28 - 06 - 2024

د. ناجح ابراهيم يكتب: كيف فعل الغنوشي فقه المصالح والمفاسد

د. ناجح ابراهيم يكتب: كيف فعل الغنوشي فقه المصالح والمفاسد

  عندما سئل راشد الغنوشي: لماذا لم ترشحوا أحدا لرئاسة الجمهورية ؟!  قال بعد شرح طويل كلمات هامة جدا ً " الانتقال من السلطة إلي المعارضة خير من الانتقال من السلطة إلي السجن .. ولئن نكون في المعارضة خير من أن نكون في السجن "

 لقد أدرك الرجل أن صراع حزبه على السلطة أو إصراره على الاستئثار بها أو التربع على عرشها سيضعه في مواجهة مفتوحة مع مؤسسات الدولة ومعظم القوى السياسية التونسية .. وهذا الصراع المفتوح سيضيع السلطة  ومعه الاستقرار في تونس وسيؤدي في نهايته إلي احتمالين:

- إما الموت والذهاب إلي القبر.. وإما الذهاب إلي السجون مع دوامات من موجات التكفير والتفجير والدماء والثارات والأحقاد والرغبات المتبادلة في الانتقام .

- أما الخيار الثاني فهو بعيد عن القبور والسجون..  وذلك عندما يكون حزب النهضة في المعارضة أو مشاركا ً في السلطة بنسبة قليلة .

 وفي هذه الحالة سيعم السلم الاجتماعي ولا تعرف الدماء طريقها لتونس  .. ولا يتحول الصراع السياسي البارد إلي دموي فتصحبه موجات التكفير والتفجير من جهة ونوبات القبض والاعتقال والتخوين أو الرد بالرصاص من جهة أخرى.

  لقد استحضر راشد الغنوشي " فقه المصالح والمفاسد" فنجا وحزبه بهذا الفقه ونجت تونس كلها من شرور لا يعلمها إلا الله .. ذلك الفقه الغائب عن دنيا المسلمين عامة والحركة الإسلامية خاصة التي تعشق المطلق والكلمات الطنانة والرنانة التي تدغدغ العواطف وتطلب المستحيل فتضيع الممكن .. وتريد كل شيء فتفقد كل شيء .

 ذلك الفقه العظيم كتب عنه فقهاء عظام أبرزهم العز بن عبد السلام " قواعد الأحكام في مصالح الأنام " منذ عدة قرون .. وقد شرفت بشرح هذا الكتاب مرات ومرات .. وقد قال بعض فقهاء الإسلام العظام "أن الإسلام والفقه والحياة كلها تتلخص في تحصيل خير الخيرين بترك أدناهما وأقلهما  إن لم  يستطع تحصليهما معا ً.. ودفع شر الشرين وذلك بارتكاب أخفهما ضررا ً إن لم يستطع دفعهما سويا ً".. هذا الكلام النفيس قاله فقهاء الإسلام العظام الذين يشتمهم البعض سفها ً وجهلا ً وغباء ً اليوم ولا يدري أنهم وضعوا أعظم قواعد العلم الشرعي الذي لو أكملته الأجيال الأخرى لكان لأمتنا شأن عظيم

وقد طبق العز بن عبد السلام نفسه هذه القواعد فقد رأى التتار على أبواب مصر ولا يصلح لدفعهم وهزيمتهم سوى المماليك فوضع يده في يدهم وأيدهم بقوة وجمع لهم التبرعات الكثيرة وحشد لهم الشعب المصري ليكون معهم في معركتهم الفاصلة وتغاضى عن كل ظلمهم  وعسفهم وهناتهم السابقة .. وأدرك أنه لا هو ولا غيره من أهل العلم أو الدعوة يصلح للتصدي لهذه المهمة.. وفعلا تحقق النصر على التتار في عين جالوت.. لأنه طبق هذا الفقه العظيم .

 ولو كان شيخ الإسلام العز بن عبد السلام قد قبض يده عن دعم المماليك بحجة مظالمهم لاجتاح التتار آخر معاقل العروبة والإسلام وانتهى كل شيء إلي غير رجعة.. ولانتهت أمة العروبة والإسلام.

 إنه قبول خير الخيرين ودفع شر الشرين ما لم يمكن جمعهما أو دفعهما.. فما أجمل أن يجتمع السلطان مع القرآن .. والكتاب الذي يهدي والحديد الذي ينصر .. وصاحب القوة وأصحاب الحق والعلم.

 فما اجتمع القرآن والسلطان إلا وأتى الخير معهما .. وما انفصلا إلا ووقعت  الشرور والفتن .. فالكتاب لا يقترب من السلطان تملقا ً له أو خوفا ً من بأسه بل ترشيدا ً لمسيرته ومنعا ً لبطشه وحجزا ً له عن ظلمه وعسفه وتبصيره بموقع أقدامه .. وهذا هتاف القرآن الذي يجمع بين الحديد والكتاب " لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ? وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ "   

##

مقالات اخرى للكاتب

د. محمد مهران: سد النهضة يرقى لجرائم ضد الإنسانية ويستدعي تدخلاً دولياً عاجلاً





اعلان