29 - 06 - 2024

لماذا ينضم أبناء الأثرياء إلى التنظيمات الإرهابية؟

لماذا ينضم أبناء الأثرياء إلى التنظيمات الإرهابية؟

انضمام أبناء الفقراء والمهمشين إلى التنظيمات الإرهابية يرجعه كثيرون إلى الطريقة التى عاشوا بها حياتهم، بداية من الميلاد والنشأة فى الأحياء الفقيرة والمعدمة، ومرورًا بما عانوه من ذل الحاجة إلى الأثرياء وأصحاب السلطة وطريقة تعامل السلطة والأثرياء معهم وهى طريقة تجعل منهم مواطنين من الدرجة الثانية وتسلب منهم الكثير من الحقوق التى تتمتع بها الطبقات الأعلى درجة، وانتهاء بما تروجه لهم الجماعات الإرهابية من إتاحة الفرص والمساواة الكاملة بين أعضائها، لكن السؤال المحير هو لماذا ينضم أبناء الأثرياء وهم طبقة تعيش على ملذات الحياة والتمتع بها إلى أقصى درجة ممكنة، إلى التنظيمات الإرهابية، وهو الأمر الذى سيجعلهم يتخلون بمحض إرادتهم عن أغلب هذه المتع الدنيوية التى تربوا عليها، بل يجعلهم يعيشون حياة الفقراء من نوم على الأرض دون أسرة أو أغطية مناسبة، والعيش على طعام بسيط يكفى بالكاد ليبقوا على قيد الحياة؟

فى السطور القادمة مجرد محاولة لفهم نفسية ومعتقدات وأفكار هؤلاء الشباب الذين يفضلون الانضمام إلى التنظيمات الإرهابية، والتخلى عن حياة المترفين التى عاشوها فى السابق والانغماس فى حياة "جهادية" فقيرة ومليئة بالمنغصات والإرهاق والمشاق.

بداية نستعرض عددا من أسماء أبناء الأثرياء الذين انضموا فى الفترة الأخيرة لتنظيم داعش الإرهابى وتنظيم القاعدة، منهم على سبيل المثال الشاب إسلام يكن، والذى تعلم فى مدارس فرنسية وعاش بين أسرة أرستقراطية، وصديقه محمود الغندور والذى يعمل حكما فى الدرجة الثانية للدورى المصرى لكرة القدم، والذى عاش الحياة نفسها، وكان أمامه مستقبل حافل بالثراء فى حال ترقيه للعمل حكما فى دورى الدرجة الأولى وهو ما كان ستوفره له العائلة لان عمله الحكم الدولى جمال الغندور، وهناك شباب كثيرون متعلمون فى كبرى جامعات أوروبا ويحملون جنسيات دولها المختلفة إضافة إلى أمريكا وأستراليا وكندا وغيرها من بلدان العالم الأول، وفى الثمانينات كون الملياردير السعودى أسامة بن لأدن القاعدة كتنظيم إرهابى مع الدكتور أيمن الظواهرى ابن العائلة الاستقراطية التى يعيش أفرادها فى حيى المهندسين والمعادى فهو حفيد الشيخ الظواهرى أحد من تولوا الإمامة الكبرى للأزهر من ناحية الأب، كما أنه حفيد أول أمين عام لجماعة الدول العربية الدكتور عبدالرحمن عزام من ناحية الأم.

نعود إلى أسباب انضمامهم إلى التنظيمات الإرهابية، وما الذى يجعلهم يعتنقون أفكار الذبح والقتل والتدمير والتكفير لمن حولهم حتى أقاربهم، وخلال بحثى عن هذه الأسباب وجدت أنها تكمن فى الأسباب الآتية:

أولا: هذه النوعية التى تنضم إلى الجماعات الإرهابية تكون غالبا غير راضية عن حياة الطبقية والترف التى تعيشها، وغالبا ما تحمل صفات قيادية وفكرا مختلفا عن المحيطين بها، وتريد أن تعيش فى حالة من التطهر الإنسانى ترجعه حسب اعتقادهم آلو القرن الأول من الإسلام وهو فترة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين، من مساواة وعدالة وغيرها، وتجد ذلك واضحا لدى هذه الجماعات الإرهابية فلا يوجد تفرقه بين القادة والأعضاء بها، وهناك عدالة شبه مطلقة بين هؤلاء الأعضاء على عكس جماعات وأحزاب إسلامية أخرى على الساحة مثل الإخوان وغيرهم، حيث تسود بينهم الطبقية الموجودة فى المجتمع المحيط بهم.

