16 - 08 - 2024

كاتب لبناني: سقطت حماس في مصر قبل أن تسقط في غزة

كاتب لبناني: سقطت حماس في مصر قبل أن تسقط في غزة

تساءل الكاتب الصحفي اللبناني والمقيم بلندن "خير الله خير الله" حول "ماذا استفادت حماس من انتصارها على قطاع غزة؟"، موضحا أنها قادرة على فعل الكثير لو كان انتصارها على غزة، انتصارا حقيقيا يؤمن شيئاً آخر غير توفير مجرّد استراحة لـلحركة الهاربة من أزمتها الداخلية المستفحلة، فاستناداً إلى موازين القوى، ليس في استطاعة حماس تحقيق أي مطلب من مطالبها من دون وساطة مصر،  ولكن حماس خاضت حربا لخمسين يوماً مع إسرائيل لنقل الأزمة التي تعاني منها الحركة، التي هي جزء لا يتجزّأ من التنظيم العالمي للإخوان المسلمين، إلى مكان آخر، إلى مصر تحديدا.

وقال الكاتب في مقاله المنشور بصحيفة "الراي" الكويتية، خسرت حماس رهانها الأوّل الذي قام على حدوث تغيير في مصر انطلاقا من غزّة، فلم يكن لدى الإخوان المسلمين في مصر سوى نموذج واحد يقتدون به وهو طريقة حكم حماس لغزّة منذ منتصف العام 2007 تاريخ انقلابها المشؤوم على السلطة الوطنية الفلسطينية، يوم الانقلاب الأسود  في تاريخ النضال الفلسطيني من أجل إقامة الدولة المستقلّة إلا أن الانقلاب كرس للانفصال بين الضفّة الغربية وقطاع غزّة، وهو أمر لم تعترض عليه إسرائيل يوما.

ولسوء حظّ حماس، أن حكم الإخوان لمصر لم يستمر سوى لسنة واحدة، فكانت النتيجة الحقيقية هي سقوط مشروع حماس في مصر قبل سقوطه في غزّة، وهذا ما لم تفهمه أو تستوعبه حماس، ولم تقدّر معنى خروج الإخوان من السلطة بعدما لفظهم المصريون في 30يونيو2013 وبعدما صار لمصر رئيس جديد منتخب من الشعب هو "عبدالفتّاح السيسي"، ولم تستوعب حماس أنّ غزّة لا يمكن أن تُـحرج مصر خاصة.

واضاف أن حماس كانت تراهن على أنّ مصر ستتغيّر من الداخل في ضوء ما يجري في غزّة، ولذلك كانت هي التي تسعى برغبة قويّة في اطالة الحرب بغض النظر عن الخسائر التي تلحق بأهل القطاع الذين ما زالوا يعانون من نتائج حرب نهاية السنة 2008 وبداية 2009 وحرب 2012 التي أشرف الإخوان في مصر على وقفها. توقفت حرب 2012 لسببين، رغبة الإخوان في استرضاء الإدارة الأميركية، وأما السبب الثاني فيتمثل في رغبة الإخوان المسلمين في مصر تقديم أوراق اعتمادهم لدى إسرائيل، وكانت غزّة مدخلاً لتقديم أوراق الاعتماد الإخوانية إلى إسرائيل بهدف إظهار حسن النيّة تجاهها.

أما الرهان على احراج مصر فكان ورقة حماس الأخيرة، ولم تدرك حماس يوما مشروعها لتغيير طبيعة المجتمع الفلسطيني نحو مزيد من التخلّف والبؤس ليس مشروعا قابلا للحياة، ونسيت أن الفلسطينيين قاوموا الاحتلال عن طريق العلم والانفتاح على العالم، وكانت مقاومتهم تلك هي أساس بقاء القضية الفلسطينية حيّة طوال ما يزيد على خمسة وستين عاما، فجاء المشروع الوطني الفلسطيني القائم على حلّ الدولتين بمثابة تكريس لسنوات طويلة من النضال السياسي والعسكري أثبت وجود هويّة فلسطينية لا يمكن أن تُمحى، أثبت هذا النضال أن الفلسطينيين، كشعب، موجودون على الخريطة السياسية للشرق الأوسط.

كان الخطأ القاتل لـ«حماس» منذ ما قبل سيطرتها على غزّة مزدوجا. وفّرت لإسرائيل فرصة لتقول أنّ ليس هناك شريك فلسطيني يمكن التفاوض معه. كذلك، عملت كلّ ما تستطيع من أجل توظيف سيطرتها على القطاع في خدمة مشروع مرتبط بالخارج. المشروع مرتبط بجعل غزّة منطلقا للتغيير الداخلي في مصر من جهة وتحقيق الطموحات الإيرانية من جهة أخرى.

وكرر مشددا "سقطت حماس في مصر قبل أن تسقط في غزّة"، وبدلا من أن تعترف بإفلاسها وسقوطها، تسعى حاليا لعملية هروب من نوع آخر، تقوم هذه العملية على تحميل السلطة الوطنية مسؤولية الكارثة الأخيرة، ومن سوء حظّ حماس أنّه لم يكن هناك أي تجاوب فلسطيني، على الصعيد الشعبي، معها، وانصب التعاطف مع عذابات أهل غزّة، ولكن لم تكن هناك أيّ رغبة في الانضمام إلى الحرب.

 رفض أهل الضفّة الانضمام إلى حرب لا أفق لها بعدما تعلّموا من تجارب الماضي القريب. تعلّموا من هذه التجارب أن إسرائيل تلتقط أي فرصة لممارسة إرهاب الدولة وذلك بفضل ما تمتلكه من أسلحة متطورة... فيما العالم يقف موقف المتفرّج!

ولم يعد لدى حماس ما تقدّمه للشعب الفلسطيني ولأهل غزّة، كانت الحركة ترفض في كلّ وقت أي مفاوضات مع إسرائيل، ما الذي تغيّر الآن كي يصرّح السيّد "موسى أبو مرزوق"، القائد الحمساوي بأنه يمكن التفاوض مع "العدو الإسرائيلي" وأن الشرع لا يحرّم ذلك؟، هل دماء الشعب الفلسطيني رخيصة إلى هذا الحد؟، تنصّلت حماس من تصريحات أبو مرزوق، علما أنّه موجود بالصوت والصورة. فهل يعكس هذا التنصّل مناورة أخرى ذات طابع سياسي هذه المرّة؟

في نهاية المطاف استمرت مصر صامدة وأن مشروع استعادة الإخوان لمصر ليس واردا بعدما اتخذ الشعب المصري قراره بدعم من العرب الواعين على رأسهم المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة والكويت والأردن.

في مصر سقط المشروع الإخواني. في مصر سقطت حماس التي تسعى حاليا إلى تغطية سقوطها المدوي عن طريق ابتزاز السلطة الوطنية، بما في ذلك التلويح بالدخول في مفاوضات مع إسرائيل، معنى ذلك أن حماس مستعدة لتجاوز منظمة التحرير الفلسطينية التي هي الواجهة التي تتفاوض السلطة الوطنية عبرها من أجل الانتهاء من الاحتلال.