19 - 07 - 2024

ذكرى 11 سبتمبر .. وأبراجنا التي سقطت

ذكرى 11 سبتمبر .. وأبراجنا التي سقطت

تمر هذه الأيام الذكرى الـ13 لأحداث 11 سبتمبر 2001 الشهيرة والتي يعتبرها البعض علاقة فارقة في التاريخ المعاصر وبداية عالم جديد مختلف عن سابقه .. فقد بدا الحدث الخطير وكأن كائنات فضائية ارتطمت بكوكب الأرض وليس برجي مركز التجارة العالمي فهزت الأرض هزا ً ونقلتها من حالة إلي حالة أخرى .. بدأت بعدها أمريكا حربا ً مكشوفة ومباشرة ودون وسطاء على العالم الإسلامي كله.. فاحتلت أفغانستان ثم العراق .. ثم ضربت ليبيا و... ولم تكن قبل ذلك قد تجاسرت على احتلال أي دولة عربية. 

? لقد كان من أخطر تداعيات 11 سبتمبر أنها وضعت العالم العربي والإسلامي في مأزق المواجهة الشاملة مع المارد الأمريكي وحلفائه.. كما أنها وضعت الحركات الإسلامية كلها في موضع العداوة لأمريكا .. فبعد أن كانت القاعدة وأخواتها في تحالف أمريكي غربي باكستاني خليجي ضد الاتحاد السوفيتي في أفغانستان .. تحول التحالف إلى حرب مفتوحة.. وخاصة بين أمريكا والقاعدة .. حيث طاردت الأولى الأخيرة في كل مكان .. وظهر ما يسمى العائدون من أفغانستان وألبانيا والشيشان وغيرها.. حيث أجبرت أمريكا كل الدول على وضع هؤلاء في السجون .. وكلهم هربوا قبل ذلك من جحيم القصف الأمريكي لأفغانستان .. تاركين الأفغان لمصيرهم المحتوم.. حيث قتل قرابة 10/1 مليون أفغاني وقطعت أرجل وأيادي قرابة ربع مليون أفغاني .. رغم أن الأفغان لا ناقة لهم ولا جمل في أحداث 11 سبتمبر .. بل إن الملا عمر كان قد اشترط على القاعدة شروطا ً قاسية بعد هجومها على سفارتي أمريكا في تنزانيا وكينيا .. أهمها ألا يقوموا بأي عمل خارج أفغانستان .. ووافقت القاعدة طبعا ً شكليا ً في الوقت التي كانت تخطط فيه لتفجيرات 11 سبتمبر . 

? لقد أضاعت القاعدة بهذه الهجمات التنظيم ودولة أفغانستان وجماعة طالبان في خبطة واحدة .. وهكذا تصلح الجماعات التكفيرية مثل القاعدة وداعش وأنصار الشريعة وبيت المقدس في هدم الدول.. ولكنها تفشل دوما ً في بناء دولة .   

? لقد وضعت 11 سبتمبر العالم العربي والإسلامي والحركات الإسلامية لم مواجهة لم يكن يريدها أو يرغبها وليس مستعدا ً لها مع أمريكا وحلفائها .

? وإذا كان حادث 11 سبتمبر قد أسقط برجين عاليين لأمريكا فقد أسقط لدنيا أيضا ً برجين عاليين هما أفغانستان والعراق .. والأولى في حكم المحتلة حتى اليوم .. والثانية تمزقت وتفرقت .. "وأصبحت أثرا ً بعد عين" .

? لقد صدق المؤرخ الأمريكي الشهير بول كيندي حينما اعتبر أن 11 سبتمبر هي البداية الحقيقية للقرن الحادي والعشرين .. وبداية للتحولات الكبرى فيه.

? لقد هلل أكثر الإسلاميين والمتدينين والعرب وكبروا وسجدوا شكرا ً لله حينما شاهدوا أحداث 11 سبتمبر وهي تبث مباشرة على القنوات الفضائية كلها دون أن يتبصروا العواقب أو يدرسوا فقه المآلات والنتائج .. أو يتأملوا فقه المصالح والمفاسد .

? والآن بعد مرور كل هذه السنوات الطوال مازال بعض الإسلاميين والمتدينين يغفلون عن الكوارث الخطيرة التي جلبتها 11 سبتمبر على الإسلام والمسلمين ودولهم وشعوبهم ودعوتهم .. بل وآثارها السلبية على سمعة المسلمين في بلاد الغرب .. وعلى حالة المسلمين في أمريكا وكندا واستراليا وأوروبا .

