29 - 06 - 2024

اتفاق و فوز مبين أم افتراق و تمام الخسران

اتفاق و فوز مبين أم افتراق و تمام الخسران

أربع سنوات مرّت على الثورة الليبية التي سرعان ما تحولت إلى حرب استنزاف بين كتائب النظام والثوار الذين رفضوا أي حوار معه و المضي قدما إلى عزله و الإطاحة به، و على خلاف ثورتي تونس و مصر السلميتين ، رفع السلاح من قبل "المعارضة الليبية" في وجه القذافي و أتباعه، و احتدم القتال المسلح بين الإخوة الأعداء واشتدّ ضراوة بعد أن تدخلت القوى الغربية في الصراع، و خاصة فرنسا و أمريكا اللتان دعّمتا المعارضة بأسلحة نوعية و ضربات جوية ضد قواعد النظام ، و بمرور الوقت استنزف هذا الأخير قواه و قضي على رأسه بعد أن أطيح به.فماذا خلفت هذه الحرب؟ و هل حقق الثوار مطالبهم؟ و هل استطاعت الحكومات الليبية المتعاقبة تأمين ليبيا أم أنها أصبحت ملجأ للإرهاب و مصدرا للإرهابيين إلى جيرانها؟

لقد سقط النظام فعلا و صفيت اغلب رموزه بالقتل أو بالسجن أو بالنفي ، و رحل تاركا وراءه أرثا ثقيلا ، قبائل متنافرة ، متحاربة و متقاتلة، ملايين القطع من الأسلحة المختلفة في أيدي المتقاتلين، حدودا مفتوحة و غير مؤمنة سهلت على داعش و غيرها من التمركز داخل الأراضي الليبية لبعث مراكز تدريب للمقاتلين و مخازن لإيواء الأسلحة و قواعد عسكرية و من ثم الانطلاق في عمليات إرهابية و قتالية ضد كل من تعتبره عدوا لها ، و لم تكتف بالداخل الليبي بل أصبحت تصدر مقاتليها إلى البلدان المجاورة لليبيا على غرار تونس و الجزائر و مصر.

لقد عرف الليبيون الفرقة عوض الوحدة و اللحمة، و عرفوا التهميش ، و الفقر بدل التنمية ، و البناء... بعد أن نهبت خيراتهم و استولي على أبار النفط من قبل المتشددين.

 و في غياب دولة متماسكة أو حكومة فاعلة بعد أن فشلت الحكومات المتتالية في توحيد الشعب الليبي أو مقاومة الإرهاب أو صيانة حدود بلدها مع بلدان الجوار.

إن ليبيا "اليوم" فقدت كل مقومات الدولة، فباتت غير آمنة أو مؤمنة ، في المقابل صارت وكرا للإرهاب الذي وقع تصديره سريعا إلى دول الجوار فأصبح عبء على الجميع.

  إن مختلف الحساسيات الليبية على الرغم من جلوسها على طاولة واحدة للحوار في أكثر من مرة فإنها عجزت على الخروج بنقاط التقاء مشتركة، أو رؤيا واضحة ، أو إستراتيجية ناجحة يعوّل عليها في إخراج ليبيا من تمزقها الجغرافي و البشري، أو تخليصها من داعش أو التكفيريين ، فهل باتت اقرب إلى سوريا منه إلى العراق؟

إن مصر و الجزائر و تونس بلدان رفضت و ترفض التدخل في الشأن الليبي عسكريا و تدعو الليبيين إلى إيجاد حلّ سلمي و الانخراط في إعادة إعمار ليبيا و إنقاذها لكي لا تصبح صومالا ثانية أو تنزلق على نحو العراق، و تحول دون تدخل الطامعين أو أصحاب النفوس المريضة.

إن الغرب الذي يتبنى محاربة الدولة الإسلامية في العراق و سوريا و يحشد الرأي العام الدولي ضدها           و يطالب بتوفير دعم عسكري و مادي من قبل الأنظمة العربية الرافضة للإرهاب ليس بالعزيز عليه مطاردة الإرهابيين و ضربهم على أراضي بلدان المغرب العربي.. فماذا جلب الإرهاب؟

لقد جلب فوضى عارمة، و دمارا شاملا، و عارا كبيرا في حق المواطنة و الوطن بعد أن جلب الإذلال للشعوب، و انتهاكا لسيادة الأوطان و مجالاتها الأرضية و البحرية و الجوية.

إن الإرهاب خطر داهم، و فعل مدان، فهل هو منته في ليبيا بانتهاء أسبابه أم أن هذا البلد في حاجة إلى جيرانه لمساعدته على إيجاد إستراتيجية متكاملة للقضاء على هذا الغزو الدّخيل و استئصاله من على ارض ليبيا خصوصا، و على ارض المنطقة عموما.

إن الشيء الخطير اليوم، و اللافت للنظر هو وجود حكومتين على ارض ليبيا، حكومة منتخبة بنسبة ضعيفة و حكومة "الأمر الواقع" و هي حكومة فجر ليبيا و التي تسيطر على 80%من الأراضي الليبية، حكومتان مختلفان في الرؤيا و التوجه، حكومتان متصارعتان من اجل قيادة البلاد.

إن الأكيد اليوم هو أن هذا الوضع يؤدي من جهة إلى تقسيم البلاد و تغلغل التطرف و الإرهاب داخله  و خلق نوع من الإحراج لدول الجوار خصوصا، فمع أي حكومة  ستتعامل حكومات دول الجوار؟ هل مع حكومة "طبرق" أم مع حكومة "فجر ليبيا"؟

و في ظل هذا الانقسام ، هل تستطيع ليبيا التعامل بجدية مع ملف التطرف و الإرهاب أم انه مكتوب عليها أن تحتل من قبل الدولة الإسلامية و يغزوها التعصب الديني و التطرف فتصبح مصدر تهديد لجيرانها و بؤرة إرهاب فتظل على قاب قوسين أو ادني من تدخل عسكري غربي مباشر، أو إعادة احتلال وشيك؟

##

مقالات اخرى للكاتب

السفير موطلو شن :قطاع النسيج بات وجهة رئيسية للاستثمارات التركية في مصر





اعلان