليه الصدق، فهو قد نذر نفسه الى قول الحق و دحض الباطل و كشف الحقيقة من كافة اوجهها، و هو يرفض ان يكون بيدقا يتلاعب به بين اولئك الذين تعودوا تسويق الوهم و السيطرة على عقول الجماهير بإعلام مزور، يعتمد في مجملة على قلب الحقائق و تدبير الاكاذيب و ادانة البريء و تبرئة المدان و تسخير المعلومة حسب المصلحة و المنفعة.

ان هذا الاعلام المفبرك، الذي يخلو من كل موضوعية او افادة هو قريب الى الهدم منه الى البناء ، فهو يعتمد اساسا على الزج بالمتلقي في دائرة الشك و الحيرة و الخوف و بذلك يصعب عليه الفرز بين الصواب و الخطأ.

فهل هذا الاعلام يعمل على افادتنا م اعاقتنا و هل يعمل على تطورنا ام تأخرنا؟

ان زمننا هذا هو زمن الاشتعالات الكبرى و مرد ذلك الى حد كبير هو الاعلام ، و عليه فالجماهير مدعوة الى مزيد التحري قبل تصديق المعلومة من خلال التقصيات الدقيقة و ملاحقة التفاصيل لان بلوغ الحقيقة ليس ضربا من المستحيل .

ان حب الوطن من الإيمان فهل هكذا اعلام يباع بالمزاد و يحجب الحقيقة و ينشر الاضاليل يساهم في بناء الاوطان و تقدم شعوبها ام يعمل على انتكاسها و انحدار جماهيرها؟

مقالات اخرى للكاتب

العرب بين ماض متوازن و حاضر مغتصب





اعلان