ثانيا: وضوح الأهداف التى تسعى هذه الجماعات الإرهابية لتحقيقها مع بساطة فى العرض وأسلوب متميز فى إقناع الأعضاء، فمثلا تنظيم داعش الإرهابى يهدف من وجهة نظره لتحقيق حلم الخلافة، ولا يعترف بالدول الموجودة، ويحارب الجميع لتحقيق هذا الهدف، وليس لديه فرق بين مسلمين وغيرهم فى هذا الإطار، فالمهم لديه تحقيق هدفه.

ثالثا: وضوح الوسائل التى يسعى التنظيم الإرهابى من خلالها لتحقيق هدفه، الوسيلة هنا هى الاستحواذ على أراضى الدول وإلغاء الحدود، ولذلك هو يقاتل أنظمة هذه الدول ويقاتل أى فرد أو مجموعة تقف فى طريق تحقيق هدفه، وليس لديه حرمة أو عصمة للدماء لأنه ينطلق من قناعة أن جميع المسلمين الموجودون بهذه الدول مرتدون إلا من بايع البغدادى أمير التنظيم، وذلك بعكس جماعات وأحزاب أخرى مثل الجيش الحر الذى يسعى لتحرير سوريا من نظام الأسد ولا يستحل دماء المواطنين، ولذلك فهو يتوخى الحذر مثلا عن قصفه مدينة معينة خرفا من أن يكون بها أبرياء عزل.

رابعا: الإدارة الجيدة للحرب الإعلامية والاستعانة بأحدث الوسائل لجذب الشباب للانضمام إلى التنظيم، وقد شاهدنا أفلام داعش التى تبثها بين حين وآخر، والجودة العالية فى إخراجها وطريقة تصويرها وتحدثهم اللغة الإنجليزية بطلاقة فهم يسعون لضم كل العناصر، ومن جميع أنحاء العالم وليس العرب فقط كما لدى بقية التنظيمات المعتدلة.

خامسا: تقديم التنظيمات الإرهابية الجديدة مثل داعش وباكو حرام نفسها على أنها الدولة الإسلامية التى تنفذ الشرع وتعيد الخلافة، وهى مفاهيم برّاقة وجذّابة للفئة الشبابية. هذا الطرح المباشر يستهوى كثيرًا من الشباب المفتقر لفهم الدين السليم، والمفتقد لكيان شامل يجمع كل أبناء دينه، إضافة إلى أن الشباب المتحمس، الذى اكتوى بقمع الأنظمة واستبدادها، ينظر إلى أفعال داعش كتصرفات ومواقف مثالية تشبع فيه رغبة الانتقام ضد الأنظمة المستبدة، التى تعتقل وتعذب وتقتل وتفرض الفساد وتهتك الأعراض، لكن للأسف فى سبيل إشباع تلك الرغبة فإن البوصلة تنحرف كثيرًا، فإذا بالقتل يطول المدنيين، وإذا بالعنف يشمل الجميع، وتتحول الآمال إلى آلام.

سادسا: الاعتقاد السائد بأن هناك مؤامرة عالمية ومحلية للحرب على الإسلام، وأن التنظيمات الموجودة لا تستطيع التصدى لهذه الحرب العالمية على الدين، وقد تغذى وسائل الإعلام ذلك من خلال تقديمها لنماذج تريد أن تسود الإباحية أو العلمانية على مفاهيم المجتمع والدولة، لذلك يجدون ضالتهم فى تنظيم مثل داعش أو القاعدة أو بوكو حرام باعتباره مخلصا لأمة من براثن الأفكار والفلسفات الغربية ومجتمعات لا تؤمن بشى غير أن الإسلام دين تسام ودين مودة ودين حب وسلام ورحمة للعالمين ولذلك تجدهم لا يرفضون تصنيفهم بالإرهاب بل يروجون لذلك التصنيف من خلال أعمال القتل البشعة، التى يرتكبونها بل ويفسرون بعض الآيات على أنها تحض على الإرهاب معلنين أن الله سماهم إرهابين فى قوله تعالى "ترهبون به عدو الله وعدوكم" ولذلك هم لا يفرقون كثيرًا بين الجهاد والإرهاب ويعتبرون من خالفهم فى هذا الفهم ضمن رؤوس المنافقين والكفار التى يجب التخلص منها، حتى أنهم وصفوا الدكتور محمد مرسى بالطاغوت.

هذا والله أعلم.

##

مقالات اخرى للكاتب

مي الكيلة : الفلسطينيات هن الأكثر معاناة بسبب إرهاب الاحتلال في غزة





اعلان