30 - 06 - 2024

تساؤلات لوزير التنوير!

تساؤلات لوزير التنوير!

شاب بدأ حياته تلميذا لطه حسين، نادى بالتنوير وجعله شعار المرحلة، بل وكان ذراع فاروق حسني وزير ثقافة حسني مبارك، ذراعه التي أدخل بها المثقفين الحظيرة، ومنح من أقبل ومنع وهمّش من تعفف عن الحظيرة.

ادّعى التنوير وفي عهده تنامت الجماعات الإسلاماوية. أي تنوير قام به من ترأس المجلس الأعلى للثقافة لمدة 14 عاما، المجلس الذي من المفترض أنه يرسم الاستراتيجيات الثقافية للدولة المصرية، وفي خلال تلك الفترة كان المجلس ذراع المؤسسة الرسمية لإقصاء من يغضبون عليه وإدناء من يريدون، وبعد خروجه للتقاعد أنشئ من أجله المركز القومي للترجمة، ولم تخضع ميزانيته للجهاز المركزي للمحاسبات، ثم قبل تنحي مبارك بأيام وإثر إقالة حكومة نظيف ورحيل فاروق حسني معها ولاه مبارك الوزارة، فهرول وهو يحلف اليمين حتى كاد أن يتعثر، ولام شباب مصر الذين قاموا بالثورة، وطالبهم بالرجوع إلى منازلهم بعد الإصلاحات التي أجراها مبارك، بل قال نصا في حوار تلفزيوني:"أنامطمئن على الوطن في ظل الرئيس، ولكن الحكومة أخطأت، وخطاب السيد الرئيس فيه إيجابيات ينبغي أن يرد عليها الشباب بإيجابيات". ومن بعد ثورة 30 يونيه صار يرأس العمل الثقافي في مصر، ويدعي أنه يواصل مسيرة التنوير التي بدأها قبل عقود!

 إنه وزير التنوير، الذي صدع رؤوسنا بالتنوير وقد ازدادت في عهده الأصولية والراديكالية،أي تنوير ولدينا عشرات الجماعات الدينية، بل ولدينا 11 حزبا مصريا على أساس ديني؟!.ومن المثير للدهشة أن يمنح وزير التنوير أحمد عمر هاشم جائزة النيل في الآداب، أي آداب يقدمها إسلاموي ساهم هو وغيره من مشايخ السلطان في تغييب وعي المجتمع لصالح استمرار السلطة الدكتاتورية في هيمنتها على الدولة المصرية.

بل أين كان وزير التنوير, ومناخ الاحتقان الطائفي يتسع ويتوحش حادثا بعد حادث, ألم يكن جديرا بالمجلس الأعلى للثقافة أن يكرس لتأسيس ثقافة للحوارونشرها واعتبارها مشروعا ثقافيا حضاريا لوأد الفتنة  في مصدرها؟!

أي تنوير وقد انفصل المثقف تماما عن الشارع، تخلى المثقف عن دوره التنويري والتوعوي كما تخلت الدولة عن دورها، وألقى المثقف والدولة المجتمع المصري في حجر الجماعات الأصولية، وصار كل مهمة المؤسسات الثقافية المصرية ندوات لا يتفاعل معها إلا المثقفون، وكتب لا يقرأها إلا المثقفون أيضا، وصار المواطن المصري لقمة سائغة للجماعات الأصولية تشكل وعيه حسبما تريد، وانقلب حال المجتمع الوسطي المعتدل إلى مجتمع يغرق في الميتافيزيقا والهوس الديني.

انشغل وزير التنوير بتصنيف المشهد الثقافي مع وضد، من يقبل أن يكون في معيته ومعية حظيرة الثقافة يلقى عليه الضوء وينال المنح والعطايا والجوائز وتسند إليه المناصب في المؤسسات الثقافية، ويُصَدّر كممثل للثقافة المصرية، ومن يرفض الخضوع والاستسلام ويحاول أن يحتفظ بصوته مستقلا يناله من الإقصاء ما يناله.حوسب نظام مبارك على بضع مليارات سرقوها أو أراض نهبوها من الدولة المصرية، وكان الأجدر بهم أن يحاسبوا على ما حدث في المجتمع من ردة للظلامية والانغماس في الغيبيات وضياع دور مصر الناعم، الدور الثقافي والفني.

حين يتصدر المشهد الثقافي المصري ويتكلم باسم المثقفين المصريين أناس أقل موهبة وأقل عمقا وجمالا وفنية، ويتوارى عن المشهد المثقفون الحقيقيون هل هذا يذكرنا بقصة الجاسوس الأمريكي على الاتحاد السوفيتي الشهيرة والذي ساهم بتفكيك الاتحاد السوفيتي نتيجة لموقعه الحساس في الاتحاد ، وقد استطاع أن يضع طوال الوقت الرجل غير المناسب في المكان المناسب مما ساعد على انهيار الدولة؟ ألا يذكرنا بما فعل جابر عصفور وغيره من رجال مبارك الذين ضيعوا الفن والثقافة والتعليم من الدولة المصرية؟!

ألا يستحق ما فعل جابر عصفور وفوزي فهمي وغيرهم ممن ضيعوا القوة الناعمة لهذا البلد ألا يستحقون محاكمة سياسية عادلة لما فعلوه؟! في الحقيقة هم لم يحاسبوا، بل كوفئوا من قبل نظام لا يقل تغييبا عن نظام مبارك، وكأنه امتداد لذات النظام، كُرِّموا فجلس وزير التنوير على رأس الوزارة، وعاد فوزي فهمي الرجل الثاني في وزارة ثقافة مبارك ليضع يده مجددا في الثقافة المصرية، وكأن المهمة لم تنته بعد، مهمة إفساد الثقافة المصرية وتغييب المجتمع، وإلقائه مرة ثانية في حجر المتشددين والمتطرفين. 

##

##

---------

من المشهد الأسبوعي

مقالات اخرى للكاتب

وهل تداوي بالتي كانت هي الداء ياسراج ؟!!





اعلان