28 - 09 - 2024

فعلها الشعب والباقي على الإدارة

فعلها الشعب والباقي على الإدارة

وفقا للحصيلة النهائية لشهادات إستتثمار قناة السويس فقد إشترى شعب مصر من هذه الشهادات بما قيمته 64 مليار جنيه، وهو ما يمكن تسميته بأكبر إكتتاب شعبي مزدوج، بمعنى الحجم العددي للاقبال الكبير الذي شهدته عمليات الشراء، وهو رقم مهم لابد أن يتم الاعلان عنه، يعكس رغبة مصرية خالصة في دعم مسيرة التنمية في البلاد، وفي نفس الوقت هناك شريحة إستقطبتها معدلات الارباح على الشهادات وهذه طبيعة بشرية لايمكن إغفالها.

والمهم في هذا الاقبال، كونه يحمل مؤشر لكثافة شعبية، ووفقا لتصريحات محافظ البنك المركزي، فان نصيب المؤسسات من الحصيلة النهائية يصل إلى 10%، فيما جاءت مشتريات الأفراد العاديين ورجال أعمال، الأكبر بنسبة 90%، وهو ما يوضح بجلاء رغبة الناس في شراء الشهادات، بغض النظر عن الهدف، ففي النهاية هي مشاركة في مشروع قومي يضع الشعب آمالا عريضة عليه.

ولاشك أنه لو كان مسموحا لجميع البنوك العاملة في مصر، بالبيع المباشر للشهادات، دون وسيط مع البنوك الرئيسية المُخولة بالبيع لكانت الحصيلة أكبر، فناتج بيع الشهادات جاء من بيع البنوك الأربع " مصر والأهلي المصري والقاهرة وقناة السويس"، خلال 8 أيام عمل، وأيضا من حصيلة البيع في مكاتب البريد على مدى أربعة أيام.

 ومن المهم أن يتم الاعلان عن بيع مكاتب البريد، لكونها أهم مؤشر عن المشاركة الشعبية من الفئات الدنيا والعمال والفلاحين وأصحاب المعاشات والمتقاعدين، لان هؤلاء، ومن وجهة نظري، يمثلون فعليا أهم محور في المشاركة الشعبية، في المشروعات الوطنية، وأنا على يقين أنه لو كان تم فتح الباب من البداية لبيع الشهادت عبر مكاتب البريد لكانت الحصلية المستهدفة قد تحققت في أيام أقل، وهو درس مهم في أية عمليات شراء أخرى لمثل هذه الشهادات.

تجربة شهادات "قناة السويس" والاقبال علهيا، أعتقد أنها تجربة إقتصادية تمويلية تستحق الدراسة بشكل علمي، بشأن كيفية الإستفادة منها، وإمكانية تكرارها في مشروعات أخرى، وتحديد الايجابيات والسلبيات، وتحديد تأثيرها على ودائع الأفراد في البنوك، وهل تم إعادة تدوير الودائع، وما مدى حجم السيولة الجديدة التي ضختها الشهادات في البنوك، وتأثيرها في فترة الشراء.

ومن أيضا دراسة تأثير بيع الشهادات على أداء البورصة، خصوصا أن التقديرات تشير الى أن حجم الشراء في الخمسة الأولى فاق حجم السيولة السوقية في البورصة المصرية خلال شهري يوليو وأغسطس، والحصيلة النهائية في 8 ايام فاق سيولة أكثر من ثلاثة أشهر ونصف في البورصة.

وصحيح أن حصيلة بيع شهادات قناة السويس ليست نتيجة مشتريات الأفراد العاديين فقط، بل هناك مشتريات مؤسسات ورجال أعمال وجهات حكومية، خصوصا مع إعلان شركات خاصة ورجال أعمال ومؤسسات حكومية شراء شهادات مشروع قناة السويس الجديدة، إلا أن الأفراد يمثلون حجر الزواية في تحقيق هذا الرقم.

والمعلوم أن الحكومة أكبر مستفيد من هذا الزخم، لحصولها على تمويل بسعر فائد أقل، وبالمعايير المالية، من اسعار الفائدة في حالة الاقتراض من الخارج، بخلاف سرعة التمويل وإختفاء الشروط الدولية في الإقتراض الشعبي، وهذا يعني بإختصار أن الشعب صاحب فضل على الحكومة، في دعم مشروعات من المفترض أن تقوم هي بتوفير أدوات تمويلها.

وفي المقابل صحيح ايضا أن شهادات استثمار قاة السويس بديل استثماري مناسب للفرد والمؤسسات، لا يحمل مخاطر كبيرة، وأن كانت يرى البعض أنها منعدمة، مع معدل عائد مرتفع نسبياً بالمقارنة مع أدوات استثمار أخرى، مما أدى الى إنتقال شريحة ممن لديهم سيولة من الإستثمار في البورصة الى شراء هذه الشهادات.

وفي كل الأحوال فان النتائج النهايئة لبيع شهادات قناة السويس، تؤكد أن الشعب قام بدوره، وإستجاب لشراء الشهادات، من أجل مشروع قومي، وآملا في أن يكون فيه وفي المراحل التالية لمشروع محور قناة السويس، أحد أدوات إنقاذ الاقتصاد الوطني، وفتح أفاق أكبر لمرحلة إنتعاش إقتصادي، وخلق فرص عمل للأجيال الحالية والأجيال القادمة.

ويبقى على الحكومة وبكل مستوياتها، باعتبارها التي تدير الدولة، أن تقدم في الشهور المقبلة تطمينات للشعب، وتقوم بدورها المنوط به، وتقوم بترجمة أحلام شعب لم يُقصر ولن يٌقصر في دعم بلاده، سواء في أدوات استثمار، أو بعمليات دعم وتبرعات، وعلى إدارة الدولة أيضا أن تكون مُدركة، بأن الشعب إن لم يجد ترجمة فعلية، لن يصر كثيرا، فللصبر حدود، خصوصا إذا ما طال أمد "سياسة مد اليد" ، والتي يجب تحل محلها "سياسة إمداد الأيادي للمواطن".

##

##

مقالات اخرى للكاتب

مؤشرات | سياسات زراعية على حساب محاصيل تاريخية.. القصب مثالًا