28 - 06 - 2024

نازلين التحرير

نازلين التحرير

من أهم الأفلام التسجيلية التي تناولت ثورة 25 يناير , الفيلم يعيد إلى أذهانك وظيفة الفن في الإمساك باللحظة والسيطرة عليها , قيمة الفيلم أنه يدخلك في قلب الثورة فتصبح واحدا من المتظاهرين الثوار , يعانق الفيلم اللحظة الآنية فيطرح نفس الأسئلة المعلقة دون إجابة منذ قيام الثورة وهى أسئلة تضع الثورة المضادة في قفص الاتهام وتعرى المجلس العسكري ودوره في إجهاض ثورة يناير وتحالفه مع تيار الإسلام السياسي ,واستمرار أهداف الثورة دون تحقق , وتأتى صور الضحايا والدماء المهدرة والعيون المفقوعة والجثث والفتيات اللواتي تعرضن للاغتصاب والتعرية والانتهاك الجسدي كلها تأتى كأدلة توثيقية تدين القتلة ,يعرى الفيلم بوضوح استخدام الدعاية الدينية في الانتخابات !كما يفضح الدور القذر للأذرع الإعلامية للثورة المضادة التى شوهت الثورة ونعتت الثوار بالمخدرين ومتعاطي الترامادول ,بينما تأتى الصورة لتنفى ذلك وتجسد آلام المصابين وتضحياتهم ودموع أهاليهم وصرخات المطالبين بالعدالة الاجتماعية بينما تشي ملابسهم بالإفقار المجرم الذي تعرضوا له طوال سنوات مبارك , أستخدم المخرج سميح منسي مشاهد حقيقية من قلب التظاهرات ,أهميتها أنها لم تعرض من قبل من خلال التغطيات الإخبارية فحملت الجدة والطزاجة ,كما صورت الوهج الثوري في انطلاقاته الأولى مما أعاد للذاكرة الجمعية لحظات تاريخية حرص إعلام رجال المال على محوها وعدم إذاعتها منذ سنوات فى مؤامرة تستهدف عسل الأدمغة ومحو الذاكرة الثورية بل وتشوبيها , وأهمية الفيلم تأتى أيضا من إعادة الذاكرة الصورية للمواطن المصري والإمساك بلحظة الثورة باعتبارها فعلا شعبيا عادلا لم يحقق أهدافه ,بل أن المخرج من خلال اللقطات المصورة قدم أسباب عدم تحقق الأهداف وأدان من خلال شهادات المتظاهرين المتهمين بتبريد الثورة ثم اغتيالها وهم المجلس العسكري الأول وتحالفه مع الإخوان !

لا يغرقك المخرج في الميلودراما ولكنه يقطع المشهد بعد أحدث فيك تأثيرا بالغضب وشحنك بمعاناة من قتل أو أغتصب أو سالت دمائه , ليبقى هذا الألم يحاورك ويؤرقك ويتفاعل بغضب بداخلك !وهذا تأثير درامي أكبر من فكرة تطهيرك بالبكاء الذي سيجعلك تنسى كل شيء بعد انتهاء الفيلم .

قيمة فيلم نازلين التحرير في كونه وثيقة أرشيفية يمكن الرجوع إليها لفهم ماذا حدث لثورة 25 يناير ,والفيلم سيتبعه المخرج بجزء أخر يجسد الأحداث حتى يوم  30 يونيو و3  يوليو 2013 , يشعرك العمل بأن الثورة ناقصة ,ولهذا تأتى نهاية الجزء الأول والمتظاهرين يحملون نعوش رفاقهم ويهتفون منادين باستعادة الحقوق , ويقر فى وجدانك انه حتما سيكون هناك جزء ثان وثالث للفيلم وللثورة أيضا تتحقق فيه الأهداف من عدالة اجتماعية وانتقالية وقصاص وحرية وكرامة إنسانية .

الفيلم يفضح أيضا غياب دور مؤسسات إنتاجية كبيرة كقطاع الإنتاج وصوت القاهرة ومدينة الإنتاج الإعلامي , كان لزاما عليها توثيق مرحلة تاريخية هامة من تاريخنا , ولكنها غابت  أو غيبت وجف إنتاجها كله من سنوات لأسباب غامضة وغير مفهومة , أو ربما غابت عمدا لإتاحة الفرصة للمنتج الخاص والعربي والتركي, ليسيطر على كعكة الإنتاج الدرامي والتسجيلي , ربما يتعرض الإنتاج الدرامي والتسجيلي لمؤامرة مشابهة للمؤامرة التي تعرضت لها ثورة 25 يناير , من الضروري أن يستكمل المركز القومي للسينما إنتاج الأجزاء المتبقية من الفيلم , وأن يسهم في عرض الفيلم تليفزيونيا , وعرضه من خلال قصور الثقافة ودور العرض السينمائي التابعة لها والمعطلة عمدا .!فالفيلم مكان عرضه الحقيقيى ليس دار الأوبرا ومركز الإبداع ولكن يجب أن يصل الفيلم لمستحقيه ولصناع الثورة ولكل المحافظات المحرومة ثقافيا ومعيشيا . 

مقالات اخرى للكاتب

د. محمد مهران: سد النهضة يرقى لجرائم ضد الإنسانية ويستدعي تدخلاً دولياً عاجلاً





اعلان