في ستينيات القرن الماضي كان الشاب نصر الخياط محاميًا تحت التمرين ، وذات ليلة ( ربما كانت شتائية ) كان يجالس أصحابه علي مقهي بمدينة القوصية بمحافظة أسيوط ، مر ضابط شرطة صاحب رتبة كبيرة ، فوقفت لدى مروره الناس ، وحده نصر الخياط ظل جالسًا .
جلوسه أغضب الضابط الكبير الذى سب الخياط ولطمه على وجهه ، فما كان من الشاب نصر إلا أن رد السباب ورد الضربة ضربات .
ثأر نصر لنفسه ولكرامته سيقفز به إلي الصفوف الأولي من محاميّ أسيوط .
بعدها سيكتب نصر مسرحية بعنوان " الخوف " ستمثلها لسنوات كل الفرق المسرحية في الصعيد ( كانت لدينا فرق وكان لدينا مسرح ).
ثم سيتزوج نصر وينجب ولدًا هو أحمد نصر الخياط .
***
في العام 1991 أعاد الأستاذ عبد العظيم مناف إصدار جريدة صوت العرب التي كان مبارك قد أوقفها في أواخر الثمانينات، جاءتنا بنت سمراء نحيلة غادرت مقاعد الدراسة لتوها ، كانت غاية في النشاط ، تجري هنا وهناك وتأتي ظهر كل يوم بأخبار وتقارير وحوارات وتحقيقات .
كان طلعت إسماعيل مدير التحرير يضاحكها قائلًا :" دا جورنال أسبوعي يا أستاذة ومعظم شغلك هيتحرق ، بس الجرى وراء الاخبار رياضة برضه ".
هذه السمراء هي حنان كمال التى ستقول لى يومًا :" تصدقني لو قلت لك إن مرة غضبت جدًا فمشيت من الجامعة لغاية الحلمية تحت المطر ".
***
بعد صوت العرب عملت بجريدة الأحرار ، جاءني شاب طويل وسيم ضحوك
ـ أنا اسمي أحمد بن نصر الخياط
ـ أهلًا بابن الزعيم .
ـ عايز اشتغل .
ـ تحت أمرك .. عايز تشتغل إيه ؟
ـ برسم كاريكاتير
ـ طيب فرجنّي .
فرجنّي أحمد .. ويا الله على ثقة خطوطه وخفة دمه وجنون تعليقاته ، أخذت الرسومات إلي عصام عامر مشرف صفحة الرأى الذى اعجب بها جدًا وبدأ في تخصيص مساحة ثابتة لها ، منها رسمه تصور قارئًا يمسك بعدسة مكبرة لكي يقرأ مقالًا لأنيس منصور فلا يجد في مساحة المقال سوى نجمة داود التي سرقها منا الصهاينة وجعلوها رمزًا لكيانهم العدو .
كانت الرسمة تؤكد أن ابن نصر الخياط لديه ما يشغله وما يجيد التعبير عنه .
***
زاملتني حنان في الإصدار الأول من جريدة الدستور قبل ان يوقفها مبارك ، وكانت تعمل كثيرًا وتتحدث في التليفون كثيرًا وتجرى كثيرًا وتضحك دائمًا .
***
انقطعت عنى أخبار أحمد نصر الخياط ، حتى رأيته مرة في وسط البلد ، يرتدى ملابس سخيفة ويطيل شعره بطريقة كانت تضايقني ويحمل حقيبة قماشية رثة .
يومها استوقفته وأغلظت له في القول وعاتبته عتابًا مرًا بشان اهماله لموهبته ، لم يرد سوي بابتسامة ضئيلة وهرشة في لحيته النابتة .
***
حنان الضاحكة دائمًا ستحب الولد أحمد وسيتزوجان لتعرف هي بمهارتها كيف تديره لصالح نفسه وفنه ، ستأتيني أخبار تألقهما في الفضائيات العربية وأحلامهما في تقديم جديد متميز ، وسأراهما علي محطة رصيف قطار القوصية ، وحنان تحمل رضيعا فاتن السمرة هو طفلهما " حمزة "
كان أحمد يومها متألقا وأقبل يعانقني بحرارة ، كان حبيبًا ومحبوبًا وأبًا لأول مرة .
***
مرض الراحل الكريم حسام تمام فذهبت أعوده فقال لي والدموع تترقرق في عينيه :" الواد أحمد نصر ....."
ـ ماله يا حسام .
ـ الواد المسكين عمل حادثة رهيبة وبقي مشلول .. ابقي روح زوره .. مسكين الواد دا .. دماغه حلوة وهيجيى منه الكتير .
***
لم أزر أحمد نصر ، إنه الطويل الوسيم الضحكوك .. سيبقي في ذاكرتي هكذا إلي الأبد .. لا أستطيع رؤيته كما وصفه حسام .
***
الولد الطويل والبنت السمراء سيقاتلان بقلب عاشقين ، سيقفزان كل الحواجز التى تحول بينهما وبين حياة يحبانها.
الولد الطويل عصيّ كأبيه ، لا تروضه الأيام .
البنت السمراء تعمل وتنجح وتحب زوجها وتدلل أولادها ، وتشارك في الثورة ، وتأخذ زوجها لكي يطل على ميدان ميلاد مصر التى نحلم بها .
***
يا حكمة الله كم قلبي يؤمن بك ونفسي تطمئن إليك ، لكن عقلي يقف أمامك مشلولًا وهو يتأمل حنان السمراء تقاوم مرضًا مرعبًا .
***
أحمد وحنان وحنان وأحمد هما أبطال الجيل ، يقاومان المرض وسخافات الحياة ، يعلمان أولادهما وينامان ويصحوان على وسادة الحب
##
-----------
* المقال نقلا عن صفحة الكاتب على فيس بوك