17 - 07 - 2024

مصالح وقتية (تباريح)

مصالح وقتية (تباريح)

بعد انتهاء البرنامج الذي كان يبث على الهواء مباشرة بادرني مناظري الإخواني بالقول: ننظر إليك طوال عمرك على أنك منصف ، فلماذا تدافع عن السيسي بالحق والباطل؟ ابتسمت ابتسامة الموناليزا التي اشتهرت بها على شاشة القناة ، وقلت: لست أنا من يفعل ، لكنكم تهاجمون الرجلبالباطل كثيرا ، فيظهر كلامي الموضوعي عنه وكأنه دفاع مستميت عنه قياسا إلى لغة خطابك ولغة خطاب المذيع . بدا الضيف الإخواني وكأنه لم يسمعني وقال بعد أنهيت كلامي : كن صوتا للحق كما عهدناك دوما ، فالانقلاب سينتهي وسنعود للسلطة وربما تندم ، قهقهت بصوت عال على غير عادتي وقلت: يبدو انكم تربطون كل شيء بتوجهات الجماعة .. الحق وحتى الدين .. الحق عندي هو أن تظل مصر قوية عفية بتلاحم جيشها وشعبها ، لا أن تتحول إلى دولة ميليشيات تحارب بعضها بعضا ، اسمع .. سيأتي يوم قريب تدافع انت والمذيع فيه عن السيسي بالحق والباطل وسأكون أنا من ينتقد ، لغة خطابي لن تتغير ، لكنكم من ستتغيرون حسب أهوائكم ومصالحكم . ويومها سأذكرك.

نجح الإخوان بامتياز ومعهم شبكة الجزيرة من ناحية والإعلام المصري كله من ناحية أخرى في إدخال مصر إلى حالة من عدم اليقين ، سادت حالة من المكارثية اللعينة أدت إلى وأد روح الثورة ، لم تعد هناك أي مساحة لاختلاف الرؤى او للاستقلالية أو للنقد البناء ، انغلق كل على آرائه وقناعاته سواء كانت صحيحة او خاطئة ، وكان ذلك بيئة مواتية لتنمو الأكاذيب وتتراجع الحقيقة ، ومن الطبيعي في مناخ كهذا أن تتحول ثورة 25 يناير التي تعلق الجميع بأستارها وادعوا بطولات زائفة فيها .. إلى "مؤامرة".

لفظ "المؤامرة" الذي استخدمه أراجوزات عصر مبارك ، لم يعد قصرا على الشاشات ، وانما تسلل إلى ضمير نخب واعية قاومت الفساد والإفساد على مدى عقود ، وتعرضت للتهميش وربما للسجن بسبب ذلك ، لكنها حين رأت مايجري باسم الثورات في دول مجاورة اختلط في يقينها الحق بالباطل.

ما أتعس أن يتحول أنبل حلم وطني عرفته مصر في تاريخها الحديث إلى "مؤامرة" في يقين بعض الناس ، لكنه الثمن .. ثمن أن تظل مصر عفية مستقرة آمنة ، فالثورة أرادت وطنا تسود فيه الحرية ، والعدل الاجتماعي ، والمساواة ، والكرامة . أرادت هدم الفساد لا تقويض أركان الدولة .

هل أخطأت الميادين حين لم تعين قيادة ثورية واكتفت بإزاحة نظام ، نعم أخطأت ، بل وارتكبت جريمة حين تركت مدعين يتحدثون باسمها ، وجماعات رجعية تستغل المناخ وتفوز بثقة الناس.

القوى غير الثورية ستتحالف يوما رغم عدائها الآن.

##

##

مقالات اخرى للكاتب

تباريح | مصر ليست مجرد أغنية!