29 - 06 - 2024

رِفْقَاً بالحُكَّام !!

رِفْقَاً بالحُكَّام !!

قَطْرَةٌ من تِرياق

النَّاظِرُ في حَالِ دولِنَا العربيّة بعينِ الإنْصَاف ،  يَتَأَكَّدُ لهُ أنَّنَا نُخْطِئ ُكثيراً حِيْنَ نظنُّ أنَّ الحكَّامَ وحْدَهُم همْ سببٌ لكلِّ نوائِبِنَا ومصائِبِنَا ، ونَظْلِمُ كثيراً حين نُلْقِي بالّلائِمَةِ على الحكام فيما تتعَرَّضُ لهُ الشعوبُ مِنْ حَيْفِ وفقْرٍ وتخلُّف...لا ننفي عن الجائرين من الحكام جُنُوحَهُم وعُدُولَهُم عن إقامةِ الحقِّ والعَدْل .. ولكنَّ الشعوبَ نفْسَهَا شريكةٌ بالنِّصْفِ أَوْ يَزِيد !!

 قدْ يَصْدِمُ هذا الطرح كثيراً من المغبونين الذائقين لنَيْرِ الحكام ، لكنِّي أرى أنَّ النقدَ الذاتِيَّ هو قيمةٌ بالغةُ الإنسانية إذا كُنَّا نريدُ التقويمَ والإصلاح ، ولا يتأتَّى ذلك إلا لِمَنْ تتسِعُ حَدَقَةُ عينهِ حتى يرى الصُّورةَ كاملة.. فالحاكمُ واحدٌ من طينَتِنَا .. خرجَ مِنْ ذَاتِ الرَّحم ، وشرِبَ من ذاتِ المَعِيْن .. [ كَمَا تكُوْنُوْا يُوَلَّ عليْكُم ]

فلماذا اللَّوْمُ لهُ وحْدَه ؟ نحنُ مَنْ يصنعُ الطَّوَاغيت .. نحنُ مَنْ يُؤَلِهُ الحكَّام ، ويشعرُهم أَنَّ زفيرَهُم هو الذي ينْثُرُ العِطْرَ في أجوائِنا !! وأنَّ قسْوَتَهُم حاسمةٌ في تربيتِنَا على الأخلاقِ الحميدة .. ! وأنَّ دكتاتوريتَهُم هي العلاجُ الناجعُ لتفرُّقِنَا ! .. حتى وإِنْ كَبَوْا فما أجْمَلَهَا وأحْكَمَهَا مِنْ كَبْوَة ! .إنها كبوةٌ مقصودة لنتعلمَ منها فَنَّ الإفاقةِ مِنَ العَثَرَات !! .. همْ في كلِّ الأحوالِ لا يُخْطِئُون ..فَمَنْ ذَا الذي يجِدُ ظهْراً طَيِّعاً هَيّناً ثم لا يَعْتَلِيهِ و يُدَلْدِلُ رِجْلَيْه ؟!

نحن مَنْ يصنعُ الأصنام ، لكننا لا نستطيعُ أَنْ نَأْكَلَهَا إِنْ جُعْنَا لأنها ليستْ مِنْ عجوة .. بل هي من طينةِ العلقم !!

 في معركةِ أُحُد حِيْنَ تقَهْقَرَ المسلمونَ بعْدَ عِصْيانِهِم أمر الرَّسولِ صلى اللهُ عليهِ وسلّم ، بدأ الصحابةُ يفكِّرونَ في أسبابِ الهزيمة فلعلّها تكونُ في تفوقِ قريشٍ عدداً أو عتاداً ،  لكنْ سرعان ما أنزلَ اللهُ السببَ من السماء : [ أَوَ لمَّا أصابتْكُم مصيبةٌ قدْ أصَبْتُم مِثْلَيْهَا قلتُم أَنَّى هذا ؟ قل هو مِنْ عند أنفسِكُم ] عاقبهم اللهُ على ذنبٍ واحد .. فكيف يعاقبنا على كثرة خطايانا ؟؟ ..أظنُّنا لو كنا من الأمم السابقة لخُسِفَ بنا ، لكننا من أمة محمد صلى الله عليه وسلم فلا استئصالَ لنا بل قد نُعَاقَبُ بالشقاءِ والعَنَت .. قال عبدُ الملك بن مروان : أيها الناس أنْصِفُوا مِنَّا .. تُريدونَ سيرةَ أبي بكرٍ وعُمَر ولا تقومونَ فينا بسيرةِ رَعِيَّتِهِمَا !! 

ولا يمكن أن ننسى سببَ تَجَبُّرِ فرعون [ فَاسْتَخَفَّ قومَهُ فأطَاعُوهُ إنَّهم كانوا قوماً فاسقين ] .. 

فالشعوبُ قدْ تكونُ سبباً مُعْتَبَراً في معاناتِها .. فهلْ يمكنُ للحُكَّامِ أَنْ يطْغَوْا إذا لم يجدوا مَنْ يُزَيِّنُ لهمُ الباطِلَ ويحجبُ عنهمُ الحقائق ، ويخْتَلِقُ لهمُ الأكاذيب ويُفصِّل لهمُ القوانين ويتبارَى في الهجوم على كلِّ مُعَارِضٍ يريدُ الخيرَ للبلادِ والعباد ؟ إنهم مِنَّا .. مِنْ هذا الشعب .. لكنَّهم أعوانٌ للحكام يمدونَهُم في الغَيِّ ثم لا ينْدَمُون !

انظروا إلى أي مؤسسةٍ أو إدارةٍ أو شركةٍ حكوميةٍ أو خاصة ..ستجدون دكتاتوراً صغيراً ..  يظلمُ ، ويَرْتشِي .. يُرَقِّي هذا ويمنعُ ذاك بلا وازعٍ مِنْ ضمير إلا ما أُشْرِبَ مِنْ هواه ..هو نفسُهُ حاكم ، لكنْ في دولتِهِ الصغيرة .. حتى في نموذجِ الأسرةِ الواحدة .. ستجدون نفسَ الدكتاتور ...

أعينوا أنفسَكُم على إصلاحِ الكتاتورِ الظالمِ القابعِ في نفوسِكُم أيُّهَا الشعوب ،

ساعَتَهَا سوفَ يصلحُ اللهُ مَنْ يُوَلَّى عليكم .. فقدْ تأتي الثوْرَاتُ بقياداتٍ يُؤَمَّلُ فيها الخير .. لكنْ ماذا يفيدُ أَنْ يَعْلُوَ الرَّأْسُ جَسَدَاً مَعْطُوبَا ؟!! 

##

مقالات اخرى للكاتب

السفير موطلو شن :قطاع النسيج بات وجهة رئيسية للاستثمارات التركية في مصر





اعلان