? ويسعدني أن أقدم اليوم بعض القضايا الشرعية المهمة التي أثارتها أحداث 11 سبتمبر ومنها:- 

? أولا ً: حكم قتل المدنيين في الإسلام:-  

? كل الذين قتلوا في تفجير برجي التجارة من المدنيين من جنسيات وأديان مختلفة وبعضهم من المسلمين .

? فهل تجيز الشريعة قتل المدنيين حتى في حالة الحرب أم ماذا ؟

? هذا سؤال مهم أفرزته بالضرورة هذه الأحداث وما تبعها من تفجيرات كثيرة شبيهة مثل تفجيرات الرياض والدار البيضاء وعمان بالأردن وبالي باندونيسيا ومترو لندن ومترو مدريد وشرم الشيخ بمصر وكل ضحاياها كانوا من المدنيين. 

? والحقيقة أن الإسلام يحرم قتل المدنيين فسيوف الإسلام لها أخلاق والجيوش الإسلامية لها قيم والدستور الإسلامي في القتال ليس فيه ظلم ولا طغيان.. بل جهاد تعلوه الرحمة والشفقة ويضع السيف في موضعه .

? وتاريخ الإسلام حافل بالفتوحات العظيمة في مشارق الأرض ومغاربها فما سمعنا يوما أن جيشا قتل شعبا، فالجيوش الإسلامية وفق دستورها الحنيف لا تقاتل إلا من ينتصب لقتالها ويشهر السيف في وجهها... فالإسلام دين الرحمة والقتل محرم أصلا في ديننا الحنيف وإنما أبيح لمصلحة كبرى هي الدفاع عن هذا الدين ورد العدوان، فما إن يتحقق النصر حتى تغمد السيوف وتبدأ الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة،ولعل أبرز قيم دستور الإسلام في القتال هو:

? تحريم قتل النساء والأطفال والشيوخ والفلاحين والتجار والرهبان والعميان والزمني وسائر من لم ينتصب لقتال المسلمين، وقد تضافرت الأدلة على ذلك من الأحاديث النبوية وأقوال العلماء حتى أن النووي ينقل إجماع العلماء على تحريم قتل النساء والصبيان ما لم يقاتلوا.. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لجيوشه " لا تقتلوا طفلا ً ولا امرأة ولا شيخا ً فانيا ً ولا راهبا ً في صومعته" .. وكان عمر بن الخطاب يقول لجيوشه " اتقوا الله في الفلاحين .. فإنهم لا يناصبونكم العداء" .. والفلاحون بلغة زمانهم هم المدنيون الذين ليسوا من المقاتلة وقد بين العلة في قوله " الذين لا يناصبونكم العداء " .. وهذا واضح جدا ً في قوله تعالى" وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ " .. وقد فسر ابن عباس كلمة " لا تعتدوا ".. أي لا تقتلوا النساء والأطفال والشيوخ والمرضى والرهبان والتجار.. وهم المدنيون بلغة القانون الدولي الحديث.. فقد كان الإسلام سابقا ً للقانون الدولي الحديث بتحريم قتل المدنيين حتى في حالات الحروب.  

? ومعلوم أن برجي مركز التجارة فضلا عن الطائرات المختطفة كان فيها من النساء والأطفال والنساء والتجار والمدنيين والمرضى و...و... بل والمسلمين أيضا الكثير والكثير.. بل إن خطف الطائرات المدنية تنطبق عليه نفس الأحكام وقد جربته المنظمات الفلسطينية اليسارية فترة فكان وبالا ً عليها وعلى القضية نفسها.  

? قد يقول البعض أن أمريكا لم يسلم المدنيون من شرها وقذائفها وصواريخها .. وبعضهم كانوا مسلمين .. ولعل هيروشيما ونجازاكي هما المثال الصارخ على ذلك .. فنقول إن فعل أمريكا ليس حجة على الإسلام ولا دليلا ً في الشرع .. والمسلمون وخاصة الذين يقولون أنهم يمثلون الإسلام ويسعون إلي إحياء شريعته مثل القاعدة عليهم أتباع الشرع وليس تقليد المنكر بمنكر .. والمعصية بمعصية.. وللحديث بقية إن شاء الله . 

##

مقالات اخرى للكاتب

دعوة للتجديد والحب من د. حسان حتحوت