16 - 08 - 2024

علاء الميدان والثوار الملائكة

علاء الميدان والثوار الملائكة

في حضرة سيدنا الميدان

.....................

علاء، واحد من أطفال الشوارع الذين ظهروا بالميدان مع بزوغ عصر 25 يناير. اعتاد -ومن حوله من البياعين- أن ينطق اسمه "عِلاء" (بكسر العين). كان مقيما دائما بالميدان في التمنتاشر يوم الأولى المجيدة (من عمر الثورة غير المجيدة حتى تاريخه) وبعدها لشهور. مرة وانا قاعد معاه اتفقنا أعلمه يكتب اسمه، ماكانش معايا ورقة وقلم فقلت له: استناني زي نص ساعة أجيب ورقة وقلم وارحع لك. رجعت له بعدها بساعتين تلاتة، لاقيته لسة قاعد مستنيني. وقدرت يومها أعلمه ازاي يكتب اسمه ثلاثي، وينطقه بفتح العين "عَلاء".

-------------------------------

بعد انقطاع عن العمل، بدأ تدريجيا يوم 25 يناير، وبلغ ذروته يوم جمعة الغضب، بدأ بياعين وسط البلد ينزلوا بكثافة، بعد الخطاب الثاني للمخلوع مبارك (مساء الثلاثاء 1 فبراير)، والذي أعلن فيه تعيين "عمر سليمان" نائبا له، وأعلن نيته عدم الترشح لفترة رئاسة تالية.

هنا، قرأ المنخرطون (عن وعي انتهازي) في تلك المنظومة من أصحاب المشروعات الصغيرة أن شرعية جديدة بدأت تظهر ملامحها في الأفق. بدأ يستجيب لها حسني مبارك (بجلالة قدره). فقالوا: إذن فلنطلق الباعة على ثوار التحرير ليقدمون لهم الأطعمة والسجائر والمشروبات، ووافق الباعة على ذلك، ليس حبًا في الثوار ولا نكاية في مبارك، ولكن من أجل قوت يوم أو اثنان.

....

تشير بعض الإحصائيات أن عدد المنخرطين في منظومة بائعي الأرصفة في مصر يتجاوز الخمسة ملايين، وباستثناء مشاركاتهم المؤثرة يوم جمعة الغضب (مع أو ضد الثورة)، نسوا كل شئ وعادوا إلى حظيرتهم سريعا، من أجل قوت يوم أو اثنان، أو أسبوع واحد على أكثر التقديرات تفاؤلا.

...

وعلى الرغم من بساطتهم حينًا وعنفهم أحيانًا إلا أنهم دومًا ما يبدعون في قراءة معطيات النظام القائم وإجراءاته التي قد تتمثل في؛ مجرد أمين شرطة ولا مخبر بجرنان قاعد وسطيهم، من أجل البقاء ببضائعهم الفقيرة في الشارع لأكبر فترة تضمن لهم استمرارية الحياة وتوفير الكفاف من سبل المعيشة. ومع الوقت اندمجوا مع الثوار، ووفروا لهم الملابس الداخلية، والشرابات، وغيرها من السلع التي بدأت تظهر الحاجة إليها عند المعتصمين بالميدان لما يقارب الأسبوع.

وقبل أن يتنحى مبارك، كان أصحاب الأعمال الصغيرة قد توقعوا تنحيه، فكانت مطابعهم وورشهم الصغيرة جاهزة بتصميمات عديدة، بما في ذلك التصميمات التي وظفت صور الشهداء، للتعبير عن الثورة. طبعوها على تيشيرتات واستيكرات وقلادات وطواقي، وبوسترات. نشروها في الأسواق، وبلغت ذروة مبيعاتها في الساعات التي تلت لحظة تنحيه وحتى فجر اليوم التالي، لدرجة أن "علاء" أخبرني أنه باع في تلك الليلة استيكرات الثورة بأكثر من ألفي جنيه، فيها ربحًا صافيًا (من وجهة نظره) 500 جنيه، نال من صاحبها 15 جنيه أعانته على قضاء حاجته من الأكل والشرب وبعض أقراص الترامادول لتمنحه المدد لبقاء واستمرار حياته بالميدان ليوم آخر.

...

بعد فترة وجيزة، اختفى "علاء الميدان"، ولما سألت عليه عرفت انه كان هربان من أبوه الذي يعمل مزارعا أجريا في إحدى قرى الفيوم. وقالولي ان أبوه جيه خدوا ورجعوا بلدهم تاني.

....

جاء علاء الميدان وذهب، بينما الثوار الملائكة يقرفصون تحت ظلال أعلى شجرة بالميدان، ينشدون أغاني الثورة ويختلفون حول معنى ومضمون مصطلحات ومفاهيم من عينة؛ التاوية والطوطمية والتروتسكية والفوضوية .. الخ الخ الخ.. إلى آخر إلخ.

...

مدد ومدد ومدد

مدد يا سيدنا الميدان مدد

##

مقالات اخرى للكاتب

أنا وانت والمناخ | الموضة المستدامة